
والتوحيد فِي الفعل. ونظيرهما (عَسى أَنْ يَكُونُوا «١» خَيْراً مِنْهُمْ) وَفِي قراءة عبد الله (عسوا أن يَكونوا خيرًا منهم) ألا ترى أنك لا تَقُولُ، هُوَ يَعْسِي كما لَمْ تقل يَبْأَس.
وقوله: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها [٣٣] ولم يقل: أتتا. وَذَلِكَ أن (كِلْتَا) ثنتان لا يُفرد واحدتهما، وأصله كُلّ كما تَقُولُ للثلاثة: كل: فكان القضاء أن يكون للثنتين ما كَانَ للجمع، لا أن يفرد للواحدة شىء فجاز توحيده ١٠٤ ب عَلَى مذهب كلّ. وتأنيثه جائز للتأنيث الَّذِي ظهر فِي كلتا. وكذلك فافعل بكلتا وكِلا وكُلّ إذا أضفتهنّ إلى معرفة وجاء الفعل بعدهن، فاجمع ووحِّد.
من التوحيد قوله (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ «٢» يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) ومن الجمع (وَكُلٌّ أَتَوْهُ «٣» داخِرِينَ) و (آتوه) مثله. وهو كَثِير فِي القرآن وسائر الكلام. قَالَ الشاعر:
وكلتاهما قد خُطّ لي فِي صحيفتي | فلا العيشُ أهواهُ ولا الموتُ أرْوح |
فِي كِلْت رجليها سُلَامَى واحدة | كلتاهما مقرونة بزائده «٤» |
والعرب تفعل ذَلِكَ أيضًا فِي (أىّ) فيؤنثون ويذكّرون، والمعنى التأنيث، من ذلك قول الله تبارك
(٢) الآية ٩٥ سورة مريم.
(٣) الآية ٨٧ سورة النمل.
(٤) ورد هذا الرجز فى الخزانة فى الشاهد الثالث عشر. وفيها أنه فى وصف نعامة. والسلامى: عظم فى فرسن البعير، وعظام صغار طول إصبع أو أقل فى اليد والرجل والفرسن للبعير بمنزلة الحافر للفرس والضمير فى كلتاهما للرجلين.
والشطر الأخير مؤكد لما فى الشطر الأول فالزائدة هى السلامى. وقد ضبط «كلت» بالكسر، والذي فى الخزانة والإنصاف ضبطه بالفتح، وقد يسر هذا للبصريين أن يقولوا: الأصل كلتا فحذفت الألف. والأقرب إلى مذهب الفراء والكوفيين الجر بالكسر إذ يجعلونها مفرد كلتا. وفى الخزانة أورد عبارة الفراء هكذا. «وقد تفرد العرب إحدى كلتى بالإحالة وهم يذهبون بافرادها إلى اثنينيتها وأنشد فى بعضهم البيت. يعنى الظليم يريد بكلت كلّى».

وتعالى (وَما تَدْرِي «١» نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) ويَجوز فِي الكلام بأيَّة أرض. ومثله (فِي أىّ «٢» صورة) يجوز فِي الكلام فِي أيَّة صورة. وقال الشاعر:
بأيّ بلاء أَمْ بأيَّة نعمة | يقدّم قبلي مسلم والمهلب |
قَالَ الشاعر:
كلا عقبيه قد تشعّب رأسُهَا | من الضرب فِي جنْبِي ثَفال مباشر |
قلت: إن الاثنين بنيا عَلَى واحد ولم يُبن (كلا) عَلَى واحد، ألا ترى أن قولك: قام عبد الله كلُّه خطأ، وأنك تَجد معنى الاثنين عَلَى واحد كمعنى الثلاثة وزيادات «٤» العدد، ولا يَجوز إلا أن تَقُولُ: الاثنان قاما والاثنتان قامَتَا.
وهي فِي قراءة عبد الله.
كُلّ الجنتين آتى أُكُله
ومعناه كل شيء من ثمر الجنتين آتى أكله. ولو أراد جمع الثنتين ولم يرد كل الثمر لَمْ يجز إلا كلتاهما، ألا ترى أنك لا تَقُولُ: قامت المرأتان كلهما، لأن (كل) لا تصلح لإحدى المرأتين وتصلح لإحدى الجنتين. فقس عَلَى هاتين كل ما يتبعض مما يقسم أولا يقسم.
(٢) الآية ٨ سورة الانفطار.
(٣) ا، ش، ب «للاثنين» والمناسب ما أثبت.
(٤) يريد أربعة فما قوقها.