
أوجه: أحدها: أن يكون على إِضمار: إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا منهم، ولم يحتج إِلى ذكر «منهم» لأن الله تعالى قد أعلَمنا أنه محبطٌ عملَ غير المؤمنين. والثاني: أن يكون خبر «إِن» : أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ، ويكون قوله: إِنَّا لا نُضِيعُ قد فصل به بين الاسم وخبره، لأنه يحتوي على معنى الكلام الأول، لأن من أحسن عملاً بمنزلة الذين آمنوا. والثالث: أن يكون الخبر: إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا، بمعنى: إِنّا لا نُضيع أجرهم.
قال المفسرون: ومعنى لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا أي: لا نترك أعماله تذهب ضَياعاً، بل نُجازيه عليها بالثواب. فأما الأَساور، فقال الفراء: في الواحد منها ثلاث لغات: إِسوار، وسِوار، وسُوار فمن قال: إِسوار، جمعَه أساور، ومن قال: سِوار أو سُوار، جمعَه أسْوِرة، وقد يجوز أن يكون واحد أَساورة وأَساور: سِوار وقال الزجاج: الأَساور جمع أَسْوِرَة، وأَسْوِرَة جمع سِوَار، يقال:
سوار اليد، بالكسرة، وقد حكي: سُوار. قال المفسرون: لما كانت الملوك تلبَس في الدنيا الأساور في اليد والتّيجان على الرّؤوس، جعل الله تعالى ذلك لأهل الجنة. قال سعيد بن جبير: يُحلَّى كلُّ واحد منهم بثلاثة من الأساور، واحدٍ من فضة، وواحدٍ من ذهب، وواحدٍ من لؤلؤ ويواقيت. فأما «السُّنْدُسُ» و «الإِستبرق»، فقال ابن قتيبة: السُّندس: رقيق الديباج، والإِستبرق ثخينه. وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي، قال: السندس: رقيق الديباج، لم يختلف أهل اللغة في أنه معرَّب، قال الراجز:
وليلة من الليالي جندس | لون حواشيها كلون السندس |
والأرائك: الفُرُش في الحِجَال، ولا تكون الأريكة إِلا بحَجَلة وسرير. وقال ابن قتيبة: الأرائك: السُّرُر في الحِجال، واحدها: أريكة. وقال ثعلب: لا تكون الأريكة إِلا سريراً في قُبَّة عليه شَواره ومتاعه قال ابن قتيبة: الشَّوار، مفتوح الشين، وهو متاع البيت. وقال الزجاج: الأرائك: الفُرُش في الحِجال. قال:
وقيل: إِنها الفُرُش، وقيل إنها الأسِرَّة، وهي على الحقيقة: الفُرُش كانت في حجال لهم.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٣٢ الى ٣٦]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (٣٢) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (٣٣) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (٣٤) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (٣٥) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (٣٦)
قوله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ روى عطاء عن ابن عباس، قال: هما ابنا ملك كان في بني إِسرائيل توفِّي وتركهما، فاتخذ أحدهما الجِنان والقصور، وكان الآخر زاهداً في الدنيا، فكان إِذا عمل أخوه شيئاً من زينة الدنيا، أخذ مثل ذلك فقدَّمه لآخرته، حتى نفد ماله، فضربهما الله عزّ وجلّ مثلا صفحة رقم 82

للمؤمن والكافر الذي أبطرته النعمة. وروى أبو صالح عن ابن عباس: أن المسلم لما احتاج، تعرَّض لأخيه الكافر، فقال الكافر: أين ما ورثتَ عن أبيك؟ فقال: أنفقتُه في سبيل الله، فقال الكافر: لكنّي ابتعت منه جِناناً وغنماً، وبقراً، والله لا أعطيتك شيئاً أبداً حتى تتبع ديني، ثم أخذ بيد المسلِم فأدخله جِنانه يطوف به فيها، ويرغِّبه في دينه. وقال مقاتل: اسم المؤمن يمليخا، واسم الكافر فرطس، وقيل:
فطرس، وقيل: هذا المَثَل ضُرِبَ لعيينة بن حصن وأصحابه، ولسلمان وأصحابه «١». قوله تعالى:
وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ الحفّ: الإحاطة بالشيء، ومنه قوله تعالى: حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ «٢» والمعنى:
جعلنا النّخل مطيفا. وقوله تعالى: وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً إِعلام أن عمارتهما كاملة.
قوله تعالى: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها قال الفرّاء: لم يقل تعالى: آتتا، لأن «كلتا» ثنتان لا تُفرد واحدتُهما، وأصله: «كُلٌّ»، كما تقول للثلاثة: «كُلٌّ»، فكان القضاء أن يكون للثنتين ما كان للجمع، وجاز توحيده على مذهب «كُلّ»، وتأنيثه جائز للتأنيث الذي ظهر في «كلتا»، وكذلك فافعل ب «كلا» و «كلتا» و «كُلّ»، إِذا أضفتَهُنَّ إِلى مَعْرِفة وجاء الفعل بعدهن فوحِّد واجمع، فمن التوحيد قوله تعالى:
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً «٣»، ومن الجمع: وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ «٤»، والعرب قد تفعل ذلك أيضاً في «أي» فيؤنّثون ويذكِّرون، قال الله تعالى: وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ «٥»، ويجوز في الكلام «بأية أرض»، وكذلك فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ «٦»، ويجوز في الكلام «في أيّة»، قال الشاعر:
بأي بلاءٍ أم بأيَّة نعمةٍ | تقدَّم قبلي مسلمٌ والمهلَّب |
وكلتاهما قد خطَّ لي في صَحيفتي | فلا الموت أهواه ولا العيش أروح |
«نهْراً» بسكون الهاء.
قوله تعالى: وَكانَ لَهُ يعني: للأخ الكافر (ثَمَر) قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: «وكان له ثُمُر»، «وأُحيط بثُمُره» بضمتين. وقرأ عاصم: «وكان له ثمر»، «وأحيط بثمره»
(٢) سورة الزمر: ٧٥.
(٣) سورة مريم: ٩٥.
(٤) سورة النمل: ٨٧.
(٥) سورة لقمان: ٣٤.
(٦) سورة الانفطار: ٨.