آيات من القرآن الكريم

۞ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا
ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ

قوله جل ذكره:
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٦٨ الى ٦٩]
أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (٦٨) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (٦٩)
الخوف ترقّب العقوبات مع مجارى الأنفاس- كذلك قال الشيوخ «١». وأعرفهم بالله أخوفهم من الله. وصنوف العذاب كثيرة فكم من مسرور أوّل ليله أصبح فى شدّة! وكم من مهموم بات يتقلب على فراشه أصبح وقد جاءته البشرى بكمال النّعم! وفى معناه قالوا:
إن من خاف البيات لا يأخذه السّبات. ووصفوا أهل المعرفة فقالوا:

مستوفزون على رجل كأنهمو يريدون أن يمضوا ويرتحلوا
قوله جل ذكره:
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٧٠]
وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً (٧٠)
المراد من قوله: «بَنِي آدَمَ» هنا المؤمنون لأنه قال فى صفة الكفار: «وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ» «٢». والتكريم التكثير من الإكرام، فإذا حرم الكافر الإكرام.
فمتى يكون له التكريم؟.
ويقال إنما قال: «كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ» ولم يقل المؤمنين أو العابدين أو أصحاب الاجتهاد
(١) هذه العبارة للجنيد كما جاء فى رسالة القشيري ص ٦٥ فى رواية أبى عبد الله الصوفي عن على بن ابراهيم العكبري.
(٢) آية ١٨ سورة الحج.

صفحة رقم 359

توضيحا بأن التكريم لا يكون مقابل فعل، أو معلّلا بعلة، أو مسببا باستحقاق يوجب ذلك التكريم.
ومن التكريم أنهم متى شاءوا وقفوا معه على بساط المناجاة.
ومن التكريم أنه على أي وصف كان من الطهارة وغيرها إذا أراد أن يخاطبه خاطبه، وإذا أراد أن يسأل شيئا سأله.
ومن التكريم أنه إذا تاب ثم نقض توبته ثم تاب يقبل توبته، فلو تكرر منه جرمه ثم توبته يضاعف له قبوله التوبة وعفوه.
ومن التكريم أنه إذا شرع فى التوبة أخذ بيده، وإذا قال: لا أعود- يقبل قوله وإن علم أنه ينقض توبته.
ومن التكريم أنه زيّن ظاهرهم بتوفيق المجاهدة، وحسّن باطنهم بتحقيق المشاهدة.
ومن التكريم أنه أعطاهم قبل سؤالهم، وغفر لهم قبل استغفارهم، كذا فى الأثر: «أعطيتكم قبل أن تسألونى، وغفرت لكم قبل أن تستغفرونى».
ومن تكريم جملتهم أنه قال لهم: «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ» «١» ولم يقل ذلك للملائكة ولا للجن.
وكما خصّ بنى آدم بالتكريم خصّ أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- منهم بتكريم مخصوص، فمن ذلك قوله تعالى: «يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ» «٢» و «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» «٣» وقوله «وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ» «٤».
ومن التكريم قوله: «وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً»
«٥».

(١) آية ١٥٢ سورة البقرة.
(٢) آية ٥٤ سورة المائدة.
(٣) آية ١١٩ سورة المائدة.
(٤) آية ١٦٥ سورة البقرة.
(٥) آية ١١٠ سورة النساء. [.....]

صفحة رقم 360

ومن التكريم ما ألقى عليهم من محبة الخالق حتى أحبوه.
ومن التكريم لقوم توفيق صدق القدم، ولقوم تحقيق علوّ الهمم. قوله: «وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ» : سخّر البحر لهم حتى ركبوا فى السفن، وسخّر البرّ لهم حتى قال:
«لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ».
ويقال محمول الكرام لا يقع، فإن وقع وجد من يأخذ بيده.
ويقال الإشارة فى حملهم فى البرّ ما أوصل إليهم جهرا «١»، والإشارة بحديث البحر ما أفردهم به من لطائف الأحوال سرّا.
ويقال لمّا حمل بنو آدم الأمانة «٢» حملناهم فى البر، فحمل هو جزاء حمل، حمل هو فعل من لم يكن «٣» وحمل هو فضل من لم يزل.
قوله: «وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ» : الرزق الطيب ما كان على ذكر الرازق فمن لم يكن غائبا بقلبه «٤» ولا غافلا عن ربّه استطاب كلّ رزق، وأنشدوا:
يا عاشقى إنى سعدت شرابا... لو كان حتى علقما أو صابا
قوله: «وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا» : أي الذين فضلناهم على خلق كثير، وليس يريد أن قوما بقوا لم يفضلهم عليهم، ولكن المعنى أنا فضلناهم على كلّ من خلقنا، وذلك التفضيل فى الخلقة. ثم فاضل بين بنى آدم فى شىء آخر هو الخلق الحسن، فجمعهم فى الخلقة- التي يفضلون بها سائر المخلوقات- ومايز بينهم فى الخلق.
ويقال: «كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ» : هذا اللفظ للعموم، والمراد منه الخصوص، وهم المؤمنون، وبذلك يفضل قوم على الباقين، ففضّل أولياءه على كثير ممن لم يبلغوا استحقاق الولاية.

(١) وردت (خيرا) والصواب أن تكون (جهرا) لتقابل سرا) وبذلك يقوى السياق ويتماسك.
(٢) وردت (الاهانة) بالهاء ومن المؤكد أن الميم التبست على الناسخ والمراد (الأمانة) إشارة إلى قوله تعالى: «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ... الآية».
(٣) (من لم يكن) هو الإنسان و (من لم يزل) هو الرب سبحانه وتعالى.
(٤) غيبة القلب عن علم ما يجرى من أحوال الخلق لاشتغال الحس بما ورد عليه، ثم يغيب عن إحساسه بنفسه وغيره (الرسالة ص ٤٠).

صفحة رقم 361
تفسير القشيري
عرض الكتاب
المؤلف
عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري
تحقيق
إبراهيم البسيوني
الناشر
الهيئة المصرية العامة للكتاب - مصر
سنة النشر
2000
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية