آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا
ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ

وسيطرة الخرافة والوهم على الذهن البشري، فأجدر به أن يصحو من غفلته، ويستيقظ من جهله وسباته العميق.
أخرج أحمد وابن مردويه عن ابن عمر: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن نوحا عليه السلام، لما حضرته الوفاة، قال لابنيه: آمركما بسبحان الله وبحمده، فإنها صلاة كل شيء، وبها يرزق كل شيء».
وعلى الإنسان أن ينتهز الفرصة قبل فوات الأوان، وأن يعلم أن الله حليم عن ذنوب عباده، كثير المغفرة للمؤمنين في الآخرة إذا تابوا وأنابوا إليه.
حماية النبي صلّى الله عليه وسلّم من الأذى
تعددت ألوان الأذى من الكفرة أهل مكة التي ارتكبوها في حق النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلم تقتصر مؤذياتهم على شخصه وصدّ الناس عن دعوته، وإنما كانوا يؤذونه في أخص أحواله الشخصية، في وقت قراءته القرآن وصلاته في المسجد الحرام، ولكن الله تعالى حماه من كيدهم وضررهم، وأنقذه في أحيان كثيرة من إصابته بسوء، أو النجاح في ثنية عن رسالته وتبليغ وحي ربه، ولننظر إلى آي القرآن تحدثنا عن بعض هذه المؤذيات، قال الله سبحانه:
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٥ الى ٤٨]
وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (٤٦) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٤٨)
«١» «٢» «٣» «٤» «٥»

(١) أي ساترا لك عنهم، فلا يرونك، ولا يبصرون ببصائرهم نور القرآن وهدايته.
(٢) أغطية، مفردها كنان.
(٣) أي كراهة أن يفقهوا القرآن.
(٤) صمما وثقلا في السمع.
(٥) متناجون في أمرك فيما بينهم.

صفحة رقم 1352

«١» [الإسراء: ١٧/ ٤٥- ٤٨].
أخرج ابن المنذر عن ابن شهاب الزهري قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا تلا القرآن على مشركي قريش، ودعاهم إلى الكتاب، قالوا يهزؤون به: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ [فصلت: ٤١/ ٥]. فأنزل الله في ذلك من قولهم: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ الآيات.
وآية وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ قيل: نزلت حينما دخل ملأ قريش على أبي طالب يزورونه، فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقرأ ومرّ بالتوحيد، ثم قال: «يا معشر قريش قولوا: لا إله إلا الله، تملكون بها العرب، وتدين لكم العجم، فولّوا» فنزلت هذه الآية.
والمعنى: أن الله تعالى أخبر نبيه صلّى الله عليه وسلّم أنه يحميه من مشركي مكة الذين كانوا يؤذونه، في وقت قراءته القرآن وصلاته في المسجد الحرام، ويريدون مدّ اليد إليه، فلا تخف أيها النبي، فإنك إذا قرأت القرآن على هؤلاء المشركين الذين لا يصدقون بالآخرة، جعلنا بينك وبينهم حجابا مستورا، أي حائلا حاجزا، يمنع قلوبهم من فهم القرآن وتدبر آياته، ومستورا على أعين الخلق، فلا يدركه أحد برؤية كسائر الحجب بقدرة الله وكفايته.
وجعلنا على قلوبهم أغطية، بحيث لا يتسرب إليها فهم مدارك القرآن ومعرفة أسراره وغاياته، وجعلنا في آذانهم ثقلا، أو صمما يمنع من سماع الصوت، وهذه كلها استعارات للإضلال الذي حفّهم الله به، فعبّر عن كثرة ذلك وعظمه بأنهم بمثابة من غطّي قلبه، وصمّت أذنه، والإضلال بسبب الضلال الذي سلكوه، وساروا في فلكه بغيا وعنادا.

(١) مغلوبا على عقله بالسحر.

صفحة رقم 1353

وإذا وحدّت الله في تلاوتك آيات القرآن، وقلت: لا إله إلا الله، ولم تقل:
واللات والعزّى، ولّوا على أدبارهم نفورا، أي رجعوا على أدبارهم نافرين نفورا، تكبّرا من ذكر الله وحده، لإدمانهم على الشرك وعبادة الأوثان، فهذه الآية تصف حال الفارّين عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في وقت توحيده في قراءته القرآن. وهذا أولى المعاني وأوفق للفظ.
نحن يا محمد أعلم بالنحو الذي يستمعون به آيات القرآن، حين يستمعون إليه هزءا واستخفافا وإعراضا، ونحن أعلم بما يتناجى به كفار قريش ويتسارّون حين وصفوك بأنك رجل مسحور أو مجنون أو كاهن، أي كأنه قال: نعم نحن أعلم بالاستخفاف والاستهزاء الذي يستمعون به، أي هو ملازمهم، يفضح الله بهذه الآية سرهم.
وقوله تعالى: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً الظاهر فيه أن يكون من السحر، فشبّهوا الخبال الذي عنده، بزعمهم وأقوالهم الوخيمة برأيهم، بما يكون من المسحور الذي قد خبّل السحر عقله، وأفسد كلامهم.
تأمل يا محمد، كيف مثلّوا لك الأمثال، وأعطوك الأشباه، وضربوا لك المثل وهو قولهم: مسحور، ساحر، مجنون، متكهّن لأنه لم يكن عندهم متيقّنا بأحد هذه، فإنما كانت منهم على جهة التشبيه، فحادوا عن سواء السبيل، ووقعوا في الضلال، وحكم الله تعالى عليهم به، فصاروا لا يستطيعون سبيلا إلى الهدى والنظر المؤدّي إلى الإيمان، ولا إلى إفساد أمرك وإطفاء نور الله، بضربهم الأمثال لك. وهنا وعيد لهم وتسرية وإيناس لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
حكى الطبري: أن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة وأصحابه. فقد رأى الوليد أن أقرب الأمور على تخيل الطارئين عليهم: هو أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ساحر، كذبوا ورب الكعبة وضلوا ضلالا مبينا.

صفحة رقم 1354
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية