آيات من القرآن الكريم

قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا
ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ

قال الفراء: (مِنَ العرب من يضع السنين في موضع سنة، وهي حينئذٍ (١) في موضع خفض لمن أضاف) (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ قال أبو إسحاق: (لا يكون على معنى تسع ليال، ولا تسع ساعات؛ لأن العدد يعرف تفسيره، فإذا تقدم تفسيره استغنى بما تقدم عن إعادة ذكر التفسير، تقول: عندي مائة درهم وخمسة، فتكون الخمسة قد دل عليها ذكر الدراهم) (٣).
وقال أبو علي: (﴿وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ أي: ازدادوا لُبث تسع، فحذف المصدر وأقيم المضاف إليه مقامه، وانتصاب تسع انتصاب المفعول به لا انتصاب الظرف، كما أن المضاف لو ظهر وأضيف إلى التسع كان كذلك) (٤).
٢٦ - قوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ ذكرنا تفسيره في الآية المتقدمة.
وقوله تعالى: ﴿لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ذكرنا تفسيره في آخر سورة هود (٥).
﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ قال الأخفش: (أي ما أبصره وأسمعه! كما تقول: أكرم به! أي ما أكرمه! قال: ويدلك على ذلك أن العرب تقول: يا

(١) في (ص): (مسد)، وهو تصحيف.
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٨.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٩.
(٤) "الحجة للقراء السبعة" ١/ ٣٢٣.
(٥) عند قوله سبحانه في سورة هود الآية رقم (١٢٣): ﴿ولله غيب السموات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون﴾.

صفحة رقم 593

أمة الله أكرم يزيد! فهذا معناه ما أكرمه! ولو كان يأمرها أن تفعل شيئًا لقال: أكرمي زيدًا) (١).
وقال الفراء: (﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ يريد الله، كقولك: أكرم بعبد الله! ومعناه: ما أكرم عبد الله! وكذلك قوله: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ﴾ [مريم: ٣٨] ما أسمعهم وما أبصرهم!) (٢).
وقال أبو إسحاق: قوله: (﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ أجمع العلماء أن معناه: ما أسمعه وأبصره! أي: هو عالم بقصة أصحاب الكهف وغيرهم) (٣).
وقال أبو علي: (العرب تتسع فتقيم المثال الذي يختص بالأمر مقام الخبر، والمثل المختص بالخبر موقع الدعاء والأمر مما أقيم من أمثلة الأمر موقع الخبر قولهم: أكرم يزيد! وقوله تعالى: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ﴾ [مريم: ٣٨]، ومعنى هذا ما أكرم زيدًا، واسمعوا وأبصروا، أي: صار زيد ذا كرم، وصار هؤلاء ذوي أسماع وأبصار. قال: وموضع الباء مع ما بعده من المنجر رفع، كما أن الباء في: ﴿كَفَى بِاللَّهِ﴾ [العنكبوت: ٥٢] كذلك فوقع مثال الأمر هاهنا موقع الخبر، كما وقع مثال الخبر موقع الأمر في الدعاء في مثل: غفر الله لزيد، وقطع الله يد فلان، وجاء في التنزيل: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا﴾ [مريم: ٧٥] فهذا لفظه كلفظ أمثلة الأمر، ومعناه الخبر، ألا ترى أنه لا وجه للأمر هاهنا وأن المعنى مده الرحمن مدا، ويدلك على أن المراد بقوله: أكرم يزيد! أن معناه أنه قد

(١) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦١٨.
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٩.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨٠.

صفحة رقم 594

كرم، وأن الكرم وما أشبهه من الأحداث لا يخاطب ولا يؤمر ولا ينهى، وأنه ليس للأمر هاهنا معنى ولا متوجه، وأيضًا فإنك إذا قلت: يا زيد أكرم بعمرو، فليس يخلو هذا الفعل من أن يكون له فاعل، وفاعله لا يخلو من أن يكون المخاطب أو المتعجب منه، فلو كان المخاطب لوجب أن يجمع الضمير في الفعل ويلحق علامة التأنيث، فلما لم يفعل من ذلك شيء، بل أجروا هذا الفعل بعد المذكر والمؤنث والجمع والتثنية مجرى واحد أعلم أن فاعله المتعجب منه دون المخاطب، وثبت أن الجار مع المجرور في موضع رفع) (١).
هذا الذي ذكره أبو علي أصل هذا الكلام، وشرح وضعه، ثم صار من ألفاظ التعجب حتى لا فصل بين قولك: ما أحسن زيدًا! وقولك: أحسن بزيد، وإذا كان كذلك فقدله تعالى: ﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ قال المفسرون: (ما أبصر الله بكل موجود، وأسمعه بكل مسموع) (٢).
وقال ابن زيد: (معناه أنه يرى أعمال أهل السموات والأرض، ويسمع منهم) (٣). هذا الذي ذكرنا إجماع من أهل العلم أن قوله: ﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ معناه ما أبصره وأسمعه!.
وروى عطاء عن ابن عباس أنه قال: (معناه أبصر أوليائي بعجائب القرآن، وأسمع به أوليائي) (٤). وعلى هذا ﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ المراد به

(١) ذكر نحوه في "الحجة للقراء السبعة" ٢/ ٢٠٥.
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢٣٢، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٦٥، و"النكت والعيون" ٣/ ٣٠٠.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٣٢، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٩.
(٤) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "زاد المسير" ٥/ ١٣١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٨٨، و"روح المعاني" ١٥/ ١٥٥.

صفحة رقم 595

الأمر، والمفعول محذوف على تقدير: أبصرهم وأسمعهم، وقوله: ﴿بِهِ﴾ أي: بالقرآن، كأنه قيل: اجعلهم يبصرون بالقرآن غيري، وولايتي ويسمعون ذلك (١). والقول الذي عليه الناس هو الأول.
وقوله تعالى: ﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾ قال المفسرون: (أي ليس لأهل السموات والأرض من دون الله) (٢). والكناية تعود إلى أهل السموات والأرض، وقد سبق ذكرهم في قوله: ﴿غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، وهم من غيبها، أي: مما غابوا فيها. وقال عطاء عن ابن عباس: (﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾ يريد قد عرفوا عظمتي وربوبيتي فلم يتخذوا من دوني وليًّا) (٣). وعلى هذا الكناية في قوله تعود إلى المؤمنين خاصة من أهل السموات والأرض (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ قال أبو إسحاق: (هذا على معنيين أحدهما: أنه جرى ذكر علمه وقدرته، فأعلم أنه لا يشرك في حكمه بما يخبر به من الغيب أحدًا كما قال: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا﴾ [الجن: ٢٦]. ويكون على معنى: أنه لا يجوز أن يحكم حاكم

(١) "النكت والعيون" ٣/ ٣٠٠، و"زاد المسير" ٥/ ١٣١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٨٨. والحق أن يقال في تفسير هذه الآية: ما أبصره وما أسمعه -صلى الله عليه وسلم- وذكر في كتاب الله -عز وجل- آيات كثيرة تدل على اتصافه سبحانه بالسمع والبصر الذي يليق بجلاله. وقال ابن سعدي في "تفسيره" ٥/ ٢٧: تعجب من كمال سمعه وبصره، وإحاطتهما بالمسموعات والمبصرات، بعد ما أخبر بإحاطة علمه بالمعلومات.
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢٣٢، و"معالم التنزيل" ٥٣/ ١٦٥، و"الكشاف" ٢/ ٣٨٧، و"زاد المسير" ٥/ ١٣١.
(٣) ذكره الطبري في "جامع البيان" ١٥/ ٢٣٢ بدون نسبة.
(٤) "البحر المحيط" ٦/ ١١٧، و"روح المعاني" ١٥/ ٢٥٦.

صفحة رقم 596
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية