
(ومن الليل) قيل هو نصبٌ على الإغراء أي الزمْ بعضَ الليل وقيل لا يكون المغرى به حرفاً ولا يجدي نفعاً كونُ معناها التبعيض فإن وامع ليست اسما بالاجتماع وإن كانت بمعنى الاسمِ الصريحِ بل هُو منصوبٌ على الظرفية بمضمر أي قم بعضَ الليل (فَتَهَجَّدْ بِهِ) أي أزِلْ وألقِ الهجر أي النوم فإن صيغةَ التفعّل تجيء للإزالة كالتحرّج والتحنّث والتأثّم ونظائرِها والضميرُ المجرورُ للقرآن من حيث هو لا يقيدلاإضافته إلى الفجر أو للبعض المفهومِ من قولِه تعالى وَمَن الليل أي تهجد في ذلك البعضِ على أن الباء بمعنى في وقيل منصوبٌ يتهجد أي تهجدْ بالقرآن بعضَ الليل على طريقة وإياي فارهبون (نَافِلَةً لَّكَ) فريضةً زائدةً على الصلوات الخمسِ المفروضةِ خاصةً بك دون الأمة ولعله هو الوجهُ في تأخير ذكرِها عن ذكر صلاةِ الفجر مع تقدم وقتها على وقتها أو تطوعاً لكن لا لكونها زيادة
صفحة رقم 189
الإسراء ٨٠ ٨١ على الفرائض بل لكونها زيادة له ﷺ في الدرجات على ما قال مجاهد والسدي فإنه ﷺ مغفورٌ له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر فيكون تطوعُه زيادةً في درجاته بخلاف من عداه من الأمة فإن تطوعَهم لتكفير ذنوبهم وتدارُكِ الخللِ الواقعِ في فرائضهم وانتصابُها إما على المصدرية بتقدير تنفّلْ أو بجعل تهجدْ بمعناه أو يجعل نافلةً بمعنى تهجداً فإن ذلك عبادةٌ زائدةٌ وإما على الحاليةِ من الضميرِ الراجعِ إلى القرآن أي حالَ كونها صلاةً نافلةً وإما على المفعولية لتهجّدْ إذا جُعل بمعنى صلِّ وجعل الضميرُ المجرور للبعض أي فصلِّ في ذلك البعضِ نافلةً لك (عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ) الذي يبلّغك إلى كمالك اللائقِ بك من بعد الموت الأكبرِ كما انبعثْتَ من النوم الذي هو الموتُ الأصغرُ بالصلاة والعبادة (مَقَاماً) نُصب على الظرفية على إضمار فيقيمَك أو تضمين البعثِ معنى الإقامة إذ لا بد من أن يكونَ العاملُ في مثل هذا الظرفِ فعلاً فيه معنى الاستقرارُ ويجوزُ أنْ يكونَ حالاً بتقدير مضافٍ أي يبعثك ذا مَقام (مَّحْمُودًا) عندك وعند جميعِ الناس وفيه تهوينٌ لمشقة قيامِ الليل وروى أبو هريرةَ رضيَ الله عنه إن رسولَ الله ﷺ قال المقامُ المحمودُ هو المقامُ الذي أشفع فيه لأمتي وعن ابن عباس رضي الله عنهما مقاماً يحمَدُك فيه الأولون والآخرون تشرف فيه على جميع الخلائق تسأل فتعطى وتشفع فتُشفّع ليس أحدٌ إلا تحت لوائك وعن حذيفة رضي الله عنه يُجْمَعُ الناسُ في صَعيدٍ واحد فلا تتكلم فيه نفسٌ فَأَوَّلُ مَدْعُوَ محمدٌ صلَّى الله عليهِ وسلم فيقولُ لبّيكَ وسَعْدَيْكَ والشرُّ ليسَ إليكَ والمَهْديُّ من هَدَيْتَ وعبدُكَ بين يديك وبك وإليك لا ملجأ ولا منجا إلا إليكَ تباركتَ وتعاليتَ سبحانك ربَّ البيت
صفحة رقم 190