
الآلهة الحوائج من الله (١)، وقال قتادة: لابتغوا التقرب إليه، وعرفوا فضله ومرتبته ومنزلته عليهم (٢)، والمعنى على هذا القول: لابتغوا ما يقربهم إليه لِعُلُوِّه إليهم (٣) وعِظَمِه عندهم، وهذا كقوله: ﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾ [المزمل: ١٩]، والأول هو قول الحسن والكلبي (٤).
٤٤ - قوله تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾ الآية. في هذه الآية مذهبان:
أحدهما: أن المراد بالتسبيح هاهنا حقيقة التسبيح، فعلى هذا السموات السبع والأرضون تسبح لله تسبيحًا حقيقيًا، ﴿وَمَنْ فِيهِنَّ﴾: من الملائكة والجن والإنس، والمراد بهذا التخصيص؛ لأن الشياطين وعبدة الأصنام لا يسبحون لله تسبيحًا حقيقيًّا.
(٢) أخرجه بنحوه مختصرًا "عبد الرزاق" ٢/ ٣٧٨، و"الطبري" ١٥/ ٩٢، من طريقين، وورد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ١٥٩ - بمعناه، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٦٩ - بمعناه، و"الثعلبي" ٧/ ١٠٩ ب، بنحوه، والطوسي ٦/ ٤٨١ - بمعناه، انظر: "تفسير البغوي" ٥/ ٩٥، و"القرطبي" ١٠/ ٢٦٦.
(٣) الأصوب عليهم؛ لأنه هو الأظهر في المعنى، وقد جاءت في "تفسير الطوسي" ٦/ ٤٨١: عليهم.
(٤) ورد في "تفسير الطوسي" ٦/ ٤٨١، بنحوه عن الحسن، انظر: "تفسير ابن الجوزي" ٥/ ٣٨، عن الحسن.
وقد رجح هذا القول الخازن والألوسي، والشنقيطي وقال: ولا شك أن المعنى الظاهر المتبادر من الآية بحسب اللغة العربية هو القول الأول؛ لأن في الآية فرض المحال؛ والمحال المفروض الذي هو وجود آلهة مع الله مُشَارِكة له لا يظهر معه أنها تتقرب إليه، بل تنازعه لو كانت موجودة، ولكنها معدومة مستحيلة الوجود. انظر: "تفسير الخازن" ٣/ ١٦٥، و"الألوسي" ١٥/ ٨٢، والشنقيطي ٣/ ٥٩٤.

وقوله تعالي: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ قال عكرمة: كل شيء حي (١)، ونحوه قال الحسن والضحاك: كل شيء فيه الروح (٢)، وقال قتادة: يعنى الحيوانات والنَّامِيات (٣)، وقال بعضهم: هذا عام في كل شيء، وكل ما خلق الله فهو يسبح بحمده، وأن صَرِيرَ السَّقْفِ وصَرِيرَ البابِ من التسبيح لله (٤)، ولكل شيء تسبيح لا نفقه نحن ذلك؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾.
المذهب الثاني: أن المراد بالتسبيح هاهنا: الدلالة على أن الله -عز وجل-
(٢) أخرجه "الطبري" ١٥/ ٩٢ بنصه عنهما، وأبو الشيخ في العظمة ص ٥٢٣ بنصه عن الضحاك، وورد في "تفسير الثعلبي" ٧/ ١٠٩ ب بنصه، و"الماوردي" ٣/ ٢٤٥ - بمعناه، و"الطوسي" ٦/ ٤٨٣ - بمعناه، انظر: "تفسير ابن الجوزي" ٥/ ٣٩، عنهما، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٣٣٣ وعزاه إلى أبي الشيخ عن الحسن- لم أجده.
(٣) أخرجه بمعناه "عبد الرزاق" ٢/ ٣٧٩، و"الطبري" ١٥/ ٩٣، وورد في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٧٠ - بمعناه، و"الثعلبي" ٧/ ١٠٩ ب بنصه، انظر: "تفسير البغوي" ٥/ ٩٦.
والنَّامِيات: جمع نَامٍ، والنَّامِي، مثل: النبات والشجر ونحوه؛ أي كل ما ينمو ويكبر، ويقابله الصامت؛ كالحجر والجبل ونحوه. انظر (نمي)، (نمو) في "المحيط في اللغة" (١٠/ ٤١٧، و"اللسان" ٨/ ٤٥٥٢.
(٤) وهو قول النخعي -كما في البغوي وغيره- وورد بنحوه في "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٤٢، و"تفسير الطوسي" ٦/ ٤٨٣، انظر: "تفسير البغوى" ٥/ ٩٦ بلفظ: صرير الباب ونقيض السقف، و"ابن الجوزي" ٥/ ٣٩، و"القرطبي" ١٠/ ٢٦٨.