
سيفسدون في الأرض، حَتَّمَ بوقوع الخبر (١)، و ﴿إِلَى﴾ في هذه الآية من صلة الإيحاء؛ لأن معنى: ﴿قَضَيْنَا﴾: أوحينا، فالمعنى: إنا أوحينا إليهم، كذا قال أبو إسحاق (٢).
وقوله تعالى: ﴿لَتُفْسِدُنَّ﴾ قال ابن عباس: يريد المعاصي وخلاف أحكام التوراة (٣).
وقوله تعالى: ﴿فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ﴾ قال الكلبي: يعني أرض مصر (٤)، ﴿وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ قال الزجاج: معناه لَتَعْظُمُنَّ ولَتَبْغُنَّ؛ لأنه يقال لكل مُتجبِّرٍ: قَدْ عَلا وتعظَّمَ (٥).
٥ - قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا﴾ يعني أُولى (٦) المرتين، ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ قال عطية: أفسدوا المرة الأولى فأرسل
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٢٧ بنصه.
(٣) انظر: "تنوير المقباس" ص ٢٩٦، بنحوه، و"تفسير البغوي" ٥/ ٧٩، بنحوه عن قتادة، وورد بنصه وبنحوه غير منسوب في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٦٠، و"الثعلبي" ٧/ ١٠٤ أ، و"ابن الجوزي" ٥/ ٧، و"الفخر الرازي" ٢٠/ ١٥٥، و"القرطبي" ١٠/ ٢١٤، و"الخازن" ٣/ ١٥٢.
(٤) انظر: "تفسير ابن الجوزي" ٥/ ٧، و"الفخر الرازي" ٢٠/ ١٥٥ - بلا نسبة فيهما، وهو تفسير غريب للأرض المعنية بأنها مصر؛ لأن الأحداث كلها تدور في بيت المقدس والشام؛ كما نصت عليه الروايات وأشار إليها بعض المفسرين؛ كالبغوي ٥/ ٧٩، و"القرطبي" ١٠/ ٢١٤، و"الخازن" ٣/ ١٥٢، والغريب أن أبا حيان نسب إلى الكلبي خلافه؛ فقال: وقال الكلبي: لتعصنّ في الأرض المقدسة. انظر: "تفسير أبي حيان" ٦/ ٩.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٢٧، بنصه.
(٦) ساقطة من (ش)، (ع).

الله عليهم جالوت، وعاد ملكهم كما كان، وهذا قول قتادة ورواية عطية عن ابن عباس (١)، وعلى هذا القول: ﴿عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ هم جالوت وجنوده.
ومعنى: ﴿أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ قال ابن عباس: البأس: القتال (٢)، ومنه قوله: ﴿وَحِينَ الْبَأْسِ﴾ [البقرة: ١٧٧].
ومعنى ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ﴾: أرسلنا عليكم وخَلَّيْنَا بينكم وبينهم خاذلين إياكم (٣).
وقال مجاهد في قوله: ﴿عِبَادًا لَنَا﴾ الآية. قال: جند جاءهم (٤) من
(٢) انظر: "تفسير الفخر الرازي" ٥/ ٤٥ بلفظه، وأخرجه "الطبري" ١٥/ ٢٧ بلفظه من عدة طرق عن ابن مسعود ومجاهد وقتادة والضحاك، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ١/ ٣١٥ وزاد نسبته إلى وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ والحاكم وصححه عن ابن مسعود.
(٣) ورد في "تفسير الماوردي" ٣/ ٢٢٩، بنحوه عن الحسن، انظر: "تفسير الزمخشري" ٢/ ٣٥٢، و"الفخر الرازي" ٢٠/ ١٥٥.
(٤) هكذا في جميع النسخ، والأولى جاؤوهم؛ لأن جند جمع، ويتناسب مع قوله: يتحسسون، وهكذا في المصدر.

فارس، يتحسسون أخبارهم ويسمعون حديثهم، معهم بختنصر فوعى (١) حديثهم من بين أصحابه، ثم رجعت إلى فارس ولم يكن قتال، ونُصر عليهم بنو إسرائيل، فهذه وعد الأولى، وهذا قول ابن عباس في رواية سعيد بن جبير (٢).
وقوله تعالى: ﴿فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ﴾ قال الليث: الجوس والجوسان: التردد خلال الدور والبيوت في الغارة ونحو ذلك (٣)، ومعنى جاسوا: ترددوا وتخللوا (٤).
وقوله تعالى: ﴿خِلَالَ الدِّيَارِ﴾ يعني ديار بيت المقدس، والخلال: الانفراج بين الشيئين (٥) واختلفت العبارات في تفسير جاسوا؛ فقال ابن أبي طلحة عن ابن عباس يقول: مشوا (٦).
(٢) "تفسير مجاهد" ص ٤٢٨ وعبارته مضطربة ومخالفة لجميع المصادر، وأخرجه "الطبري" ١٥/ ٣٠ بنصه عن مجاهد من ثلاثة طرق، انظر: "تفسير القرطبي" ١٠/ ٢١٥، و"الدر المنثور" ٤/ ٢٩٩ وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد، ولم أقف عليه منسوبًا إلى ابن عباس.
(٣) ورد في "تهذيب اللغة" (جاس) ١/ ٥٢١ بنصه تقريبًا.
(٤) انظر: (جوس) في "تهذيب اللغة" ١/ ٥٢١، و"المحيط في اللغة" ٧/ ١٤٦، و"مجمل اللغة" ١/ ٢٠٣، و"الصحاح" ٣/ ٩١٥، و"اللسان" ٢/ ٧٢٦ "جوس".
(٥) انظر: "المحيط في اللغة" (خل) ٤/ ١٧٥، و"مجمل اللغة" ١/ ٢٧٦، و"الصحاح" (خلل) ٤/ ١٦٨٧، و"المحكم" (خلل) ٤/ ٣٧١، و"اللسان" ٢/ ١٢٤٩.
(٦) في جميع النسخ: (فتشوا)، والتصويب من المصادر؛ فقد أخرجه "الطبري" ١٥/ ٢٧ - ٢٨ بلفظه من الطريق نفسه، وورد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ١٢٣ بلفظه، و"تفسير الثعلبي" ٧/ ١٠٤ أبلفظه، و"الماوردي" ٣/ ٢٢٩ بلفظه، وانظر: "تفسير ابن الجوزي" ٥/ ٩، و"القرطبي" ١٠/ ٢١٦، و"الدر المنثور" ٤/ ٢٩٩، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم

وقال أبو عبيدة: طلبوا مَنْ فيها (١).
وقال الفراء: يقول: قتلوكم بين بيوتكم (٢).
وقال ابن قتيبة: عاثوا وأفسدوا (٣).
وقال الزجاج: أي فطافوا خلال الدّيار هل بقي أحدٌ لم يقتلوه، والجَوْس: طلب الشيء باستقصاء (٤)، هذا كلامهم، والجَوْس يحتمل هذه المعاني التي ذكروها، إنّ معنى الجوس هو التردد للطلب، فيحتمل أنهم جاسوا لطلب الخبر على قول مجاهد (٥)، ويحتمل أنهم جاسوا بالقتل والعبث وطلب من يقتلونه (٦)، ويشهد لهذا قول حسان:
ومِنَّا الذي لاقَى بِسَيْفِ محمدٍ | فَجَاس به الأعداءَ عَرْضَ العَسَاكر (٧) |
وقوله تعالى: ﴿وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا﴾ قال قتادة: قضاء قضاه على القوم كما تسمعون (٨).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١١٦ بنصه.
(٣) "الغريب" لابن قتيبة ١/ ٢٥٢ بنصه تقريبًا.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٢٧ بنصه تقريبًا.
(٥) تقدم قوله في الصفحة السابقة حاشية (٢).
(٦) ورد في "تفسير الطبري" ١٥/ ٢٨، بنحوه.
(٧) لم أجده في ديوانه المطبوع، وورد في "تفسير الطبري" ١٥/ ٢٨، و"الماوردي" ٣/ ٢٢٩، و"الطوسي" ٦/ ٤٤٩، و"القرطبي" ١٠/ ٢١٦، والشوكاني ٣/ ٣٠٠، و"الدر المصون" ٧/ ٣١٤.
(٨) أخرجه "الطبري" ١٥/ ٢٨ بنصه.