آيات من القرآن الكريم

وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ

ذكرنا مواقيت الصلاة فى سورة النساء فى تفسير قوله تعالى إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً... إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (٧٨) يشهده ملائكة الليل وملائكة النهار عن ابى هريرة قال سمعت رسول الله ﷺ يقول تفضل صلوة الجميع على صلوة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءا ويجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار فى صلوة الفجر- ثم يقول ابو هريرة اقرءوا ان شئتم وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً- رواه البخاري وغيره قال البيضاوي او يشهده شواهد القدرة من تبدل الظلمة بالضياء والنوم الّذي هو أخو الموت بالانتباه- او كثير من المصلين او من حقه ان يشهده الجم الغفير- وقيل المراد بالصلوة فى قوله تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ صلاة المغرب لِدُلُوكِ الشَّمْسِ اى وقت غروبها إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ اى الى غيبوبة الشفق ففيه بيان لمبدا وقت المغرب ومنتهاه ودلّت الاية على هذا على كون وقت المغرب ممتدا الى غيبوبة الشفق فحينئذ امر الله بالصلوتين لكمال اهتمامهما-.
وَمِنَ اللَّيْلِ اى بعض الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ اى فاترك الهجود يعنى النوم للصلوة والضمير فى به للقران- فى القاموس الهجود بضم الهاء النوم كالتهجد وتهجّد استيقظ كهجد ضدوا هجدنام وأنام كهجّد وهجده تهجيدا أيقظه ونوّمه ضد- والحاصل ان التشديد ان كان للازالة فمعناه ترك النوم وهو المراد هاهنا وان كان للتعدية فمعناه نومه- قال البغوي التهجد لا يكون الا بعد النوم يقال تهجد إذا قام بعد ما ينام- قلت لما كان معناه ترك النوم للصلوة فهو يشتمل من ترك النوم الليل كله او بعضه بعد النوم او قبله فلا وجه لاشتراط النوم قبل الصلاة لقيام الليل عن ابى ذر قال ضمنا مع رسول الله ﷺ فلم يقم بنا شيئا من الشهر حتّى بقي سبع فقام بنا حتّى ذهب ثلث الليل فلما كانت السادسة لم يقم بنا فلما كانت الخامسة قام بنا حتّى ذهب شطر الليل فقلت يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة قال ان الرجل إذا صلى مع الامام حتّى ينصرف حسب له قيام ليله فلما كانت الرابعة لم يقم بنا حتّى بقي ثلث الليل فلما كانت الثالثة جمع اهله ونساءه والناس فقام بنا حتّى خشينا ان يفوتنا

صفحة رقم 466

الفلاح- قلت ما الفلاح قال السحور ثم لم يقم بنا بقية الشهر- رواه اصحاب السنن الا ان الترمذي لم يذكر ثم لم يقم بقية الشهر- وعن السائب بن يزيد قال امر عمر أبيّ بن كعب وتميما الداري ان يقوما للناس بإحدى عشر ركعة فكان القاري يقرا بالمئين حتّى كنا نعتمد على العصا من طول القيام- فما كنا ننصرف الا فى فروع الفجر رواه مالك وعن أبيّ ابن كعب كان يقول كنا ننصرف فى رمضان من القيام فيستعجل الخدم بالطعام مخافة السحور وفى رواية مخافة الفجر رواه مالك- وقد كان رسول الله ﷺ يسافر الى قريب من الصبح وفى حديث ابن عمر قال كان رسول الله ﷺ يصلى فى السفر على راحلته حيث توجهت به يومى ايماء صلوة الليل الا الفرائض ويؤتر على راحلته- متفق عليه وقال ابن عباس كان صلاتهم أول الليل هى أشد وطأ- بمعنى أجدر ان يحصوا ما فرض الله عليكم من القيام لان الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ- لكن التهجد اخر الليل أفضل واكثر ثوابا منها أول الليل لما فى الصحيحين من حديث ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ ينزل ربنا كل ليلة الى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخر الحديث- وعن عبد الرّحمن بن عبد القاري قال خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة الى المسجد يعنى فى رمضان فاذا الناس اوزاع متفرقون يصلى الرجل لنفسه ويصلى الرجل ويصلى بصلاته الرهط فقال عمر لو جمعت هؤلاء على قارى واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبيّ بن كعب قال ثم خرجت معه ليلة اخرى والناس يصلون بصلوة قارئهم قال عمر نعمت البدعة هذه والّتي تنامون عنها أفضل من الّتي تقومون يريد اخر الليل وكان الناس يقومون اوله- رواه البخاري والله اعلم (مسئلة) كانت صلوة الليل فريضة على النبي ﷺ فى الابتداء وعلى الامة بقوله تعالى يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ثم نزل التخفيف فصار الوجوب منسوخا فى حق الامة بالصلوات الخمس وبقي الاستحباب قال الله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ واختلفوا فى انه هل بقي وجوب قيام الليل فى حق النبي ﷺ خاصة أم صار منسوخا فى حقه ايضا فقال بعض الناس ببقاء وجوب قيام الليل فى حق النبي ﷺ لما روى عن عائشة ان النبي ﷺ قال ثلاث هن علىّ

صفحة رقم 467

فريضة وهى سنة لكم الوتر والسواك وقيام الليل فالامر على هذا فى هذه الاية للوجوب ومعنى قوله تعالى نافِلَةً لَكَ فريضة زائدة على سائر الفرائض فرضها الله تعالى عليك والمختار عندى ان افتراض قيام الليل نسخ عن النبي ﷺ ايضا وكان له تطوعا كما هو مدلول هذه الاية صريحا ولو كان المعنى فريضة زائدة لقال نافلة عليك فان صلة الوجوب يكون على دون اللام فان قيل فما وجه تخصيصه بالنبي ﷺ وهو نافلة للعباد كلهم قلنا وجه التخصيص ان نوافل العباد كفارة لذنوبهم والنبي ﷺ كان معصوما
لم يكن عليه ذنب وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يعنى زلّاته- وما هو من قبيل ترك الاولى فيبقى له التهجد نافلة اى زائدة فى رفع الدرجات- كذا روى مجاهد والحسن وابو امامة ويدل على كون التهجد تطوعا فى حق النبي ﷺ حديث المغيرة قال قام النبي ﷺ حتّى تورمت قدماه فقيل له لم تصنع هذا وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر- قال أفلا أكون عبدا شكورا- ولم يقل انه فريضة علىّ خاصة- وحديث ابن عمر قال كان رسول الله ﷺ يصلى فى السفر على راحلته حيث توجهت به يومى ايماء صلوة الليل الا الفرائض ويوتر على راحلته متفق عليه مسئلة اختلفوا فى ان التهجد فى حق الامة من المؤكدات او من المستحبات والمختار عندى انه من المؤكدات لمواظبة النبي ﷺ عليه ولحديث ابن مسعود قال ذكر عند النبي ﷺ رجل فقيل له ما زال نائما حتّى أصبح ما قام الى الصلاة قال ذك رجل بال الشيطان فى اذنه متفق عليه ولا شك ان تارك المندوبات لا يستحق اللوم والعتاب- وقوله تعالى نافِلَةً لَكَ منصوب على انه حال من الضمير المجرور فى به او على المصدرية وضع نافلة موضع تهجدا نافلة اى عبادة زائدة مفروضة او تطوعا وقد ذكرنا فضائل صلوة الليل وبعض مسائلها ومقدار ما ينبغى القراءة فيها فى تفسير سورة المزّمل- (فصل) كيف كان قيام رسول الله ﷺ حين يتجهد من الليل عن زيد بن خالد الجهني انه قال لارمقن صلوة رسول الله ﷺ الليلة

صفحة رقم 468

فتوسدتّ عتبته او فسطاطه فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة- رواه مسلم ذكر البغوي قوله ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثلاث مرات وذكره فى المشكوة اربع مرات وقال هكذا فى صحيح مسلم وافراده من كتاب الحميدي ومؤطا مالك وسنن ابى داود وجامع الأصول فمعنى قوله أوتر على هذا أوتر بواحدة وعلى ما ذكره البغوي معناه أوتر بثلاث- وعن عائشة قالت ما كان رسول الله ﷺ يزيد فى رمضان ولا فى غيره على احدى عشر ركعة يصلى أربعا فلا تسئل عن حسنهن وطولهن ثم يصلى أربعا فلا تسئل عن حسنهن وطولهن ثم يصلى ثلاثا- قالت عائشة فقلت يا رسول الله أتنام قبل ان توتر فقال يا عائشة ان عينى تنامان ولا ينام قلبى متفق عليه وعنها قالت كان رسول الله ﷺ يصلى فيما بين ان يفرغ من صلوة العشاء الى الفجر احدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ثم يوتر بواحدة ويسجد سجدتين قدر ما يقرا أحدكم خمسين اية قبل ان يرفع رأسه وإذا سكت المؤذن من أذان الفجر وتبين له الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الايمن حتّى يأتيه المؤذن للاقامة فيخرج- متفق عليه وعن انس بن مالك قال ما كنا نشاء ان نرى رسول الله ﷺ من الليل مصليا الا رايناه وما نشاء ان نراه نائما الا رايناه- وقال كان يصوم من الشهر حتّى نقول لا يفطر منه شيئا ويفطر حتّى نقول لا يصوم منه شيئا- رواه النسائي وعنها قال كان النبي ﷺ يصلى من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر رواه مسلم وعن مسروق قال سالت عائشة عن صلوة رسول الله ﷺ بالليل قال سبع وتسع واحدى عشرة ركة سوى ركعتى الفجر- رواه البخاري وعن عائشة قالت كان النبي ﷺ إذا قام من الليل ليصلى افتتح صلاته بركعتين خفيفتين- رواه مسلم وروى ايضا عن ابى هريرة مرفوعا إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين

صفحة رقم 469

وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه رقد عنه رسول الله ﷺ فاستيقظ فتسوك وهو يقول إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ حتّى ختم السورة يعنى ال عمران ثم قام فصلى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع
والسجود ثم انصرف فنام حتّى نفخ ثم فعل ذلك ثلاث مرات ست ركعات كل ذلك يستاك ويتوضأ ويقرا هؤلاء الآيات ثم أوتر بثلاث- رواه مسلم وعن عائشة قالت لمّا بدّن رسول الله ﷺ كان اكثر صلاته جالسا- متفق عليه وعن حذيفة انه راى النبي ﷺ يصلى من الليل فكان يقول الله اكبر ثلاثا ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة ثم استفتح فقرا البقرة ثم ركع ركوعه نحوا من قيامه فكان يقول سبحان ربى العظيم ثم رفع رأسه من الركوع فكان قيامه نحوا من ركوعه يقول لربى الحمد ثم سجد فكان سجوده نحوا من قيامه فكان يقول فى سجوده سبحان ربى الأعلى ثم رفع رأسه من السجود وكان يقعد فيما بين السجدتين نحوا من سجوده وكان يقول رب اغفر لى رب اغفر لى فصلى اربع ركعات قرا فيهن البقرة وال عمران والنساء والمائدة او الانعام شك شعبة رواه ابو داود وعن ابى ذر قال قام رسول الله ﷺ حتّى أصبح باية والاية إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ- وعن رجل من اصحاب النبي ﷺ قال لمّا ﷺ صلوة العشاء اضطجع هويا من الليل ثم استيقظ فنظر فى الأفق فقال رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا حتّى بلغ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ ثم أهوى الى فراشه فاستل منه سواكا ثم افرغ فى قدح من اداوة عندنا فاستن ثم قام فصلى حتّى قلت قد صلى قدر ما نام ثم اضطجع حتّى قلت قد نام قدر ما صلى ثم استيقظ ففعل كما فعل أول مرة وقال مثل ما قال ففعل رسول الله ﷺ ثلاث مرات قبل الفجر- رواه النسائي وعن أم سلمة قالت كان رسول الله ﷺ ينام قدر ما صلى ثم يصلى قدر ما نام ثم ينام قدر ما صلى حتّى يصبح ثم نعتت قراءته فاذا هى تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا رواه ابو داود والترمذي والنسائي-

صفحة رقم 470

عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ يوم القيامة مَقاماً مَحْمُوداً (٧٩) منصوب على الظرف بإضمار فعله اى فيقيمك مقاما محمودا- او بتضمين يبعثك معنى يقيمك أو على الحال بمعنى يبعثك ذا مقام محمود يحمده الأولون والآخرون- قال البغوي عن ابى وائل عن عبد الله عن النبي ﷺ قال ان الله اتخذ ابراهيم خليلا وان صاحبكم خليل الله وأكرم الخلق على الله ثم قرا عسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قال يجلسه على العرش- وعن عبد الله بن سلام قال يقعده على الكرسي- والصحيح ان المقام المحمود مقام الشفاعة اخرج احمد وابن ابى حاتم والترمذي عن ابى هريرة عن النبي ﷺ فى هذه الاية قال هو المقام الّذي اشفع فيه لامتى- وفى الصحيحين عن انس رضى الله عنه ان النبي ﷺ قال يحبس المؤمنون يوم القيامة حتّى يهموا بذلك فيقولون لو استشفعنا الى ربنا فيريحنا من مكاننا فيأتون آدم فيقولون أنت آدم ابو الناس خلقك الله بيده وأسكنك فى جنته واسجد لك ملائكته وعلمك اسماء كل شيء اشفع لنا عند ربك حتّى يريحنا من مكاننا هذا فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته الّتي أصاب أكله من الشجرة وقد نهى عنها ولكن ايتوا نوحا أول نبى بعثه الله الى اهل الأرض- فيأتون نوحا فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته الّتي أصاب سواله ربه بغير علم ولكن ايتوا ابراهيم خليل الرّحمن قال فيأتون ابراهيم فيقول انى لست هناكم ويذكر ثلاث كذبات كذبهن ولكن ايتوا موسى عبدا أتاه الله التورية وكلمه وقربه نجيّا- قال فيأتون موسى فيقول انى لست هناكم ويذكر خطيئته الّتي أصاب قتله النفس ولكن ايتوا عيسى عبد الله ورسوله وروح الله وكلمته- قال فيأتون عيسى فيقول لست هناكم ولكن ايتوا محمّدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال فيأتونى فاستأذن على ربى فى داره فيؤذن لى عليه فإذا رايته وقعت ساجدا فيدعنى ما شاء الله ان يدعنى فيقول ارفع محمّد وقل تسمع واشفع تشفّع رسل تعطه قال فارفع رأسى فاثنى على ربى بثناء وتحميد يعلمنيه ثم اشفع فيحدلى حدا فاخرج فاخرجهم من النار وأدخلهم الجنة

صفحة رقم 471

ثم أعود الثانية فاستأذن على ربى فى داره فيؤذن
لى عليه فاذا رايته وقعت ساجدا فيدعنى ما شاء الله ان يدعنى ثم يقول ارفع محمّد قل تسمع واشفع تشفع وسل تعطه قال فارفع رأسى فاثنى على ربى بثناء وتحميد يعلمنيه ثم اشفع فيحدلى حدا فاخرج فاخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة فاستأذن على ربى فى داره فيؤذن لى عليه فاذا رايته وقعت ساجدا فيدعنى ما شاء الله ان يدعنى ثم يقول ارفع محمّد قل تسمع واشفع تشفع وسل تعطه قال فارفع رأسى فاثنى على ربى بثناء وتحميد يعلمنيه ثم اشفع فيحدلى حدا فاخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة حتّى ما يبقى فى النار الا من قد حبسه القران اى وجب عليه الخلود ثم تلا هذه الاية عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قال وهذا المقام المحمود الّذي وعده نبيكم- وفى رواية فى الصحيحين حديث انس فى الشفاعة بمعناه وفيه فاستأذن على ربى فيؤذن لى ويلهمنى محامد أحمده بها لا يحضرنى الان فاحمده بتلك المحامد وأخرّ له ساجدا فقال يا محمّد ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول رب أمتي أمتي فيقال انطلق فأخرج منها من كان فى قلبه مثقال شعيرة من ايمان فانطلق فافعل ثم أعود فاحمده بتلك المحامد ثم أخرّ له ساجدا فذكر مثله ثم يقال انطلق فاخرج من كان فى قلبه ادنى ادنى مثقال حبة من خردل من ايمان فانطلق فافعل ثم أعود الرابعة فذكر مثله وقال يا رب ايذن لى فيمن قال لا اله الا الله فيقول وعزتى وجلالى وكبريائى وعظمتى لأخرجن منها من قال لا اله الا الله- قال السيوطي فى هذا الحديث إشكال قوى نبه عليه العلماء وذلك ان أول الحديث فى الاراحة من كرب الموقف وآخره فى الشفاعة فى الإخراج من النار وذلك انما يكون بعد التحول من الموقف والمرور على الصراط وسقوط من يسقط فى تلك الحالة فى النار ثم تشفع الشفاعة فى الإخراج بعد ذلك- قال الدراوردي راوى الحديث كبر سكّا على غير أصله وقد وقع فى حديث حذيفة على الصواب وهو ذكر الصراط عقيب هذه الشفاعة وفى حديث ابى هريرة وأبى سعيد فى الأمر باتباع كل امة ما كانت تعبد ثم تميز المنافقين من المؤمنين

صفحة رقم 472

ثم وضع الصراط والمرور عليه ثم الشفاعة فى الإخراج فكانّ الأمر باتباع كل امة ما كانت تعبد هو أول فصل القضاء والاراحة من كرب الموقف والإخراج من النار اخر الشفاعة كذا قال القاضي عياض والنووي وغيرهما- قلت وهذا لا يضر فكانّ فى الحديث حذف واختصار ذكر أول الشفاعة للاراحة من كرب الموقف ثم اتبعه اخر الشفاعة شفاعة الإخراج من النار وقد ثبت كل من الشفاعتين فى أحاديث اخر- قلت والمراد بقوله ﷺ استأذن على ربى فى داره يعنى فى الجنة والاضافة اليه للتشريف ولان رؤيته تعالى يختص بالجنة- واخرج البخاري عن ابن عمر قال ان الناس يصيرون جثيّا كل امة تتبع نبيها يقولون يا فلان اشفع لنا حتّى ينتهى الشفاعة الى النبي ﷺ فذلك يوم يبعثه الله مقاما محمودا- وفى لفظ له ان الشمس لتدنو حتّى يبلغ العرق نصف الاذان فبينماهم كذلك فاستغاثوا الى آدم فيقول لست بصاحب ذلك ثم بمحمّد ﷺ فيشفع فيقضى الله تعالى بين الخلق فيمشى حتّى يأخذ باب الجنة فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده اهل الجمع كلهم- واخرج البزار والبيهقي عن حذيفة قال يجمع الله الناس فى صعيد واحد لا يتكلم نفس فيكون أول من يدعى محمّد ﷺ فيقول لبيك وسعديك والخير فى يديك والشر ليس إليك والمهدى من هديت وعبدك بين يديك وبك وإليك لا منجا منك الا إليك تباركت وتعاليت رب البيت فعنده يشفع فذلك قوله تعالى عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً- واخرج الترمذي وحسنه وابن خزيمة وابن مردوية عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله ﷺ انا سيد ولد آدم ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبى يومئذ آدم فمن سواه الا تحت لوائى وانا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر فيفزع الناس ثلاث فزعات فيأتون آدم فيقولون أنت أبونا فاشفع لنا فيقول إذ نبت ذنبا أهبطت الى الأرض ولكن ايتوا نوحا فيقول
انى دعوت على اهل الأرض دعوة فاهلكوا ولكن اذهبوا الى ابراهيم فيأتون ابراهيم فيقول انى كذبت ثلاث كذبات (ثم قال رسول الله ﷺ ما منها كذبة الا وهو بما «١» حل بها عن دين الله) ولكن ايتوا موسى فيقول انى قتلت نفسا

(١) بما حل اى يدافع ويجادل من المحال بالكسر وهو الكيد وقيل المكر والقوة والشدة- ١٢ منه رحمه الله

صفحة رقم 473

ولكن ايتوا عيسى فيقول انى عبدت من دون الله ولكن ايتوا محمّدا فيأتون فانطلق معهم فاخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها فيقال من هذا فأقول محمّد فيفتح لى ويقولون مرحبا فاخرّ ساجدا فيلهمنى الله من الثناء والحمد والمجد فيقال ارفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع وقل تسمع فذلك هو المقام المحمود- قال القرطبي رحمه الله قوله ﷺ فيفزع الناس ثلاث فزعات انما ذلك والله اعلم حين يؤتى بالنار تجربا زمّتها فاذا رات الخلائق تمحلت وسبقت- واخرج ابن خزيمة والطبراني بسند صحيح عن سلمان قال تعطى الشمس يوم القيامة حر عشر سنين ثم تدنى من جماجم الناس- قال فذكر الحديث قال فيلقون النبي ﷺ فيقولون اشفع لنا فيقول انا صاحبكم فيخرج حتّى ينتهى الى باب الجنة فيأخذ بحلقة فى الباب فيقرع الباب فيقال من هذا فيقول محمّد فيفتح له حتّى يقوم بين يدى الله فيسجد فنادى ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع فذلك المقام المحمود- أورده غير تام وأخرجه ابن ابى حاتم فى السنّة وابن ابى شيبة بتمامه فذكر الحديث بطوله وفى آخره فيشفع فى كل من كان فى قلبه مثقال حبة من حنطة من ايمان او مثقال شعيرة من ايمان او مثقال حبة من خردلة من ايمان فذاك المقام المحمود- واخرج الطبراني عن كعب بن مالك رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ يبعث الناس يوم القيامة فاكون وأمتي على تل يوم القيامة فيكسونى ربى حلة خضراء ثم يؤذن لى فاثنى عليه بما هو اهله فذلك المقام المحمود-
فائدة
ورد فى الشفاعة العظمى فى فصل القضاء والاراحة فى طول الموقف مطولا من حديث ابى بكر الصديق رواه البزار وابو يعلى وابو عوانة وابن حبان فى صحيحهما وحديث ابى هريرة رواه الشيخان وغيرهما وحديث ابن عباس رواه احمد وأبو يعلى وحديث حذيفة وابى هريرة رواه مسلم والحاكم وحديث عقبة ابن عامر رواه الطبراني وابن المبارك وابن جرير وغيرهم وقد مر ذلك فى سورة ابراهيم فى تفسير قوله تعالى وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ قال القرطبي هذه الشفاعة

صفحة رقم 474

العامة الّتي خص بها نبينا ﷺ من بين سائر الأنبياء عليهم السلام هى المرادة بقوله ﷺ لكل نبىّ دعوة مستجابة فتعجل كل نبى دعوته وانا اختبأت دعوتى شفاعة لامتى وهذه الشفاعة لاهل الموقف وقال وانما هى ليعجل حسابهم ويراحوا من هول الموقف قلت عندى ان المراد بقوله ﷺ اختبأت دعوتى شفاعة لامتى الشفاعة الثالثة لاجل إخراج المذنبين من النار ويكون للنبى ﷺ ثلاث شفاعات كما يدل عليه ما اخرج ابن جرير فى تفسيره والطبراني فى المطولات وابو يعلى فى مسنده والبيهقي فى البعث وابو موسى المديني فى المطولات وعلى بن معبد فى كتاب الطاعة والعصيان وعبد بن حميد وابو الشيخ فى كتاب العظمة عن ابى هريرة حديثا طويلا فى خلق الصور ونفخه نفخة الفزع والصعق والبعث الى ان يدخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار وان يخرج المؤمنون من النار مكتوبا فى رقابهم الجهنّميون عتقاء الله وانا اذكره منتخبا قد ذكر فى ذلك الحديث ان الناس يقفون موقفا واحد الا يقضى بينهم فيصيحون ويقولون من يشفع لنا فيأتون آدم ويقول ما انا بصاحب ذلك فيأتون الأنبياء نبيا نبيا فلما جاءوا نبيا يأبى عليهم حتّى يأتونى فأنطلق معهم حتّى اتى الفحص اى قدام العرش فاخرّ ساجدا فيقول الله ما شأنك وهو اعلم فأقول يا رب وعدتني الشفاعة فشفعنى فى خلقك فاقض بينهم فيقول شفعتك اتيكم فاقضى بينكم فذكر الحديث بطوله فذكر القضاء فى البهائم والوحش ثم يقضى فى العباد فى الدماء والمظالم ثم يقول ليلحق كل قوم بآلهتهم فيلحقون ويبقى المؤمنون وفيهم المنافقون فيكشف لهم عن ساق فيخر المؤمنون ساجدين ويخر كل منافق على قفاه يجعل أصلابهم كصياصى البقر ثم يضرب الصراط فيمرون عليه الى قوله فناج سالم وناج مخدوش- ومكدوش على وجهه فى جهنم- فاذا مضى اهل الجنة الى الجنة قالوا من يشفع لنا الى ربنا فندخل الجنة- فيقول من أحق من أبيكم آدم فيأتونه فيذكر ذنبا فيقول ما انا بصاحب ذلك ولكن عليكم بنوح فيأتونه فيقول نحو ذلك فيأتون ابراهيم وموسى وعيسى كل يقول

صفحة رقم 475

نحو ذلك فيأتونى ولى عند ربى ثلاث شفاعات وعدنيهن فانطلق الى الجنة فاخذ بحلقة الباب ثم استفتح فيفتح لى فاذا نظرت الى ربى خررت ساجدا فيأذن لى فى حمده وتمجيده مالم يؤذن لاحد من خلقه ثم يقول ارفع رأسك يا محمّد اشفع تشفع سل تعطه فاقول رب وعدتني الشفاعة فشفعنى فى اهل الجنة ان يدخلوا الجنة فيشفعنى فذكر الحديث بطوله الى ان قال فاذا وقع اهل النار فى النار وقع فيها خلق كثير ممن خلق ربك قد أوثقهم أعمالهم فمنهم من تأخذه الى قدميه ولا تجاوز ذلك ومنهم من تأخذه الى نصف ساقيه ومنهم من تأخذه الى ركبتيه ومنهم من تأخذه الى حقويه ومنهم من تأخذ جسده كله الا وجهه حرم الله صورتهم عليها قال رسول الله ﷺ فاقول يا رب من وقع فى النار من أمتي فيقول اخرجوا من النار من عرفتم فيخرج أولئك حتّى لا يبقى منهم أحد ثم يأذن الله فى الشفاعة فلا يبقى نبى ولا شهيد الا شفع فيقول اخرجوا من وجدتم فى قلبه زنة الدينار ايمانا ثم يقول اخرجوا من وجدتم فى قلبه ايمانا ثلثى دينار نصف دينار ثلث دينار ربع دينار قيراط حبة من خردل حتّى لا يبقى فى النار من عمل لله خيرا قط- ولا يبقى أحد له شفاعة إلا شفع ثم يقول الله بقيت انا وانا ارحم الراحمين فيدخل الله يده فى جهنم فيخرج منها ما لا يحصيه كثرة كانهم الحمم الحديث- قال الحافظ مدار هذا الحديث على إسماعيل بن رافع قاضى اهل المدينة قد تكلم فيه بسبب هذا الحديث
وفى بعض سياقه نكارة- وقد قيل انه جمع من طرق وأماكن متفرقة فسأقه سياقا واحدا- قال الحافظ ابو موسى المديني هذا الحديث وان كان فى اسناده من تكلم فيه فالذى فيه يروى مفرقا بأسانيد ثابتة وقد اختلف الناس فى تصحيح هذا الحديث وتضعيفه فصححه ابن العربي والقرطبي وصوبه الحافظ ابن حجر- وضعفه البيهقي وقال السيوطي ذكر يحيى بن سلام البصري فى تفسيره عن الكلبي انه إذا دخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار بقي زمرة من اخر زمر الجنة فيقول لهم اهل النار (وقد بلغت النار منهم كل مبلغ) اما نحن فقد أخذنا بالشك والتكذيب فما نفعكم توحيدكم فيصرخون عند ذلك فيسمعهم اهل الجنة ويأتون آدم فذكر الحديث الى ان قال فيأتون محمّدا

صفحة رقم 476

صلى الله عليه وسلم فينطلق فيأتى رب العزة فيسجد له ثم يقول أناس من عبادك اصحاب ذنوب لم يشكّوا بك فعيرهم اهل الشرك بعبادتهم إياك فيقول وعزتى لاخرجنهم قال ابن حجر هذا لو ثبت لدفع الاشكال السابق عن الدراوردي من ذكر الإخراج فى اخر حديث الشفاعة فى الاراحة من كرب الموقف ولكنه ضعيف ومخالف لصريح الأحاديث الصحيحة ان السؤال انما يقع فى الموقف قبل دخول المؤمنين الجنة- قال السيوطي يحتمل الجمع بالتعدد مرتين مرة فى الموقف للاراحة ومرة فى الجنة للاخراج من النار من بقي من المؤمنين- قلت بل يقال بوقوع ذلك السؤال ثلاث مرات مرة فى الموقف للاراحة ومرة للاذن فى الدخول لاهل الجنة ومرة للاخراج من النار لمن بقي فيها من المؤمنين وهو المعنى بقوله ﷺ ولى عند ربى ثلاث شفاعات وعدنيهن والمقام المحمود مقام الشفاعة وهى يعم كل شفاعة من الشفاعات الثلاث (مسئلة) وأنكر الخوارج والمعتزلة الشفاعة وقالوا ان اهل الكبائر إذا ماتوا من غير توبة لا شفاعة لهم ولا يخرجون من النار ابدا- وقد ورد فى الشفاعة أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر بالمعنى منها ما أخرج مسلم عن ابن عمران رسول الله ﷺ ذكر قول ابراهيم رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وقول عيسى إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فرفع يديه وقال أمتي أمتي ثم بكى فقال الله تعالى يا جبرئيل اذهب الى محمّد فقل له انّا سنرضيك فى أمتك ولا نسوءك- وما اخرج البزار فى الأوسط وابو نعيم بسند حسن عن علىّ رضى الله عنه ان رسول الله ﷺ قال اشفع لامتى حتّى ينادى ربى تبارك وتعالى أرضيت يا محمّد فاقول اى رب رضيت ومنها حديث ان ربى خيّرنى بين ان يدخل نصف أمتي الجنة بغير حساب وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة وهى لكل مسلم وفى لفظ لمن مات لا يشرك بالله شيئا رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه وابن حبان والبيهقي والطّبرانى عن عوف بن مالك الأشجعي- واحمد والطبراني والبزار بسند حسن عن معاذ بن جبل وابى موسى- وأحمد والطبراني

صفحة رقم 477

والبيهقي بسند صحيح عن ابن عمرو فى آخره أترونها للمتقين ولكنها للمذنبين الخطائين المتلوثين- ومنها حديث شفاعتى لاهل الكبائر من أمتي رواه ابو داود والترمذي والحاكم والبيهقي وصححاه عن انس- والطبراني وابو نعيم عن عبد بن بشير بمعناه- والطبراني فى الأوسط عن ابن عمر نحوه- وفى الكبير عن أم سلمة بمعناه- والترمذي والحاكم عن جابر نحوه- واخرج عن كعب بن عجرة- وعن طاءوس قال البيهقي هذا مرسل حسن يشهد لكون هذا اللفظ يعنى شفاعتى لاهل الكبائر شائعة بين التابعين- واخرج ابن ابى حاتم فى السنة عن انس يرفعه قال ما زلت اشفع الى ربى ويشفعنى حتّى أقول اى رب شفعنى فيمن قال لا اله الا الله فيقول هذا ليس لك يا محمّد ولا لاحد هذه لى وعزتى وجلالى ورحمتى لا ادع أحدا فى النار يقول لا اله الا الله- ومنها حديث نعم الرجل انا لشرار أمتي وقال اما شرار أمتي فيدخلهم الله الجنة بشفاعتى واما خيارهم فيدخلهم الله الجنة بأعمالهم- واخرج الطبراني عن عبادة بن الصامت ان رسول الله ﷺ قال والّذي نفسى بيده انا لسيد الناس يوم القيامة بغير
فخر وما من الناس الا تحت لوائى يوم القيامة ينتظر الفرج وان معى لواء الحمد امشى ويمشى الناس معى الى باب الجنة فاستفتح فيقال من هذا فاقول محمّد فيقال مرحبا بمحمّد فاذا رايت ربى خررت ساجدا له شكرا فيقال ارفع رأسك قل تعطه اشفع تشفع فيخرج من أجرم برحمة الله وشفاعتى وفى الأوسط عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ اتى جهنم فاضرب بابها فيفتح لى فادخلها فاحمد الله بمحامد ما حمده أحد قبلى ولا يحمده أحد بعدي ثم اخرج منها من قال لا اله الا الله مخلصا فيقوم الىّ ناس من قريش فينتسبون لى فاتركهم فى النار واخرج البخاري عن عمران بن حصين مرفوعا يخرج قوم من النار بشفاعة محمّد ويدخلون الجنة ويسمّون الجهنميون- وفى الصحيحين عن جابر مرفوعا ان الله يخرج قوما من النار بالشفاعة فيدخلهم الجنة- والطبراني بسند حسن عن ابن عمر مرفوعا قال يدخل من اهل هذه القبلة النار من لا يحصى عددهم الا الله بما عصوا واجترءوا على معصية الله فيؤذن لى بالشفاعة فاثنى الله ساجدا كما اثنى قائما فيقال لى ارفع رأسك وسل تعطه

صفحة رقم 478

واشفع تشفع- واخرج احمد والطبراني بسند لا بأس به عن عبادة بن الصامت عن النبي ﷺ قال ان الله تبارك وتعالى قال يا محمّد انى لم ابعث نبيّا ولا رسولا الا وقد سألنى مسئلة أعطيتها إياه فسل يا محمّد تعطه فقلت مسئلتى شفاعتى لامتى يوم القيامة فقال ابو بكر يا رسول الله وما الشفاعة قال فاقول يا رب شفاعتى الّتي اختبأت عندك فيقول الرب تعالى نعم فيدخل ربى بقية أمتي فيدخلهم الجنة- ومنها حديث لكل نبى دعوة مستجابة فتعجل كل نبى دعوته وانا اختبأت دعوتى شفاعة لامتى رواه الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة- ومسلم عن انس وجابر- واحمد عن عبد الله بن عمرو ابى سعيد الخدري- والبزار والبيهقي عن عبد الرّحمن بن عقيل- قال السيوطي هذا حديث متواتر- قلت فتعس من أنكر الشفاعة روى الشيخان فى الصحيحين عن عمر بن الخطاب انه خطب فقال انه سيكون فى هذه الامة قوم يكذّبون بالرجم وبالدجّال ويكذّبون بطلوع الشمس من مغربها ويكذبون بعذاب القبر ويكذبون بالشفاعة ويكذّبون بقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا- واخرج سعيد بن منصور والبيهقي وهناد عن انس قال من كذّب بالشفاعة فلا نصيب له ومن كذّب بالحوض فليس له فيه نصيب- واخرج ابو نعيم عن انس قال قال رسول الله ﷺ صنفان من أمتي لا ينالهما شفاعتى يوم القيامة المرجئة والقدرية- واخرج البيهقي عن شبيب ابن ابى فضلة المكي قال ذكروا عند عمران بن حصين الشفاعة فقال رجل يا أبا نجيد انكم لتحدثون أحاديث لا نجد لها أصلا فى القران فغضب عمران بن حصين وقال للرجل قرأت القران قال نعم قال فهل وجدت صلوة العشاء أربعا وصلوة المغرب ثلاثا وصلوة الفجر ركعتين والظهر أربعا والعصر أربعا قال لا قال فعمّن أخذتم هذا ألستم عنّا أخذتموه وأخذنا عن النبي ﷺ ووجدتم فى كل أربعين درهما درهم- وفى كل كذا شاة- وكل بعير كذا- اوجدتم فى القران هكذا قال لا قال ووجدتم فى القران وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ووجدتم طوفوا سبعا واركعوا ركعتين خلف المقام اوجدتم هذا فى القران او عمّن أخذتموه ألستم أخذتموه عنا وأخذنا عن رسول الله ﷺ قالوا بلى

صفحة رقم 479

قال اوجدتم فى القران لا جلب ولا جنب ولا شغار فى الإسلام قالوا لا قال فان الله قال فى كتابه ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وقد أخذنا عن النبي ﷺ أشياء ليس لكم بها علم- وذكر البغوي انه روى عن يزيد بن صهيب الفقير قال كنت قد شغبنى رأى من رأى الخوارج وكنت رجلا شابّا فخرجنا فى عصابة نريد ان نحج فمررنا على المدينة فاذا جابر بن عبد الله يحدث عن رسول الله ﷺ وذكر الجهنميين فقلت له يا صاحب رسول الله ما هذا الّذي تحدثون والله عز وجل يقول إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ- وكُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها فقال اى فتى تقرا القران قلت نعم قال
سمعت مقام محمّد المحمود الّذي يبعثه الله فيه قلت نعم قال فانه مقام محمد المحمود الّذي يخرج الله به من يخرج من النار ثم نعت الصراط وعمر الناس عليه وقال ان قوما يخرجون من النار بعد ما يكونون فيها- (فصل) فى شفاعة الأنبياء وغيرهم روى ابن ماجة والبيهقي عن عثمان مرفوعا قال يشفع يوم القيامة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء وأخرجه البزار وزاد فى آخره ثم المؤذنون- واخرج الديلمي عن ابن عمر موقوفا يقال للعالم اشفع فى تلامذتك ولو بلغت عدد نجوم السماء- واخرج ابو داود وابن حبان عن ابى الدرداء مرفوعا الشهيد يشفع فى سبعين من اهل بيته واحمد والطبراني مثله عن عبادة بن الصامت مرفوعا وابن ماجة مثله عن المقدام بن معد يكرب مرفوعا- واخرج البيهقي عن الحسن والحاكم وصححه والبيهقي وهنّاد عن الحارث بن قيس واحمد مثله عن ابى بردة وهناد مثله عن ابى هريرة واحمد والطبراني والبيهقي بسند صحيح عن ابى امامة قالوا قال رسول الله ﷺ ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر وفى الباب أحاديث كثيرة لا يسعها المقام تدل على شفاعة غير نبينا صلى الله عليه وسلم- فان قيل لما لم يبق أحد فى النار بشفاعة محمّد ﷺ فاين يكون شفاعة غيره قلت لعل شفاعة الأنبياء غير نبينا ﷺ يختص بأمته ولا يشتمل جميعهم وشفاعة نبينا ﷺ ينال غير أمته ايضا ولا يترك أحدا من أمته فى النار وأما غير الأنبياء فلعلهم اما يشفعون

صفحة رقم 480
التفسير المظهري
عرض الكتاب
المؤلف
القاضي مولوي محمد ثناء الله الهندي الفاني فتي النقشبندى الحنفي العثماني المظهري
تحقيق
غلام نبي تونسي
الناشر
مكتبة الرشدية - الباكستان
سنة النشر
1412
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية