
قَوْله تَعَالَى: ﴿تسبح لَهُ السَّمَاوَات السَّبع وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ﴾ قد بَينا من قبل.
وَقَوله: ﴿وَإِن من شَيْء إِلَّا يسبح بِحَمْدِهِ﴾ قَالَ عِكْرِمَة: وَإِن من شَيْء حَيّ إِلَّا يسبح بِحَمْدِهِ وَعَن عِكْرِمَة أَيْضا قَالَ: الشَّجَرَة تسبحه.
وَعَن مُجَاهِد قَالَ: كل الْأَشْيَاء تسبح لله حَيا كَانَ أَو جمادا، وتسبيحها (بسبحان الله وَبِحَمْدِهِ).
وَعَن أبي صَالح أَنه سمع صرير بَاب فَقَالَ: هُوَ تسبيحه.
وَعَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: لَا تضربوا الدَّوَابّ على رءوسها فَإِنَّهَا تسبح الله، وَعَن ابْن عَبَّاس: إِن تَسْبِيح هَذِه الْأَشْيَاء: يَا حَلِيم، يَا غَفُور.
وروى مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر أَبُو غياث عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: " وَإِن من شَيْء جماد أَو حَيّ إِلَّا يسبح بِحَمْدِهِ حَتَّى صرير الْبَاب ونقيض السّقف.
وَاعْلَم أَن لله فِي الجماد علما لَا يُعلمهُ غَيره، وَلَا يقف عَلَيْهِ غَيره، فَيَنْبَغِي أَن يُوكل علمه إِلَيْهِ. وَقَالَ بعض أهل الْمعَانِي: تَسْبِيح السَّمَاوَات وَالْأَرْض والجمادات وَسَائِر الْحَيَوَانَات سوى الْعُقَلَاء، هُوَ مَا دلّت بلطيف تركيبها وَعَجِيب هيئاتها على خَالِقهَا، فَيصير ذَلِك بِمَنْزِلَة التَّسْبِيح مِنْهَا.
وَالْمَنْقُول عَن السّلف مَا قُلْنَا من قبل، وَالله أعلم.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَلَكِن لَا تفقهون تسبيحهم﴾ أَي: لَا تعلمُونَ تسبيحهم.
وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَن مَوضِع هَذِه الْآيَة فِي التَّوْرَاة ألف آيَة كَانَ الله تَعَالَى قَالَ:

﴿بِحَمْدِهِ وَلَكِن لَا تفقهون تسبيحهم إِنَّه كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (٤٤) وَإِذا قَرَأت الْقُرْآن جعلنَا بَيْنك وَبَين الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة حِجَابا مَسْتُورا (٤٥) وَجَعَلنَا على قُلُوبهم أكنة أَن﴾ سبح لي كَذَا، وَسبح لي كَذَا، وَسبح لي كَذَا، وعَلى القَوْل الْأَخير قَوْله: ﴿وَلَكِن لَا تفقهون تسبيحهم﴾ أَي: لَا تستدلون بمشاهدة هَذِه الْأَشْيَاء على تَعْظِيم الله. وَهَذَا لَيْسَ بمعتمد، وَالصَّحِيح مَا بَينا.
وَقَوله: ﴿إِنَّه كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ قد بَينا معنى الْحَلِيم والغفور.