آيات من القرآن الكريم

قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا
ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ

(قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (٩٥)
أمر اللَّه نبيه الكريم أن يعلمهم أن الطبيعة الملكية لَا يمكن أن تعيش قارة ساكنة مع طبيعة الأرض، وأن كل جنس في هذا الوجود له ما يشاكله، فالأرض تشاكل الإنسان والملائكة يشاكلهم مكانهم الذي يعيشون فيه، والرسول يكون من بين المرسل إليهم بل من قومهم، ولذا بين الرسالة لهم هذه الاستحالة قال قل لهم يا نبي اللَّه (لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ...)، أي لو كان في الأرض مكان مهيأ للأرواح الطاهرة المطهرة يمشون فيه مطمئنين، أي ساكنين سكونا يتفق مع طبائعهم الروحية (لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولًا)، أي رسولا من الملائكة.
و (لَوْ) كما يقول علماء البيان: حرف امتناع لامتناع، أي امتنع أن ينزل الله عليهم ملكا رسولا لامتناع أن يكون لهم في الأرض مكان يمشون فيه ويسكنون ويتفق مع روحانيتهم.
أما وجه امتناع المقدَّم، وهو الشرط؛ فذلك لأن الأرض مادة فيها زرع وغرس وفيها أحجار ورمال وغير ذلك من شئون المادة، والملائكة أرواح لَا تُرى، فكيف يمكن أن يكون لهم مكان في هذه الأرض المادية يروحون فيه ويغدون

صفحة رقم 4459

ويخاطبون من أرسلوا إليهم، إنه لابد من أن تجسد هذه الأرواح ليمكن أن تُرى وأن تسير في الأرض وفي هذه الحال لَا يكون ثمة فارق بينهم وبين الآدميين، وقد قال تعالى في سورة الأنعام: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (٩).
ولو كان المشركون يريدون أن يخاطبوهم وهم أرواح لَا يرونها ويسمعونها فإن الأوهام تسيطر عليهم ويقول الضالون المضلون: رئى من الجن خيل لهم.
إذا كان ذلك كذلك، فمن المستحيل أن يجد الملائكة في الأرض ما يصلح لدعوتهم، وألا يكون المرسل إليهم صالحين لخطابهم والاستماع إليهم، وإذا إمتنع المقدم (لو) فإن الثاني يمنع أيضا بهذه البدهيات العقلية، يأمر اللَّه تعالى نبيه - ﷺ - أن يرشدهم إن كان في قلوبهم متسع للإرشاد ولكنهم لَا يطلبون دليلا جديدا لنقص في الدليل، أو تغيير للرسول لعجز فيه، بل يكابرون ويعاندون.
وإذا كانوا معاندين فلا جدوى وكفى باللَّه شهيدا، وقد قامت دلائل شهادته، ولذا قال تعالى:

صفحة رقم 4460
زهرة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة
الناشر
دار الفكر العربي
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية