
٤٧ - قوله تعالى: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ﴾ الآية. قال المفسرون: أمر رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عليًّا -رضي الله عنه- أن يتخذ طعامًا ويدعو إليه أشراف قريش من المشركين ففعل ذلك علي، ودخل عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلى التوحيد، وقال: "قولوا: لا إله إلا الله، لتطيعكم العرب وتدين لكم العجم، فأبوا ذلك عليه" (١).
وكانوا يسمعون من النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ويقولون -بينهم متناجين-: هو ساحرٌ، وهو مسحور، وما أشبه ذلك من القول (٢)، فأخبر الله نبيه -عليه السلام- بذلك، وأنزل عليه: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ﴾ (٣) يحتمل أن تكون التاء زائدة.
(٢) ورد هذا المقطع في "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٤٣ بنصه.
(٣) ورد بنحوه مختصرًا -ودون ذكر قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في "تفسير الثعلبي" ٧/ ١١٠ ب، وورد بنصه -ودون قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في "الوسيط" تحقيق سيسي ٢/ ٥٠٥، انظر: "تفسير ابن الجوزي" ٥/ ٤٢، و"الفخر الرازي" ٢٠/ ٢٢٣ بنصه، و"القرطبي" ١٠/ ٢٧٢، ولم أقف على أثر -في كتب أسباب النزول ولا في كتب التفسير المتقدمة المتداولة- غير الثعلبي - بأن الآية نزلت في هذه الحادثة، والمعلوم أن إثبات سبب نزول آية ما يفتقر إلى دليل صحيح. وورد نحوٌ من هذه الحادثة - وفيها قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في سبب نزول صدر سورة (ص)؛ جاء في السيرة أن أشراف قريش جاؤوا أبا طالب في شأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فبعث إليه أبو طالب، فجاءه فقال: يا ابن أخي، هؤلاء أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليعطوك وليأخذوا منك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عم، كلمةٌ واحدةٌ يُعْطُونيها تملكون بها العرب وتدينُ لكم بها العجم"، فقال أبو جهل: نعمْ وأبيك وعَشْر كلمات، قال: تقولون: لا إله إلا الله، فنفروا وقالوا ما حكاه القرآن: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾ [ص: ٥]، فأنزل الله صدر سورة (ص). ورواية الطبري فقال أبو طالب: وإلام تدعوهم؟ قال. أدعوهم إلى أن يتكلموا بكلمة تدينُ لهم بها العرب ويملكون بها العجم. يفي رواية أحمد والترمذي والبيهقي: "تدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها العجمُ الجزية". قال=

والمعنى: نحن أعلم بما يسمعون إذ يسمعون إليك، وأنت تقرأ القرآن وتدعوهم إلى الإسلام، أخبر الله تعالى أنه عالمٌ بتلك الحالة، وبذلك الذي كانوا يسمعونه إذ يستمعون إلى الرسول.
وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ هُمْ نَجْوَى﴾ قال ابن عباس: يريد يتناجون بينهم بالتكذيب والاستهزاء (١) قال أبو عبيدة:
نجوى مصدر ناجيت (٢)، وذكرنا هذا الحرف عند قوله: ﴿خَلَصُوا نَجِيًّا﴾ [يوسف: ٨٠]، قال أبو إسحاق: النجوى اسم المصدر، والمعنى: وإذ هم ذَوُو (٣) نجوى (٤)؛ أي يتناجون ويُسَارّ (٥) بعضهم بعضًا.
﴿إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ﴾، قالوا: يعني الوليد بن المغيرة، والنضر بن الحارث، وأبا جهل وحويطبًا، وقرناءهم من المشركين (٦).
(١) ورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي ٢/ ٥٠٥، بنصه.
(٢) "مجاز القرآن" ١/ ٣٨١، بنصه.
(٣) في (ع) مطموسة، وفي باقي النسخ (ذوي)، وهو خطأ نحوي ظاهر، والمثبت موافق للمصدر.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٤٣ بتصرف يسير.
(٥) من الإسرار، وهو: الكتم والإخافاء.
(٦) ورد بنحوه مختصرًا في "تفسير مقاتل" ١/ ٢١٥ ب، و"الثعلبي" ٧/ ١١٠ ب، و"الماوردي" ٣/ ٢٣٧.

﴿إِنْ تَتَّبِعُونَ﴾: ما تتبعون، ﴿إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾، كلام المفسرين في هذه الآية يدل على أنهم قالوا هذا القول فيما بينهم مُسَارِّين، فأطلع الله نبيه على ذلك، وعلى هذا يحتاج إلى تقدير محذوف في الآية؛ لأن هؤلاء لم يتبعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيصحَّ أن يقال لهم: ﴿إِنْ تَتَّبِعُونَ﴾، ولكن التقدير: إذ يقول الظالمون، إذا تبعتموه لم تتبعوا إلا رجلاً مسحروًا، وإن كان هذا القول منهم للمسلمين فهو ظاهر ولا يحتاجون إلى إضمار، والمسحور (١): الذي قد سُحِرَ فاختلط عليه أمرُه، وأُزيل عن حدّ الاستواء، هذا قول أكثر أهل اللغة (٢).
وقال ابن الأعرابي: المسحور: الذَاهبُ العَقْلِ المُفْسد، وأنشد (٣):
فقالتْ: يَمينُ اللهِ أفعَلُ إنّني... رأيتُكَ مَسْحورًا يمينُكَ فاجرَهْ (٤)
قال: وطعامٌ مَسْحورٌ إذا أُفْسِدَ عَمَلُه، وأرضٌ مسحورة: أصابها من المطر أكثرُ مما ينبغي فأفْسَدَها (٥). وقال أبو عبيدة: يريد بشرًا ذا رِئَةٍ (٦).
(٢) ورد في "تهذيب اللغة" (سحر) ٢/ ١٦٤٥، بنحوه، انظر: (سحر) في "جمهرة اللغة" ١/ ٥١١، و"المحيط في اللغة" ٢/ ٤٧٩، و"مجمل اللغة" ١/ ٤٨٧، و"مقاييس اللغة" ٣/ ١٣٨، و"الصحاح" ٢/ ٦٧٨، و"المحكم" ٣/ ١٣١.
(٣) للنابغة الذبياني.
(٤) "ديوانه" ص ١٢١، وورد في "تهذيب اللغة" (سحر) ٢/ ١٦٤٠، و"اللسان" (سحر) ٤/ ١٩٥٢.
(٥) ورد في "تهذيب اللغة" (سحر) ٢/ ١٦٤٠، بنصه تقريبًا
(٦) "مجاز القرآن" ١/ ٣٨١ - باختصار، وواضح أنه اقتبسه من "الغريب" لابن قتيبة ١/ ٢٥٦ لوروده بنصه. وبقيةكلام أبي عبيدة- كما في "تفسير القرطبي" ١٠/ ٢٧٢ =

قال ابن قتيبة: ولست أدري ما الذي اضطره إلى هذا التفسير المُسْتَكْرَه، وقد سبق التفسير من السلف بما لا استكراه فيه. قال مجاهد في قوله: ﴿رَجُلًا مَسْحُورًا﴾: أي مخدوعًا (١)؛ لأن السحر حيلة وخديعة (٢).
وروى عطاء عن ابن عباس، في قوله: ﴿مَسْحُورًا﴾ قال: يريد مخلوقًا (٣).
وهذا يؤكد قول أبي عبيدة: ذو سحْر (٤)، ويجوز أن يكون من السَّحْر بمعنى: الغذاء (٥)، ومنه قول امرئ القيس:
ونُسْحَرُ بالطَّعام وبالشرابِ (٦)
(١) ورد بلفظه في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ١٦١، و"السمرقندي" ٢/ ٢٧١، و"الماوردي" ٣/ ٢٤٧، انظر: "تفسير السمعاني" ٣/ ٢٤٦، و"البغوي" ٥/ ٩٨.
(٢) "الغريب" لابن قتيبة ١/ ٢٥٦ بنصه.
(٣) أي بشرًا مخلوقًا.
(٤) "مجاز القرآن" ١/ ٣٨١ بمعناه، والظاهر أن القول مقتبس من "الغريب" لابن قتيبة ص ٢٥٦ لوروده بنصه
(٥) وهو قول الليث؛ ورد في "تهذيب اللغة" (سحر) ٢/ ١٦٤١ بلفظه.
(٦) صدره:
أَرَانا مُوْضِعِين لأمْر غَيْب
"ديوانه" ص ٤٣، وورد في: "البيان والتبيين" ١/ ١٩٨ و"الغريب" لا بن قتيبة ١/ ٢٥٦، و"جمهرة اللغة" ١/ ٥١١، و"تهذيب اللغة" (سحر) ٢/ ١٦٤١، "الصحاح" (سحر) ٢/ ٦٧٩، و"المحكم" (سحر) ٣/ ١٣٢، و"تفسير ابن عطية" ٩/ ١٠٢، و"ابن الجوزي" ٦/ ٤٢، و"اللسان" (سحر) ٤/ ١٩٥٢، وفي بعض المصادر (لحَتْمِ) بدل =