آيات من القرآن الكريم

فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا
ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ

فيهِ» «١». وذكر قصة طويلة فنزل سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ محمدا صلّى الله عليه وسلّم من أول الليل من المسجد الحرام. يقول: من الحرم من بيت أم هانئ بنت أبي طالب، إلى المَسْجِدِ الأَقْصَى أي: الأبعد. يعني: إلى مسجد إيلياء وهو بيت المقدس الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ بالماء والأشجار، وهو المدائن التي حوله مثل دمشق والأردن وفلسطين. لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا أي: لكي نريه من آياتنا. أراه الله تعالى في تلك الليلة من عجائب السموات والأرض. إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لمقالة أهل مكة وإنكارهم الْبَصِيرُ أي: العليم بهم.
وذلك أنه لما أخبرهم عن قصة تلك الليلة، أنكروا. وروى الزهري عن عروة قال: إنه لما أسري به صلّى الله عليه وسلّم إلى المسجد الأقصى، فأخبر الناس بذلك، فارتد ناس كثير ممن كان صدقه، وفتنوا بذلك، وكذبوا به، وسعى رجال من المشركين إلى أبي بكر، فقالوا له: هذا صاحبك يزعم أنه قد أُسري به الليلة إلى بيت المقدس، ثم رجع من ليلته. فقال أبو بكر: أو قال ذلك؟
قالوا: نعم. قال: فَإِنِّي أشهد إن كان قال ذلك أنه قد صدق. فقالوا: أتصدقه بأنه جاء إلى الشام ورجع في ليلة واحدة، قبل أن يصبح؟ فقال أبو بكر: نعم. إني أصدقه في أبعد من ذلك.
أصدقه بخبر السماء غدوة وعشية. فذلك سمي أبو بكر «الصديق». قال الزهري: أخبرني أنس بن مالك: أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فرضت عليه الصلاة ليلة أسري به خمسين، ثم نقصت إلى خمس، ثم نودي يا محمد ما يبدل القول لدى، وإن لك بالخمس خمسين.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٢ الى ٥]
وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (٢) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (٣) وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (٤) فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً (٥)
ثم قال الله تعالى: وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ أي التوراة جملةً واحدةً وَجَعَلْناهُ أي:
الكتاب هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أي: بياناً لهم من الضلالة، أي: دللناهم به على الهدى أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا يعني: ألاَّ تعبدوا من دوني ربّاً.
قوله: ذُرِّيَّةَ يعني: بالذرية مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ في السفينة في أصلاب الرجال وأرحام النساء. ويقال: معناه ألاّ تعبدوا ذُريةً من حملنا مع نوح مثل عيسى وعزيز. قرأ أبو عمرو أَن لا يَتَّخِذُواْ بالياء على معنى المغايبة، والخبر عنهم. أي: أعطيناك الكتاب لكيلا يتخذوا إلها غيري، وقرأ الباقون: بالتاء على معنى المخاطبة، أي: قل لهم لا تتخذوا إلها غيري.

(١) عزاه السيوطي: ٥/ ٢١٧ إلى ابن مردويه.

صفحة رقم 300

ثم أثنى على نوح فقال تعالى: إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً أي: كان يحمد الله إذا أكل وشرب، واكتسى. ويقال: الشكور هو المبالغ في الشكر، أي: كان شاكراً في الأحوال كلها.
قوله: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ يقول: أعلمنا وبينّا كقوله: وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ [الحجر: ٦٠] أي: أعلمناه، وبينّاه فِي الْكِتابِ أي: أخبرناهم في التوراة لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ أي لتعصن فِى الارض، ولتهلكنّ فيها مرتين وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً أي: لتقهرن قهراً شديداً.
وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة أنه قال: أما المرة الأولى فسلط الله عليهم جالوت، حتى بعث الله طالوت ومعه داود، فقتله داود، ثم رُدَّت الكرة لبني إسرائيل. ثم جاء وعد الآخرة من المرتين لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ [الإسراء: ٧] أي: يقبحوا وجوهكم، وليدمروا تدميراً، وهو بُخْتَنَصَّر. وإن عدتم عدنا، فعادوا، فبعث الله عليهم محمداً صلّى الله عليه وسلّم، فهم يعطون الجزية عن يدٍ وهم صاغرون. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: وَعْدُ أُولاهُمَا: جاءتهم فارس معهم بختنصر، ثم رجعت فارس أي: أهل فارس معهم ولم يكن قتال، ونصرت بنو إسرائيل عليهم. فذلك وعد الأولى. فإذا كان وَعْدُ الآخرة، جاءهم بختنصر، ودمر عليهم.
وروى أسباط عن السدي: أن وعد الأولى كان ملك النبط، فجاسوا خلال الديار. ثم إن بني إسرائيل تجهزوا وغزوا النبط، فأصابوا منهم، واستنقذوا ما في أيديهم، فردت الكرة عليهم.
وكان بختنصر في ذلك الوقت يتيماً في ذلك العسكر، وخرج ليسأل شيئاً، فلما كبر وجمع الجيوش، وجاءهم، وخوفهم، وخرب البلدة.
قال القتبي: إن بختنصر غزاهم فرغبوا إلى الله وتابوا، فردَّ الله عنهم بعد أن فتحوا المدينة، وجالوا في أسواقهم. ثم أحدثوا، فبعث الله إليهم أرميا النبي عليه السلام فقام فيهم بوحي الله، فضربوه وقيدوه وحبسوه، فبعث الله تعالى إليهم عند ذلك بختنصر، ففعل ما فعل.
وقال الكلبي: لما عصوا الله تعالى، وهو أول الفسادين، سلط الله عليهم بختنصر، خرج من بابل فأتاهم بالشام، وظهر على بيت المقدس، فقتل منهم أربعين ألفاً ممن كان يقرأ التوراة، وأدخل بقيتهم أرضه. فمكثوا كذلك سبعين سنة حتى مات، ثم إن رجلاً من همدان يقال له:
كورش غزا أهل بابل فظهر عليهم وسكن الدار، وتزوج امرأة من بني إسرائيل، وطلبت إلى زوجها أن يرد قومها إلى أرضهم، ففعل، فردهم إلى أرض بيت المقدس، فمكثوا فيها، فرجعوا إلى أحسن ما كانوا عليه. ثم عادوا فعصوا المرة الثانية، فسلط الله عليهم ملكاً من ملوك الروم يقال له: إسبسيانوس، فحاصرهم سنين ثم مات. فبعث الله عليهم ابنه ططيوس بن إسبسيانوس الرومي، فحاصرهم، ثم بعد ذلك ملكهم، فقتل منهم مائة ألف، وثمانين ألفاً حتى قتل يحيى بن زكريا وسبى منهم مثل ذلك، وخرب بيت المقدس فلم يزل خراباً حتى بناه المؤمنون في زمن عمر رضي الله عنه. فذلك قوله: فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما يقول: أول الفسادين بَعَثْنا

صفحة رقم 301
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية