آيات من القرآن الكريم

وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا
ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ

قال عمر رضي الله عنه لكعب الأحبار: ويحك يا كعب! حدّثنا من حديث الآخرة قال: نعم يا أمير المؤمنين! إذا كان يوم القيامة، رفع اللوح المحفوظ، فلم يبق أحد من الخلائق إلا وهو ينظر إلى عمله، ثم يؤتى بالصحف التي فيها أعمال الناس، فتنثر حول العرش، وذلك قوله تعالى: وَوُضِعَ الْكِتابُ، فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ.. الآية.
ثم يدعى المؤمن، فيعطى كتابه بيمينه، فينظر فيه، فإذا حسناته باديات للناس، وهو يقرأ سيئاته لكيلا يقول: كانت لي حسنات، فلم تذكر، فأحب الله أن يريه عمله كلّه، حتى إذا استنقص ما في الكتاب وجد في آخره ذلك كله أنه مغفور، وأنك من أهل الجنة فعند ذلك يقبل إلى أصحابه ثم يقول:
هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ، إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ [الحاقة ٦٩/ ١٩- ٢٠].
ثم يدعى بالكافر، فيعطى كتابه بشماله، ثم يلف، فيجعل من وراء ظهره، ويلوى عنقه فذلك قوله: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ [الانشقاق ٨٤/ ١٠] فينظر في كتابه، فإذا سيئاته باديات للناس، وينظر في حسناته، لكيلا يقول: أفأثاب على السيئات؟! «١».
قصة السجود لآدم عليه السلام
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٥٠ الى ٥٣]
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (٥٠) ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (٥١) وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (٥٢) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣)

(١) تفسير القرطبي: ١٠/ ٤١٩.

صفحة رقم 269

الإعراب:
كانَ مِنَ الْجِنِّ حال بإضمار قد، واستئناف للتعليل كأنه قيل: ما له لم يسجد؟ فقيل:
كان من الجن.
بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا فاعل بِئْسَ: مضمر فيها، وبَدَلًا تمييز مفسّر لذلك المضمر، أي بئس البدل للظالمين ذرّية إبليس. ولِلظَّالِمِينَ فصل بين بِئْسَ وما انتصب به، واستدل به المبرّد على جواز الفصل بين فعل التعجب وما انتصب به في نحو قولهم: ما أحسن اليوم زيدا. والمقصود بالذم: ذرية إبليس، وحذف لدلالة الحال عليه.
البلاغة:
أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ؟ الهمزة للإنكار والتعجيب.
المفردات اللغوية:
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ أي اذكر. اسْجُدُوا لِآدَمَ سجود انحناء، تحية وإكراما له، اعترافا بفضله. وقد تكرر الأمر بالسجود لآدم في مواضع، لكونه مقدمة للأمور المقصود بيانها في تلك المحال، وهنا لما شنع الله تعالى على المفتخرين بأموالهم واستقبح صنيعهم، قرر أن ذلك من سنن إبليس إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ إذا اعتبر الجن نوعا من الملائكة فالاستثناء متصل، وإلا فهو استثناء منقطع، وإبليس: أبو الجن، فله ذرية، والملائكة لا ذرية لهم. فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ خرج عن طاعة ربه أو عما أمره به ربه، بترك السجود. أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ الخطاب لآدم وذريته، والهاء في الموضعين لإبليس، والذرية: الأولاد أو الأتباع، وسماهم ذرية مجازا. أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي تطيعونهم. عَدُوٌّ أعداء، والعدو: يطلق على الواحد والجمع. بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا إبليس وذريته في إطاعتهم، بدل إطاعة الله.
ما أَشْهَدْتُهُمْ أي إبليس وذريته. وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ أي لم أحضر بعضهم خلق بعض.

صفحة رقم 270

وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ الشياطين. عَضُداً أعوانا، والعضد في الأصل: ما بين المرفق إلى الكتف، ويستعمل بمعنى المعين، كاليد ونحوها، وهو المراد هنا. أي لم أستعن بالشياطين في الخلق، فكيف تطيعونهم؟ وهو رد لاتخاذهم أولياء من دون الله، شركاء له في العبادة، فإن استحقاق العبادة من توابع الخالقية. ووضع الْمُضِلِّينَ موضع الضمير ذمّا لهم، واستبعادا للاعتضاد بهم.
وَيَوْمَ يَقُولُ اذكر. نادُوا شُرَكائِيَ الأوثان وغيرها. الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أنهم شركائي أو شفعاؤكم ليمنعوكم من عذابي. وإضافة الشركاء على زعمهم للتوبيخ. فَدَعَوْهُمْ فنادوهم للاستغاثة. فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ فلم يغيثوهم أو لم يجيبوهم. وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ بين الأوثان وعابديها، أو بين الكفار وآلهتهم. مَوْبِقاً مهلكا يشتركون فيه، وهو النار، أو واد من أودية جهنم، يهلكون فيه جميعا، أو حاجزا بينهم. فَظَنُّوا فأيقنوا. أَنَّهُمْ مُواقِعُوها أي واقعون فيها، وداخلوها. مَصْرِفاً معدلا أو مكانا ينصرفون إليه.
المناسبة:
هناك تشابه بين فعل المشركين سابقا، وافتخارهم بأموالهم وأعوانهم على فقراء المسلمين، وبين فعل إبليس الذي تكبر على آدم لأنه افتخر بأصله ونسبه، وقال: خلقتني من نار، وخلقته من طين، فأنا أشرف منه في الأصل والنسب، فكيف أسجد وأتواضع له؟ والمشركون قالوا: كيف نجلس مع هؤلاء الفقراء، مع أنّا من أنساب شريفة، وهم من أنساب نازلة، ونحن أغنياء وهم فقراء. وهذه هي طريقة إبليس، فذكرت قصته هنا تنبيها على وجود التشابه، والله تعالى حذر من هذه الطريقة ومن الاقتداء بها.
وتكرار قصة إبليس في مواضع من القرآن: إنما هو لما يناسب المقصود، ولما يحقق الفائدة، ففي كل موضع تساق لفائدة مغايرة لما ذكرت في مواضع أخرى.
التفسير والبيان:
هذا تنبيه لبني آدم على عداوة إبليس لهم، ولأبيهم من قبلهم، وتقريع لمن اتبعه منهم، وخالف خالقه ومولاه، فقال:

صفحة رقم 271

وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ.. أي واذكر لهم يا محمد إذ أمرنا جميع الملائكة بالإلهام أن يسجدوا لآدم سجود تحية وإكرام، تكريما للنوع الإنساني، كما ذكر مرارا في آيات كثيرة من القرآن الكريم، منها: في سورة البقرة: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ: اسْجُدُوا لِآدَمَ، فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ، وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ [٣٤]، ومنها في سورة الحجر: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ: إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي، فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ [٢٨- ٢٩]، ومنها في سورة الكهف: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ: اسْجُدُوا لِآدَمَ، فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ [٥٠].
وسبب إباء إبليس السجود لآدم: اغتراره بأصله، فإنه خلق من مارج من نار، وأصل خلق الملائكة من نور، وخلق آدم من تراب، كما
ثبت في صحيح مسلم عن عائشة مرفوعا: «خلقت الملائكة من نور، وخلق إبليس من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم»
، وبان من الآية السابقة أن إبليس من الجن، كما بان من آية أخرى أنه خلق من نار، وخلق آدم من طين، كما قال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ، خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ، وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [ص ٣٨/ ٧٦].
قال الحسن البصري: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط، وإنه لأصل الجن، كما أن آدم عليه السلام أصل البشر.
كانَ مِنَ الْجِنِّ أي أن سبب عصيانه أنه كان من عنصر الجن، فلم يعمل مثل ما عملوا، لذا قال:
فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أي فخرج عن طاعة الله، فإن الفسق هو الخروج، يقال: فسقت الرطبة: إذا خرجت من أكمامها أو قشرها، ودل هذا على أن فسقه بسبب كونه من الجن أي الشياطين، وشأن الجن التمرد والعصيان، لخبث ذواتهم. والخلاصة: أن قوله تعالى: كانَ مِنَ الْجِنِّ كلام مستأنف

صفحة رقم 272

جار مجرى التعليل بعد استثناء إبليس من الساجدين. وقوله: فَفَسَقَ..
الفاء للتسبيب أيضا، جعل كونه من الجن سببا في فسقه لأنه لو كان ملكا لم يفسق عن أمر ربه لأن الملائكة معصومون، على عكس الجن والإنس.
وأما ما ذكر في آية أخرى أنه من الملائكة، فلا يعارض هذه الآية لأنه قد يطلق على الملائكة أنهم جن لاستتارهم عن أعين الناس.
ثم عقب الله تعالى على القصة بقوله:
أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ؟ أي أنه تعالى يعجب ممن يطيع إبليس وجنده في الكفر والمعاصي، ويحذر من اتباعه بعد ما عرف موقفه من أبيهم آدم، ويوبخ ويقرع من اتّبعه وأطاعه، متخذا له ولجنده ونسله نصراء من دون الله، وبدلا عنه، لذا قال:
بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا أي بئس البدل للكافرين الظالمين أنفسهم وهو اتخاذ إبليس وذريته أولياء من دون الله، وهو المنعم عليهم.
ومما يدل على أن إبليس ليس من الملائكة أنه تعالى أثبت له ذرية ونسلا في هذه الآية، والملائكة ليس لهم ذرية ولا نسل، فوجب ألا يكون إبليس من الملائكة.
ثم سلب الله تعالى الولاية عمن دونه من الشركاء والأبالسة، فقال:
ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ الذي ذهب إليه الأكثرون أن المعنى: ما أشهدت الذين اتخذتموهم أولياء من الشركاء خلق السموات والأرض، ولا أشهدت بعضهم خلق بعض، فهم عبيد أمثالكم لا يملكون شيئا، ولا كانوا موجودين عند خلق السموات والأرض. وهؤلاء الشركاء هم الذين وسوس لكم إبليس في شأنهم، حتى اتخذتموهم شركاء لي.

صفحة رقم 273

ورجح الرازي أن الضمير عائد إلى الكفار الذين قالوا للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن لم تطرد من مجلسك هؤلاء الفقراء، لم نؤمن بك، فكأنه تعالى قال: إن هؤلاء الذين اقترحوا هذا الاقتراح الفاسد، ما كانوا شركاء لي في تدبير العالم «١».
وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً أي وما كنت متخذ الضالين المضلين أعوانا وأنصارا، والخطاب للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، والمعنى: وما صح لك الاعتضاد بهم، وما ينبغي لك أن تعتز بهم، فإنهم إذا لم يكونوا عضدا لي في الخلق، فما لكم تتخذونهم شركاء لي في العبادة؟
ثم يخبر الله تعالى عما يخاطب به المشركين يوم القيامة على رؤوس الأشهاد تقريعا لهم وتوبيخا، فيقول:
وَيَوْمَ يَقُولُ: نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ، فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ أي واذكر لهم أيها الرسول ما يحدث وقت الاجتماع في يوم الجمع في القيامة، حيث يقول الله للكافرين تأنيبا وتوبيخا: نادوا لنصرتكم من زعمتم أنهم شركائي، لينقذوكم مما أنتم فيه، فدعوهم، فلم يجيبوهم بشيء، ولم ينفعوهم في شيء، كما قال تعالى: وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ، لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ، وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [الأنعام ٦/ ٩٤].
وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً أي وجعلنا بين المشركين وآلهتهم المزعومة مكانا سحيقا ومهلكا، أي موضعا للهلاك، وهو نار جهنم أو واد في جهنم، وقال ابن عباس: الموبق: الحاجز، وقال ابن الأعرابي: كل شيء حاجز بين شيئين فهو موبق. والمعنى أن الله تعالى بيّن أنه لا سبيل لهؤلاء المشركين، ولا وصول لهم إلى آلهتهم التي كانوا يزعمون في الدنيا، وأنه يفرق بينهم وبينها في الآخرة، بل بينهما مهلك وهول عظيم وأمر كبير.

(١) تفسير الرازي: ٢١/ ١٣٨

صفحة رقم 274

وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ، فَظَنُّوا- والظن هنا بمعنى العلم واليقين- أَنَّهُمْ مُواقِعُوها، وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً أي إذا عاين المشركون النار، تحققوا لا محالة أنهم واقعون فيها، ومخالطوها وداخلون فيها حتما لا محالة، وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً أي معدلا، والمعنى ليس لهم طريق ولا مكان يعدل بهم عنها، ولا بدّ لهم منها لإحاطتها بهم من كل جانب. ذكر ابن جرير عن أبي سعيد، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: «إن الكافر ليرى جهنم، فيظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة».
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- كرم الله تعالى أبانا آدم عليه السلام والجنس البشري بأجمعه بأمره الملائكة أن تسجد له في بدء الخليقة سجود تحية وتكريم، لا سجود عبادة وتقديس.
٢- أذعن الملائكة كلهم جميعا لأمر السجود فسجدوا إلا إبليس الذي كان من عنصر الجن أبي السجود وفسق عن أمر ربه وخرج عن طاعة الله تعالى.
٣- تضمن رفض إبليس السجود عداوته للإنسان، لذا وبخ تعالى كل من اتخذ الشيطان وأتباعه أولياء: أعوانا ونصراء لأنهم أعداء، والعدو لا ينصر من عاداه ولا يؤتمن على نصرته. وكذلك تضمن الرفض التكبر على آدم والترفع عليه، لمّا ادعى أن أصله أشرف من أصل آدم، إذ هو من نار، وآدم من طين، فوجب أن يكون هو أشرف من آدم، فكأنه تعالى قال لأولئك الكافرين الذين افتخروا على فقراء المسلمين بشرف نسبهم وعلو منصبهم: إنكم في هذا القول اقتديتم بإبليس في تكبره على آدم. لكل ما ذكر بئس عبادة الشيطان بدلا عن عبادة الله، أو بئس إبليس بدلا عن عبادة الله تعالى.

صفحة رقم 275

٤- قوله تعالى: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ يدل على إثبات ذرية إبليس، وهو دليل على أن لإبليس زوجة لأن الذرية لا تكون إلا من زوجة. وقال قوم: ليس له أولاد ولا ذرية، وذرّيته: أعوانه من الشياطين. قال القشيري أبو نصر: والجملة أن الله تعالى أخبر أن لإبليس أتباعا وذرّية، وأنهم يوسوسون إلى بني آدم، وهم أعداؤهم، ولا يثبت عندنا كيفية في كيفية التوالد منهم، وحدوث الذرية عن إبليس، فيتوقف الأمر فيه على نقل صحيح.
والذي ثبت في هذا الموضوع ما
ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين عن سلمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «لا تكن أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها، فبها باض الشيطان وفرّخ»
قال القرطبي: وهذا يدل على أن للشيطان ذرية من صلبه، والله أعلم.
٥- لم يستعن الله تعالى بأحد في خلق السموات والأرض، ولم يكن أحد موجودا عند الخلق، ولم يشهد المشركين وإبليس وذريته الخلق، أي لم يشاورهم في خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم، بل خلقهم على ما أراد، ولا يصلح المخلوقون اتخاذهم أولياء من دون الله تعالى.
وهذا رد على طوائف من المنجّمين وأهل الطبائع والمتحكمين من الأطباء وسواهم وكل من يخوض في هذه الأشياء.
كذلك لم يتخذ الله تعالى المضلين عضدا، أي لم يتخذ الشياطين والكفار أعوانا لأنه تعالى لا يحتاج إلى عون أحد. وخص المضلين بالذكر لزيادة الذم والتوبيخ.
٦- هناك حاجز بين المؤمنين والكافرين، وبين المشركين وآلهتهم المزعومة من الأوثان وغيرها يوم القيامة، فلا ينتفع الكفار بمن أشركوا، ولا يتمكنون من منع العذاب عنهم، والكل هالكون في جهنم.

صفحة رقم 276
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية