آيات من القرآن الكريم

تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ۚ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا
ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ

يقول تعالى تقدسه السماوات السبع والأرض ومن فيهن، أي من المخلوقات، وتنزهه وتعظمه وتبجله وتكبره عما يقول هؤلاء المشركون، وتشهد له بالوحدانية في ربوبيته وإلهيته :
ففي كل شيء له آية... تدل على أنه واحد
﴿ تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً * أَن دَعَوْا للرحمن وَلَداً ﴾ [ مريم : ٩٠-٩١ ]. وقوله :﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾ أي وما من شيء من المخلوقات إلاّ يسبح بحمد الله ﴿ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ أي لا تفهمون تسبيحهم لأنها بخلاف لغاتكم، وهذا عام في الحيوانات والجمادات والنباتات، كما ثبت في « صحيح البخاري » عن ابن مسعود أنه قال : كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل، وفي حديث أبي ذر « أن النبي ﷺ أخذ في يده حصيات فسمع لهن تسبيح كحنين النحل »، وكذا في يد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم. وقال الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه دخل على قوم وهم وقوف على دواب لهم ورواحل، فقال لهم :« اركبوها سالمة ودعوها سالمة، ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق، فرب مركوبة خير من راكبها، وأكثر ذكراً لله منه » وفي « سنن النسائي » عن عبد الله بن عمرو قال :« نهى رسول الله ﷺ عن قتل الضفدع، وقال : نقيقها تسبيح » وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال، قال رسول الله ﷺ :« ألا أخبركم بشيء أمر به نوح ابنه؟ إن نوحاً عليه السلام قال لابنه : يا بني آمرك أن تقول سبحان الله فإنها صلاة الخلق، وتسبيح الخلق، وبها يرزق الخلق »، قال الله تعالى :﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾. وقال عكرمة في قوله تعالى :﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾ قال : الأسطوانة تسبح. والشجرة تسبح. وقال بعض السلف : صرير الباب تسبيحه، وخرير الماء تسبيحه.
وقال آخرون : إنما يسبح من كان فيه روح من حيوان ونبات. قال قتادة في قوله :﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾ قال : كل شيء فيه روح يسبح من شجر أو شيء فيه، وقال الحسن والضحّاك : كل شيء فيه الروح وقد يستأنس لهذا القول بحديث ابن عباس. أن رسول الله ﷺ مرّ بقبرين فقال :« إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير. أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة »، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين. ثم غرز في كل قبر واحدة ثم قال « لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا »

صفحة رقم 1448

، قال بعض من تكلم عن هذا الحديث من العلماء، إنما قال ما لم ييبسا : لأنهما يسبحان ما دام فيهما خضرة فإذا يبسا انقطع تسبيحهما، والله أعلم. وقوله :﴿ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ﴾ أي أنه لا يعاجل من عصاه بالعقوبة، بل يؤجله وينظره، فإن استمر على كفره وعناده أخذه عزيز مقتدر كما جاء في « الصحيحين » :« إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته »، ثم قرأ رسول الله ﷺ :﴿ وكذلك أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القرى وَهِيَ ظَالِمَةٌ ﴾ [ هود : ١٠٢ ] : الآية وقال تعالى :﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ﴾ [ الحج : ٤٨ ] الآية وقال :﴿ فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ﴾ [ الحج : ٤٥ ] الآيتين، ومن أقلع عما هو فيه من كفر أو عصيان ورجع إلى الله وتاب إليه، تاب عليه كما قال تعالى :﴿ وَمَن يَعْمَلْ سواءا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله ﴾ [ النساء : ١١٠ ] الآية. وقال هاهنا. ﴿ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ﴾ كما قال في آخر فاطر :﴿ إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ﴾ [ فاطر : ٤١ ] إلى أن قال :﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس ﴾ [ النحل : ٦١ ] إلى آخر السورة.

صفحة رقم 1449
تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد نسيب بن عبد الرزاق بن محيي الدين الرفاعي الحلبي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية