آيات من القرآن الكريم

يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا
ﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ

(وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) أي وإذا ذكرت ربك وحده فى القرآن وأنت تتلوه، ولم تقل واللات والعزّى انفضوا من حولك وهربوا نافرين استكبارا واستعظاما لأن يذكر الله وحده.
(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً) أي نحن أعلم بالوجه الذي يستمعون به وهو الهزء والسخرية والتكذيب حين استماعهم، وأعلم بما يتناجون به ويتسارّون، فبعضهم يقول مجنون، وبعضهم يقول كاهن، وبعضهم يقول: ما اتبعتم إلا رجلا قد سحر فاختلط عليه عقله وزال عن حد الاستواء، وهل من خير لكم فى اتباع أمثاله المجانين؟
(انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا) أي تأمل وانظر أيها الرسول، كيف مثلوا لك الأمثال وشبهوا لك الأشباه، فقالوا هو مسحور، وهو شاعر مجنون، فحادوا فى كل ذلك عن سواء السبيل، ولم يهتدوا لطريق الحق لضلالهم عنه وبعدهم منه.
وفى هذا من الوعيد وتسلية الرسول صلى الله عليه وسلّم ما لا يخفى.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٩ الى ٥٢]
وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩) قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (٥٢)
تفسير المفردات
الرفات: ما تكسر وبلى من كل شىء، يكبر فى صدوركم: أي يستبعد قبوله للحياة، فطركم: أي ذرأكم وأوجدكم، فسينغضون إليك رءوسهم: أي سيحركونها

صفحة رقم 54

استهزاء، يقال نغض رأسه ينغض نغضا إذا تحرك، وأنغض رأسه: حركه كالمتعجب من الشيء، فتستجيبون: أي تجيبون الداعي.
المعنى الجملي
اعلم أن أمهات المسائل التي دار حولها البحث فى الكتاب الكريم الإلهيات، والنبوات والبعث والجزاء والقضاء والقدر، وقد تكلم فيما سلف فى الإلهيات ثم أتبعه بذكر شبهاتهم فى النبوات، وفنّدها بما لا مجال للرد عليه، ولا لدحضه وتكذيبه، ثم ذكر فى هذه الآيات شكوكهم فى المعاد والبعث والجزاء، ورد عليها بما لو نظر إليه المنصف لأيقن بصدق ما يدّعى، وألزم نفسه تصديق ما يقال.
الإيضاح
(وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً؟) أي وقال الذين لا يؤمنون باليوم الآخر من المشركين: أئذا كنا عظاما فى قبورنا، لم نتحطم ولم نتكسر بعد مماتنا، ورفاتا متكسرة مدقوقة، أئنا لمبعوثون بعد مصيرنا فيها، وقد بلينا فتكسرت عظامنا، وتقطعت أوصالنا- خلقا جديدا كما كنا قبل الممات.
ومثل الآية قوله تعالى حكاية عنهم: «يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ؟ أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً. قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ» وقوله: «وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ؟ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ».
وقد أمر الله رسوله أن يجيبهم، ويعرفهم قدرته على بعثه إياهم بعد مماتهم، وإنشائه لهم كما كانوا قبل بلاهم خلقا جديدا، على أي حال كانوا، عظاما أو رفاتا أو حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر فى صدورهم فقال:
(قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً. أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) أي قل كونوا حجارة

صفحة رقم 55

او حديدا أو خلقا مما يستبعد عندكم قبوله للحياة كالسموات والأرض والجبال، فإن الله لا يعجزه إحياؤكم لتساوى الأجسام فى قبولها الأعراض المختلفة، فكيف إذا كنتم عظاما بالية، وقد كانت قبل حيّة، والشيء أقبل لما عهد فيه مما لم يعهد؟.
وخلاصة هذا- إنكم لو كنتم كذلك لما أعجزتم الله عن الإعادة والإحياء، وهذا كما يقول القائل للرجل: أتطمع فىّ وأنا فلان فيقول: كن ابن من شئت، كن ابن الخليفة، فسأطلب منك حقى.
وجملة المعنى- إن فى هذا مبالغة أيّما مبالغة فى قدرة القادر العليم على الإعادة والإحياء، كما يقال: لو كنت عين الحياة فالله يميتك، ولو كنت عين الغنى فالله يفقرك.
وبعد أن استبعدوا الإعادة استبعدوا صدورها وهى على هذه الحال حجارة أو حديدا من أىّ معيد. كما حكى عنهم سبحانه بقوله:
(فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا؟ قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي فسيقولون لك من يعيدنا ونحن على هذه الحال؟ قل لهم تحقيقا للحق وإزاحة للاستبعاد، وإرشادا إلى طريق الاستدلال: الذي يفعل ذلك هو القادر العظيم، الذي ذرأكم أول مرة على غير مثال يحتذى، ولا منهاج معين ينتحى، وكنتم ترابا لم يشمّ رائحة الحياة، أليس الذي يقدر على ذلك، يقدر على أن يفيض الحياة على العظام البالية، ويعيدها إلى ما كانت عليه أولا؟ بلى إنه سبحانه على كل شىء قدير.
ثم بين جلّت قدرته ما يفعلون حين سماع هذه الإجابة فقال:
(فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ) قال أبو الهيثم يقال لمن أخبر بشىء فحرك رأسه إنكارا له: قد أنغض، أي إنك إذا قلت لهم ذلك يحركون رءوسهم استهزاء وتكذيبا، ثم يسألون.
(وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ؟) أي متى هذا البعث، وفى أي وقت وحال يعيدنا خلقا جديدا كما كنا أول مرة، ومقصدهم من هذا السؤال استبعاد حصوله.

صفحة رقم 56
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية