آيات من القرآن الكريم

وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ

القرآن على الوجه الذي يريده ربّه وهو أعلم الناس به فكيف بنا نحن؟ اللهم وفقنا لهداك وأرشدنا لفهم كلامك ووفق أمة نبيك أن يتعلموا ما به ليفهموه.
ولنا رسالة في علم التجويد تكفي من يطلع عليها لمعرفته صغيرة الحجم كثيرة العلم، واسمها (أحسن البيان في تجويد القرآن) فعليكم أيها الناس بما يصلح معادكم قبل أن تهلكوا و «كُلُّ شَيْءٍ» من مكونات الله تعالى «هالِكٌ» لأن مصيره إلى الزوال والاندراس «إِلَّا وَجْهَهُ» ذاته المقدسة، وحاشاه وهو الدائم الباقي الذي لا يحول ولا يزول «لَهُ الْحُكْمُ» فصل القضاء بين خلقه مختص به وحده، وهو الحاكم العدل في الدنيا والآخرة «وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» ٨٨ أيها الناس، فيقضي بينكم قضاء مبرما لا مغيّر ولا مبدل له، وهناك في تلك الدار الباقية يجزى الخلق حسما يفصل بينهم.

لأهل الخير جنات ونعمى وللكفار إدراك النكال
هذا والله أعلم، وأستغفر الله العظيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا.
تفسير سورة الاسراء عدد ٥٠- ١٧
نزلت في مكة بعد سورة القصص، عدا الآيات ٢٦ و ٣٢ و ٣٣ ومن ٧٤ إلى ٨٠ فإنهنّ نزلن بالمدينة، وهي مئة وإحدى عشرة آية وخمسمائة وثلاث وثلاثون كلمة، وثلاثة آلاف وأربعمائة وستون حرفا، ولا يوجد في القرآن سورة مبدوءة بما بدئت به، ومشتقاته ذكرناها أول سبّح اسم ربك المارة.

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

قال تعالى: «سُبْحانَ» ابتدأت هذه السورة بهذا اللفظ وهو علم على التسبيح تقول سبحت تسبيحا، فالتسبيح مصدر وسبحان علم عليه، ولذلك تسمى سورة سبحان كما تسمى سوره بني إسرائيل والإسراء، ومعناه تنزيه الله تعالى عن كل ما هو من شأن البشر وأحواله، ومعناه لغة التباعد، وعليه يكون المعنى بعد الله ونزاهته القصوى عن كل ما لا ينبغي، لأنه تعالت عظمته ليس كمثله شيء «الَّذِي أَسْرى» وسرى بمعنى واحد، يقال

صفحة رقم 407

أسرى به وسرى به، ولا يقال صرى وأسرى إلا إذا كان المسير ليلا «بِعَبْدِهِ» محمد صلّى الله عليه وسلم، وأضافه لنفسه اضافة تشريف وتبجيل وتعظيم، لأنه صلّى الله عليه وسلم بلغ في هذا الإسراء أعلى الدرجات، ودنا من أرفع المراتب، وعلى ما لم يعلو عليه أحد روي أنه أوحي اليه بم شرفتك يا محمد، قال بنسبتي إليك يا رب بالعبودية، فأنزل الله هذه الآية العظيمة «لَيْلًا» والفائدة من ذكر كلمة ليلا مع أنه يغني عنه لفظ أسرى فضلا عن معلوميّته بمقتضى اللفظ، هو تقليل مدة الإسراء الذي يدل عليه تنكير كلمة ليلا مع عظم ما وقع فيها من المعجزات الآتية الذكر وغيرها، وإنما خص الليل لمزيد الاحتفال به صلّى الله عليه وسلم لأنه وقت الخلوة والاختصاص ومجالة الملوك، ولا يكاد يدعو الملك لحضرته ليلا إلا من هو جليل عنده، وهو أصل النهار والاهتداء به للقصد أبلغ، ولأن المسافر قد يقطع بالليل مالا يقطعه بالنهار ولهذا قال صلّى الله عليه وسلم عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل مالا تطوى بالنهار: وجاء في المثل (عند الصباح يحمد القوم السري) وقد أسرى به ذهابا وإيابا ببعض الليل مسافة شهرين في الأرض «مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» مكة المكرمة «إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» البيت المقدس، وسمي أقصى إذ لم يكن إذ ذاك وراءه مسجد، أما الآن والحمد لله فصار وراءه وبينهما مساجد كثيرة، وأمامه ويمينه وشماله إلى أقصى الجهات المعمورة، وفي أعظم البلاد الأجنبية التي تبعد عن مكة أشهرا، فلم تبق قارة إلا وفيها مساجد للمسلمين «الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ» من جميع أطرافه بركة دينية معنوية، وهي جعله مهبط الوحي وكفات الأنبياء ومقرهم وقبلتهم وبركة دنيوية حسية بالأنهار والأشجار، وهو القبلة الأولى واليه محشر الخلائق، وقد أسرينا بمحمد هذا الإسراء البديع وشرفناه بهذا التشريف الذي لم يكن لأحد من قبله «لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا» البديعة وعجائب قدرتنا المنيعة، ونشرفه بمقامنا العظيم، ونسرّه بكلامنا الجليل، ونمتّعه بأشياء كثيرة، ونتجلى عليه بذاتنا الكريمة، واعلم أن لفظ كريم أفضل من غيره من الصفات الممدوحة التي يوصف بها، إذ اختاره لذاته المقدسة دون غيره، وهو أعلم بما يوصف به نفسه وما هو أليق بذاته المقدسة، ولذلك وصفه بها، قال تعالى: (وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ)

صفحة رقم 408

الآية ٣ من سورة العلق، وقال تعالى: (ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) الآية ٦ من سورة الانفطار، ولا تجد وصفا في القرآن للقرآن أو الملائكة أو للجنان أو لمطلق كتاب أو للثواب أو للرسل أو للعرش إلا بلفظ كريم، ولم يصفه الأنبياء إلا بهذا الوصف، مثل قولهم (فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) الآية ٤٠ من سورة النمل المارة، وقال (ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) كررها مرتين في سورة الرحمن ج ٣. وأعلم أنه لا يقال إن إبراهيم أفضل من محمد عليهما الصلاة والسلام لقوله تعالى في حقّه:
(وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الآية ٧٥ من سورة الأنعام في ج ٢، لأن هذا الملكوت الذي رآه إبراهيم من بعض الآيات التي أراها الله إلى محمد وآيات الله لا تحصى، وأفضاله لا تستقصى، وإن سيدنا محمدا هو أفضل الأنبياء والرسل والملائكة على الإطلاق، وقد أجمعت الأمة على تفضيله وعليه قولهم:

وأفضل الخلق على الإطلاق نبينا فمل عن الشقاق
ولم يشذ عن هذا الإجماع إلا الزمخشري إذ يقول إن جبريل أفضل منه، وهذا من جملة خلافياته وانشقاقه على أهل السنة والجماعة التي رجع عنها أخيرا كما يفهم من قوله:
يا من يرى مدّ البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل
ويرى مناط عروقها في لحمها وإلخ في تلك العظام النحل
اغفر لعبد تاب من فرطاته ما كان منه في الزمان الأول
وما قاله بعض المغالين في حقه بأنه أراد بتوبته هذه عن الزمن الذي كان فيه قبل الاعتزال بعيد عن الحقيقة، ولفظ قوله هذا ومغزاه ينفيه، عفا الله عن الاثنين، «إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ»
لكل شيء يسمع أقوال عبده عند تشرفه به، ويجيب دعاءه حينما يدعوه، وهو أكرم من أن يرد أحدا فضلا عن الأنبياء الكرام «الْبَصِيرُ» ١ بشأنه المسدد لأفعاله وأعماله وأقواله ورموزه وإشاراته، قال تعالى في هذه الآية أسرى وباركنا على طريق الغيبة ثم قال إنه هو على طريق التكلم التفاتا، وهذا من أبواب المعاني والبديع بالكلام، ومن طرق البلاغة والفصاحة، وفي كلمة سبحان المصدرة بها هذه الآية معنى التعجب، لأن عروج الشيء الكثيف إلى العلو وخرقه له مما يتعجب منه، وقدمنا البحث في جواز الخرق والالتئام على سبيل خرق العادة

صفحة رقم 409

في الآيتين ٣٨/ ٤٠ من سورة يس وفي الآيتين ١٨/ ٤٢ من سورة والنجم المارتين، وسنأتي على بيانه بعد بصورة أوضح وأكمل إن شاء الله.
مطلب وجوب الإيمان بالإسراء والمعراج وكفر من أنكر الأول وتفسيق من أنكر الثاني:
هذا وإن التعجب بعروجه لقصد الحق لأمر عظيم بين المحب والمحبوب أعجب من نزوله لقصد الخلق بينه وبين أمته، وهذا كالفرق بين ولاية النبي ورسالته فإن الأولى بينه وبين مولاه والثانية بينه وبين الناس، وإنما قال تعالى بعبده ولم يقل بنبيه أو رسوله لئلا يتوهم فيه ما توهمه الناس في عيسى عليه السلام من أنه انسلخ من الأكوان وعرج بجسمه إلى الملأ الأعلى مناقضا للعادات البشرية وأطوارها، ولأن العبودية أفضل من النبوة لأنها انصراف من الخلق إلى الخالق، والنبوة انصراف من الخالق إلى الخلق، وشتان ما بينهما، ولأن كلمة عبد عبارة عن الروح والجسد، والبراق الذي ركب عليه في الإسراء من جنس الحيوانات يحمل الأجساد لا كما يقوله الغير من أنه عبارة عن البرق المعلوم الحاصل من احتكاك السحب بعضها ببعض، وهو الذي أقل حضرة الرسول من مكة إلى القدس بسرعته وأعاده لموضعه، وهذا أبلغ في القدرة لو كان لهذا القول أصل من نقل صحيح أو خبر قاطع وليس فليس، أو لو كان العروج بالروح فقط كما يزعمه البعض أو حال النوم كما يقوله الغير أو حال الفناء كما توهمه الآخر أو حال الانسلاخ كما يظنه بعض المتصوفة والحكماء، لأمكن ذلك، على أن الذهاب بالروح يقظة ليس كالانسلاخ الذي ذهب هذا الأخيران إليه، فإنه وإن كان خارقا للعادة إلا ان العرب لا تعرفه، فليس محلا للتعجب، ولم يقل به أحد من السلف كما فندناه في سورة يس المارة، وعلى تلك الأقوال الواهية لا حاجه لذكر البراق، لأن ما ذكر فيها لا يحتاج الى الحمل، ولا محل لأن يستبعده المستبعدون أو ينكره الجاحدون استكبارا على الله القادر الفعال لما يريد، لأن أهل الهيئة من جميع الملل يحصل لهم مثل ذلك، وكثير من الناس من يرى الله في المنام، ويوجد جماعة من أهل المعرفة يتوصلون الى الانسلاخ فلا فضل فيه حينئذ ولا فخر، ولا حاجة للإنكار والجدال وإنما القول الحق هو أنه صلّى الله عليه وسلم أسرى بروحه وجسده يقظة من مكة الى بيت المقدس، ومن

صفحة رقم 410

شك في هذا أو أنكره فهو كافر والعياذ بالله لإنكاره القرآن صراحة، هذا هو القول الفصل في الإسراء، أما المعراج فهو قول ثابت كما سنورد عليك من الشواهد القوية والحجج الساطعة والدلائل القاطعة ما نقنع بثبوته ووقوعه، ومن أنكره فقد خرق الإجماع، ومن انشق على اجماع أهل السنّة والجماعة فإنه يفسق شرعا ولا تقبل شهادته ويوشك ان يدخله الله تعالى في معنى الآية ١١٤ من سورة النساء من ج ٢، لأن مخالفة العلماء مخالفة للرسول ومخالفة الرسول مخالفة لله، هذا وقد اجمع المفسرون على أن المراد بعبده في هذه الآية محمد صلّى الله عليه وسلم كما أجمعت على هذا أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلم يختلف عن ذلك أحد، كما أنهم لم يختلفوا في الإسراء لما فيه جحود صراحة القرآن ومن شك لا حظ له في الإسلام هذا ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وليعلم ان العبودية أفضل من العبادة لأن العبادة تنقضي بالدنيا والعبودية باقية في الدنيا والآخرة، وهي اشرف أوصاف العبد عند العارفين الكاملين، وبها يفتخر المحب عند محبوبه قال:
لا تدعني إلا بيا عبدها... فإنه أشرف أسمائي
فقال الآخر:
بالله إن سألوك عني فقل لهم... عبدي وملك يميني وما أعتقته
وذكر العلماء أن الله تعالى لم يعبّر عن أحد بالعبد مضافا الى ضمير الغيبة المشار به الى الهوية إلا عن نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم، وفيه من الإشارة وعلو الشارة ما فيه، ومن تأمل أدنى تأمل بين قوله تعالى (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) الآية من سورة والنجم المارة وبين قوله (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ) الآية ١٢٠ من المائدة من ج ٣ بان له الفرق بين مكانة روح الله ومكانة رحمة الله، ومن قابل بين قوله سبحان الذي أسرى الآية المارة وبين قوله (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا) الآية ١٤٢ من سورة الأعراف المارة، ظهر البعد بين مقام الحبيب وبين مقام الكليم، ومن وازن بين هذه الآية وآية (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ) المارة من سورة الأنعام من ج ٢ عرف البون بين مقام ذلك الخليل ومقام هذا الحبيب الجليل.

صفحة رقم 411

مطلب قصة المعراج والإسراء والمعجزات الواقعة فيهما:
وخلاصة القصة بناء على ما جاء في الأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة أنه صلّى الله عليه وسلم كان ليلة سبع وعشرين من شهر رجب سنة ٥١ من ميلاده الشريف، وبدء السنة العاشرة من البعثة الجليلة التي أولها شهر رمضان، لأن سنة الولادة أولها شهر ربيع الأول وكذلك سنة الهجرة أولها ربيع الأول، وقد اعتبروا المحرم أولها اعتبارا، كان نائما في بيت فاختة أم هانىء بنت أبي طالب بعد أن صلى الركعتين اللتين كان بتعبد فيهما قبل النوم، وما جاء أنه كان بالحجر والحطيم وبين زمزم والمقام أقوال لم نعتمد على صحتها ولم نجد ما يقويها، ويؤيد ما جرينا عليه ما روى عن أم هانىء أنها فقدت رسول الله صلّى الله عليه وسلم من بيتها وامتنع النوم عنها مخافة عليه من قريش، وأخبرت بني المطلب، فتفرقوا في التماسه، ورحل العباس الى ذي طوى وهو يصيح يا محمد يا محمد، هذا وقد اظهر الله له في إسرائه ومعراجه سبعين معجزة، أولها أنه خرج عن سقف البيت سحر تلك الليلة، فنزل جبريل وميكائيل واسرافيل عليهم السلام، فأيقظه جبريل، فقال له صلّى الله عليه وسلم مالك يا أخى؟ قال قم إن ربك بعثني إليك وأمرني أن آتيه بك في هذه الليلة بكرامة لم يكرم بها أحد قبلك ولا يكرم بها أحد بعدك، فتكلم ربك وتنظر إليه ويريك عجائب عظمته وبدائع قدرته ومنافع ملكوته، قال صلّى الله عليه وسلم فقمت وتوضأت وصليت ركعتين، قال ثم إن جبريل عليه السلام تقدم إليّ وشق صدري ما بين الرّقوتين الى أسفل بطني بإشارة منه ليس بآلة ما، ولم أجد ألما ما، ولا خرج مني دم ما، معجزة على طريق خرق العادة- واستخرج قلبه الشريف، وغسله بطست من ماء زمزم ثلاثا، ونزع ما كان فيه من أذى، ثم جاء بطست من ذهب ممتلىء إيمانا وحكمة فأفرغه فيه.
تنبيه: من المعلوم أن الإيمان والحكمة ليستا من الأجسام بل هي معان، والمعاني تمثل في الأجسام مجازا، ولذا قال فأفرغه، ويحتمل أنه عليه السلام جعل في الطست شيئا، يحصل به كمال الإيمان والحكمة وزيادتها، فسمي إيمانا وحكمة لكونه سببا لهما. قال ثم وضعت السكينة في قلبه الشريف، وهذه أيضا من الأمور المعنوية التي لا تحتاج إلى حيّز محسوس، ولا بد لهذه الأمور من عقيدة راسخة،

صفحة رقم 412

وإيمان كامل، وبصيرة طاهرة تعقلها وتصدق بها تصديقا لا مرية فيه. ومن لا يؤمن بمثل هذه الأمور المعنويات يخشى على إيمانه، لأنها قد تؤدي لإنكار ما هو أعظم والعياذ بالله خصوصا فيما نحن فيه، لإطباق العلماء على صحته وأكثر العارفين على حقيقته، فالحذر الحذر من أن تشك يا أخي في هذه اليقينيات إذ قد يتطرق الشك فيها إلى كثير من أمور الدين، فيسلب دين الشاك وتضمحل عقيدته في الإسلام والعياذ بالله تعالى من حيث لا يشعر، ولهذا يجب على المؤمن أن يسلم ويذعن لما جاء عن ربه ورسوله، ولا يقيسها على الأمور الحسية فيصير إبليس الثاني راجع مقايسته في الآية ١٢ من سورة الأعراف المارة. قال ثم أعاده إلى مكانه وأشار إلى صدره فالتأم كما كان، وهذه معجزة ثالثة له صلّى الله عليه وسلم. واعلم أن هذا الشق غير الذي وقع له في صغره عند ظئره حليمة، وفيها أخرج الملك من صدره الشريف علقة سوداء دموية، وقال له جبريل هذا حظ الشيطان منك.
وهي محل الغمز والوسوسة فلم يبق للخبيث حظ فيه، ولهذا كان صلّى الله عليه وسلم في صغره لم يمل إلى ما يميل إليه الأولاد من اللعب واللهو، وهكذا شأن الأنبياء في صغرهم كما مر في سورة مريم من شأن يحيى وعيسى، ثم أنه شق صدره ثانيا حينما شرفه الله بالنبوة وغسل قلبه الشريف وأعيد لمحله على النحو المار ذكره لتحمل أعباء النبوة التي لا يقواها مطلق قلب، وهذه المرة الثالثة لتصفيته للقاء ربه عزّ وجل وتخليصه من الأغيار ليتسنى له حفظ الأسرار الإلهية والكمالات الربانية التي ستلقى عليه. الرابعة أن جبريل عليه السلام جاءه بخاتم من نور فختم على قلبه وبين كتفيه بخاتم النبوة، وكان يراه الرائي بحسب مكانته عند الله وقدر محبته لرسوله واعتقاده به، فمنهم من يراه مثل زر الحجلة (الخيمة) التي يغطى فيها السرير ويدخل في العروة، ومنهم من يراه قطعة نور، ومنهم من يرى فيه عبارة لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومنهم من يرى غير ذلك، ولكل وجهه.
مطلب في البراق والأقوال الواردة في المعراج:
الخامسة هي أنه صلّى الله عليه وسلم جيء بالبراق مسرجا وملجا وهو له دابة بيضاء لها بريق يلمع دون البغل وفوق الحمار، خدّه خد إنسان وقوائمه قوائم بعير، وعرفه عرف

صفحة رقم 413

فرس، لا ذكر ولا أنثى، فهو حقيقة أخرى كالملائكة، فإنهم خارجون عن فحوى قوله تعالى (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) الآية ٤٩ من سورة الذاريات في ج ٢ إذ لا عموم إلا وخص منه البعض، قال وكان سرجه من اللؤلؤ وركاباه من الزبرجد، ولجامه من الياقوت الأحمر يتلألأ النور من حليته، وقال ما رأيت دابة أحسن منها، وقال جبريل اركبه حتى تمضي إلى دعوة ربك، قال فأخذ بلجامها جبريل، وبركابها ميكائيل، ووضع يده على خلفها إسرافيل، فقصدت أن أركبها فجمحت، وأبت أن تذعن، فوضع جبريل يده على وركها وقال لها أما تستحين مما فعلت، فو الله ما ركبك أحد أكرم منه على ربه، فرشحت عرقا من الحياء، وقيل في هذا:

ما كدى الميمون وانحلت عزائمه وأنت أنت الذي باليمن لاجمه
وإنما شهد الأملاك ساجدة إلى علاك فانحلت عزائمه
قال ابن دحية ووافقه الإمام النووي إن البراق لم يركبه أحد قبل النبي محمد صلّى الله عليه وسلم وإن قول جبريل ما ركبك أحد إلخ لا ينافيه، لأن السالبة تصدق بنفي الموضوع وقالت يا جبريل لم أستصعب منه، ولكن أريد أن يضمن لي الشفاعة يوم القيامة لأني علمت أنه أكرم الخلق على ربه، فضمن لها ذلك، فركبها قال صلّى الله عليه وسلم: فانطلق البراق يهوي يضع حافره حيث ينتهي طرفه. واعلم أن الخلاف في المعراج والإسراء على ثلاثة أقوال: الأول أنه أسري بروحه وجسده يقظة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى السموات إلى أن رأى ربه بعين رأسه كما سيأتى تفصيله، وهذا ما عليه الجمهور من أهل السنة والجماعة. الثاني أنه أسري بروحه وجسده يقظة وعرج بروحه فقط، والقائلون بهذا ينكرون المعراج الحسيّ وسبق أن بينا آنفا أنهم يفسقون شرعا. الثالث أنه أسري به وعرج به مناما، وأصحاب هذا القول يكفرون كما مرّ بك، لأن مثل هذا يتيسر لكثير من الناس، ولا معنى حينئذ لاستعظامه وإنكاره، ولا حاجة لتصادم الآراء فيه والقول باستحالته، ولا لزوم لطلب الدليل عليه، لأن النائم قد يرى نفسه في الشرق والغرب والسماء ولا يستبعده أحد، وما قيل إن لفظ الرؤيا الواردة بالآية ٦٠ الآتية تختص بالنوم

صفحة رقم 414

ليس على إطلاقه، بل قد يكون في اليقظة، قال الراعي يصف صيدا:

وكبر للرؤيا وهش فؤاده وبشر قلبا كان جمّا بلابله
والحديث في هذا الشأن مروي عن معاوية، وقد كان كافرا حين الإسراء، وعن عائشة وكانت صغيرة وليست بزوجة له صلّى الله عليه وسلم، والحسن إنما رواه عنهما فلا عبرة به، وما أخذه بعضهم من رواية شريك بن غزال طعن فيها الحفاظ فلا قيمة لها.
هذا واعلم أن إعطاء البراق قوة المشي على تلك الصفة معجزة سادسة. والسابعة: قال بينا هو سائر على البراق إذ رأى عفريتا من الجن يطلبه بشعلة نارية كلما التفت رآه، فقال له جبريل قل أعوذ بوجه الله الكريم وبكلماته التامة اللاتي لا يجاوزهنّ برّ ولا فاجر من شرّ ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها، ومن فتن الليل والنهار، ومن طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير، يا رحمن، فقالهن صلّى الله عليه وسلم، فانكب لفيه، وخرّ صريعا، وطفئت شعلته. الثابتة: وكشف له بطريق ضرب المثل فرأى قوما يزرعون ويحصدون في ساعة وكلما حصدوا عاد الزرع كما كان، فقال ما هذا يا أخي يا جبريل؟ فقال هؤلاء المجاهدون في سبيل الله، تضاعف لهم الحسنة إلى سبعمئة ضعف، وما أنفقوا من خير فهو يخلفه. التاسعة: بينما هو سائر إذ نادى مناد عن يمينه يا محمد انظرني اسألك، فلم يجبه، فقال ما هذا يا جبريل؟ فقال هذا داعي اليهود، أما أنك لو أجبته لتهوّدت أمتك. العاشرة: ثم ناداه مناد عن يساره، فلم يجبه أيضا، فقال ما هذا يا جبريل؟ قال هذا داعي النصارى، أما لو أجبته لتنصّرت أمتك. الحادية عشرة: ثم رأى امرأة حاسرة عن ذراعيها، عليها من كل زينة، جالسة على الطريق، فقالت انظرني يا محمد أسالك، فلم يلتقت إليها، فقال من هذه يا جبريل؟ فقال تلك الدنيا، أما أنك لو أجبتها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة. الثانية عشرة: ثم رأى عجوزا على جانب الطريق، فقالت يا محمد انظرني فلم يلتفت إليها، فقال ما هذه يا جبريل؟ قال إنه لم يبق من عمر الدنيا إلا بقدر ما بقي من عمر هذه العجوز، وفي عدم إجابته لهما دليل على أن حضرة الرسول غير مبال بها بالطبع، لأنه لم يلتفت

صفحة رقم 415

إليهما، ولم يردّ عليهما، وهكذا الأنبياء جبلوا على ترك الدنيا وحب الآخرة فطرة، قالوا إن الدنيا شابة من آدم إلى إبراهيم، وكهلة من إبراهيم إلى محمد، وعجوز من محمد إلى القيامة. الثالثة عشرة: إنه صلّى الله عليه وسلم رأى رجلا يجمع حزمة حطب لا يستطيع حملها، وهو يزيدها، فقال ما هذا يا جبريل؟ قال مثل الرجل من أمتك تكون عنده الأمانة فيكتمها عن صاحبها ويريد أن يحمل نفسه وزرا فوق أوزاره، مما لا تقواه قواه، راجع بحث الأمانة في تفسير الآية ٨ من سورة المؤمنين في ج ٢ وفي الآية ١٥ من آل عمران والآية ٢٨٢ من البقرة وآخر سورة الأحزاب في ج ٣، وفي سورة الماعون المارة، قالوا اتق حروف الشوك أي الكلمات المبدوءة بالواو كالوكالة والوصاية والولاية والوزارة والوديعة، والكلمات المبدوءة بالشين كالشر والشره والشبع والشركة، والكلمات المبدوءة بالكاف كالكيد والكفر والكفالة، وكلام الفضول والكلب. الرابعة عشرة: رأى صلّى الله عليه وسلم قوما ترضخ رؤوسهم وكلما رضخت عادت كما كانت، فقال من هؤلاء يا جبريل؟ قال الذين تتشاقل رءوسهم عن الصلاة المفروضة، قال تعالى (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) الآية ٤ من سورة الماعون المارة، وإذا كان جزاء من يسهو عنها هكذا، فكيف بمن يتركها؟ وقد جاء عنه صلّى الله عليه وسلم: بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة. ولهذا قال الإمام أحمد يقتل كفرا من يتركها عمدا. الخامسة عشر: رأى صلّى الله عليه وسلم قوما على أقبالهم وأدبارهم رقاع يسرحون كما تسرح الإبل والغنم ويأكلون الضريع (الشوك اليابس) والزقوم (ثمر شجر مرّ له زفرة لا يعرف في الدنيا وقد ذكرها الله في كتابه بقوله (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) الآية ١٤ من الصّافات في ج ٢، وفي الدنيا من نوعها (شجرة الحنظل) ورضف جهنم (أي حجارتها المحماة) فقال من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم المفروضة عليهم، ويحرمون من فضلهم فقراء الله راجع الآية ٧٦ فما بعدها من سورة التوبة في ج ٣. السادسة عشرة: رأى صلّى الله عليه وسلم قوما بين أيديهم لحم نيء ولحم نضج فيأكلون النيء الخبيث ويتركون النضج الطيب، فقال ما هؤلاء يا جبريل؟ قال هذا مثل الزوجين من أمتك عندهما

صفحة رقم 416

الحلال فيأتيان الحرام ويدعان الحلال وهم الزناة. راجع الآية ٣١ الآتية، وقال صلّى الله عليه وسلم من زنى زنى به ولو بحيطان داره. أي لا بدّ من القصاص منه
ولو اختفت محارمه في داره. فإنه ان لم يزن بهن خارجها يزنى بهنّ داخلها، فعلى المؤمن الشهم أن يحفظ عرضه بالكفّ عن أعراض الناس. السابعة عشرة رأى صلّى الله عليه وسلم خشبة في الطريق لا يمرّ بها توب ولا شيء إلا مزّقته، فقال ما هذه يا جبريل؟ قال هذه مثل أقوام من أمتك يقطعون الطريق وتلا الآية ٨٥ من سورة الأعراف المارة. الثامنة عشرة: رأى صلّى الله عليه وسلم رجلا يسبح في نهر من دم يلتقم الحجارة، فقال من هذا؟ قال هذا مثل آكل الربا. راجع تفسير الآية ٢٧٥ من سورة البقرة فما بعدها، والآية ١٣٠ من آل عمران في ج ٣، وقال صلّى الله عليه وسلم: لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. التاسعة عشرة: رأى صلّى الله عليه وسلم قوما تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد كلما قرضت عادت، فقال من هؤلاء؟ قال هؤلاء خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون، وقال تعالى (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) الآية ٢ من سورة الصفّ ج ٣. العشرون:
ورأى صلّى الله عليه وسلم قوما يخمشون وجوههم وصدورهم بأظفار نحاسية، فقال من هؤلاء؟
قال هؤلاء مثل الذين يغتابون الناس ويقعون في أعراضهم، وقال تعالى (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) راجع تفسيرها المار ذكره. الحادية والعشرون: ورأى صلّى الله عليه وسلم حجرا يخرج منه ثور عظيم يريد أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع، فقال من هذا يا جبريل؟ قال هذا مثل الرجل من أمتك يتكلم الكلمة العظيمة ثم يندم فلا يستطيع ردّها، وقد جاء في الخبر من كثر لغطه كثر سقطه، ومن كثر سقطه فالنار أولى به. وقال: وهل يكبّ الناس في النار على وجوهم إلا حصائد ألسنتهم. الثانية والعشرون، ورأى صلّى الله عليه وسلم واديا طيبا باردا وريحا مسكية شذية، وسمع صوتا رقيقا، فقال ما هذا يا جبريل؟ قال هذا صوت الجنة، تقول ربّ آتيني ما وعدتني، فقد كثر فيّ ما لا نظائر له ولا أشباه. اللهم اجعلنا من أهلها. الثالثة والعشرون: ورأى صلّى الله عليه وسلم واديا خبيثا وريحا منتنة، وسمع صوتا منكرا بذيا، فقال ما هذا يا جبريل؟ قال هذا صوت جهنم تقول

صفحة رقم 417

ربّ آتني ما وعدتني فقد كثر في ما لا تقواه العصاة، راجع الآيتين ١٠/ ٤١ فما بعدهما من سورة الواقعة المارة في الجنة وأهلها والنار وأهلها أعاذنا الله منها.
الرابعة والعشرون. ورأى صلّى الله عليه وسلم شخصا متنحيا عن الطريق والطريقة الإسلامية، يقول هلم يا محمد، فقال جبريل سرّ يا محمد، قال من هذا يا أخى؟ قال هذا عدوّ الله إبليس، أراد أن تميل إليه، وقد وقعت هذه المبادرة من شفقة جبريل عليه السّلام على حبيبه محمد صلّى الله عليه وسلم، إذ قال له سرّ قبل أن يسأله عنه، خلافا لعادته، لما يعلم من حاله عليه اللعنة. الخامسة والعشرون: ورأى محمد موسى عليهما الصلاة والسلام يصلّي في قبره عند الكئيب الأحمر، ويقول أكرمته وفضلته، ويرفع صوته، فقال من هذا يا جبريل؟ قال موسى بن عمران، قال ومن يعاتب؟ قال يعاتب ربّه فيك، قال ويرفع صوته على الحضرة الجلالية؟ قال قد عرف حدّته التي جبله عليها (العتاب مخاطبة فيها إدلال)، فنزل وصلى ركعتين عنده.
السادسة والعشرون: ورأى شجرة عندها شيخ وعياله، فقال من هذا؟ قال هذا أبوك إبراهيم عليه السلام، فسلّم عليه وردّ عليه السلام، فقال إبراهيم يا جبريل من هذا الذي معك؟ قال ابنك محمد، فقال مرحبا بالنبي العربي ودعا له بالبركة (كان ابراهيم تحت تلك الشجرة) فنزل فصلى ركعتين وسار حتى أتى الوادي الذي فيه بيت المقدس. السابعة والعشرون: ورأى جهنم تنكشف عن مثل الزرابي أي الوسائد، قال كيف وجدتها يا رسول الله؟ قال مثل الحمة أي الفحمة.
الثامنة والعشرون: قال وبقي حتى انتهى إلى إيلياء من أرض الشام، أي مدينة القدس، فرأى جمعا غفيرا من الملائكة يستقبلونه صلّى الله عليه وسلم، فدخلها من الباب اليماني الذي فيه تمثال الشمس والقمر. التاسعة والعشرون: قال ولما انتهى إلى البيت المقدس كان على الباب حجر كبير فخرقه جبريل وربط به البراق، وهذه معجزة، لأن البراق لا يحتاج إلى الربط، ولأن الحجرة لا تخرق باليد، قال أبو سفيان لقيصر عند ما سأله عن النبي صلّى الله عليه وسلم كما في حديث البخاري من أنه هل يكذب؟
قال لا ولكن زعم أنه ذهب من حرمنا إلى مسجدكم ورجع في ليلة واحدة! ولما قال له هل يغدر قال لا، ونحن عنه في مدة، ليفهمه في هذه بأنه لعله وقع منه

صفحة رقم 418

الغدر بعد غيابه عنه وليستعظم ما ذكره في الجملة الأولى فيتهم بالكذب، وكان بطريق عنده فقال أنا أعرف تلك الليلة التي جاء بها نبيّكم، كنت أغلق أبواب المسجد وقد استعصى على الباب الفلاني (الذي دخل منه حضرة الرسول بموكبه المار ذكره آنفا) فاستعنت بعمال فلم يقدروا قالوا إن البناء نزل عليه، فتركناه، فلما أصبحنا رأيت الحجر الذي في زاوية الباب مثقوبا وبه أثر ربط دابة، ولم أجد فيه ما يمنعه من الانغلاق، فعلمت أنه لأجل ما علمته قديما أن نبيا يصعد من بيت المقدس إلى السماء، فقلت لأصحابي هذا ربط البراق بحجر الباب هو الذي منع من الانغلاق، أي بسبب وجود الحبل الذي لم نره لأنه من خوارق العادة، وإلا لرأينا البراق إن لم نر الحبل، وقد تركت هذه آية حسيئة ليطلع عليها، وإلا فإن جبريل لا يمنعه انغلاق الباب ولا غيره اه من روح البيان.
الثلاثون: ورأى صلّى الله عليه وسلم الحور العين باستقباله أيضا، فسلم عليهن فرددن عليه السلام، فقال من أنتن؟ قلن خيرات حسان قوم أبرار نقوا فلم يدنّسوا يدرّنوا، وأقاموا فلم يضعفوا، وخلدوا فلم يموتوا. ثم دخل المسجد ونزلت الملائكة الذين كانوا في استقباله إلى الأرض. الحادية والثلاثون: أحيا الله له آدم فمن دونه من الأنبياء من سمى ومن لم يسم (فى كتابه) فرآهم في صورة مثالية كهيئاتهم الجسدانية، إلا عيسى وإدريس والخضر والياس فإنه رآهم بأجسادهم الحقيقية الدنيوية، لأنهم من زمرة الأحياء، فسلموا عليه جميعهم وهنأوه بما أعطاه الله من الكرامة، وقالوا الحمد لله الذي جعلك خاتم الأنبياء فنعم النبي والأخ أنت، وأمتك خير الأمم. تنبيه: إن الخضر صاحب موسى عليه السلام لم تجمع الكلمة على نبوّته كعزير ولقمان وذي القرنين، ومجيئه هنا مع الأنبياء كون الكلمة مجمعة على حياته. الثانية والثلاثون: قال جبريل إلى محمد صلّى الله عليه وسلم تقدم فصل بإخوانك الأنبياء فصلى بهم ركعتين، وكان خلفه إبراهيم وعن يمينه إسماعيل، وعن يساره إسحق عليهم السلام، قيل كانوا سبعة صفوف ثلاثة من المرسلين وأربعة من الأنبياء، قال في منية المصلى إمامته صلّى الله عليه وسلم ليلة الإسراء لأرواح الأنبياء كانت في النافلة المطلقة التي تكون فيها الصلاة جماعة، كالتراويح وشبهها وهذا هو الحكم الشرعي: فقد جاء في مجمع البيان عن مقاتل أن قوله تعالى في الآية ٤٥

صفحة رقم 419

من الزخرف في ج ٢ (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) إلخ، نزلت في هذه الليلة كما سيأتي في تفسيرها إن شاء الله. الثالثة والثلاثون: قال صلّى الله عليه وسلم ثم أخذني العطش فأتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر، فأخذت اللبن بتوفيق الله فشربت منه، فقال جبريل أصبت الفطرة، أما انك لو شربت الخمر لغوت أمتك كلها، ولو شربت اللبن كله لما ضل أحد من أمتك بعدك، فقلت يا جبريل ردّ إناء اللبن علي حتى أشربه كله، فقال قضي الأمر وتلا عليه (لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا) الآية ٤٢ من الأنفال في ج ٣، وهذا من شدة حرصه صلّى الله عليه وسلم على صلاح أمته ولكن ما لم يرده الله لا يكون، وإلا كما وفقه للبن الذي مادته ملائمة للعلم والحكمة، لوفقه إلى شربه كله. الرابعة والثلاثون: ثم قال جبريل قم يا محمد، فقمت فإذا بسلّم من ذهب قوائمه من فضة مرصع باللؤلؤ والياقوت، يتلألأ نوره، وإذا أسفله على صخرة بيت المقدس ورأسه في السماء وهو المعراج الذي تبرج عليه أرواح الأنبياء وسائر بني آدم. ذكرنا في الآية ٨٥ من سورة الواقعة المارة أن المحتضر يشخص بصره إلى السماء فتخرج روحه وهو على هذه الحالة، وذلك لأنه يرى هذا المعراج الذي تصعد عليه روحه، فيعجب من حسنه فيتبعه بصره، حتى إن أكثر الأموات تبقى عيونهم مفتوحة وعليهم بسمة، لأن المؤمن تفتح لروحه أبواب السماء والكافر تردّ روحه إلى سجين، فيزداد حسرة وندامة وكآبة، فيزرق وجهه والعياذ بالله.
مطلب الورد الأحمر والأصفر والمواليد الثلاثة والحركة القسرية:
الخامسة والثلاثون: قال صلّى الله عليه وسلم لما عرج بي إلى السماء بكت الأرض من بعدي فنبت الأصفر (أي الزهر الأصفر) فلما رجعت قطر عرقي على الأرض فنبت الورد الأحمر، ألا من أراد أن يشم رائحتي فليشم الورد الأحمر. رواه أنس مرفوعا قال أبو الفرج النهرواني هذا قليل من كثير مما أكرم الله نبيه، على أن هذا لا يستلزم عدم وجود ورد أصفر وأحمر قبل ذلك، إلا أن هذا من باب الكرامة لحضرته الزكية زيادة على ما كان، ولهذا جرت العادة أن من يشم وردا له رائحة طيبة يصلي على محمد صلّى الله عليه وسلم أخذا من هذا. ونظيره على ما قيل إن حواء عليها السلام لما هبطت إلى الأرض بكت فما وقع من قطرها في البحر صار لؤلؤا، وما وقع

صفحة رقم 420

في الأرض صار زهرا. وهذا أيضا لا يستلزم عدم وجود اللؤلؤ والزهر في البحر والبر قبل ذلك. ومنه أن إبراهيم عليه السلام ذرّى كفا من كافور الجنة فما وقع منه درة في الأرض إلا صارت سبخة، وكان الملح موجودا قبل ذلك أيضا، فلا تستكثر أيها القارئ شيئا على حضرة الرسول الذي أكرمه الله بأنواع الكرامات ولا تستعظم شيئا على خلق الأرض والسموات الذي منح الإنسان عقلا أوصله إلى أن يطير في الهواء، وأن يستخدم الأثير فيسمع به صوت الشرق الغرب والجنوب الشمال بلحظة، وإلى اختراع الأشعة التي تخترق القلوب من حجب الأجسام فيكشف ما فيها، والذرة التي نسمع فيها، وكذلك التلفزيون الذي يريك من تسمع صوته من تلك المسافات، ولا ندري ماذا يحدث بعد مما أشار الله تعالى إليه في الآية ٢٣ من سورة يونس في ج ٢، أبعد هذا الذي أعطاه إلى عباده مؤمنهم وكافرهم يستغرب أن يمنح من خلق الكون لأجله ما قرأته وسمعته؟ كلا ثم كلا. السادسة والثلاثون:
لما صعد السلم ومعه جبريل كان جسده تابعا لروحه، وإلا لتعذر عليه العروج.
واعلم أنّ لصورته صلّى الله عليه وسلم صورة ولمعناه معنى، وكل منهما خلاف ما تتصوره الأوهام، لأن السير الملكوتي لا يقاس على السير الملكي، لكن عالم الملكوت مشتمل على ما هو صورة ومعنى، والصورة هناك تابعة للمعنى كحال صاحب الإسراء، وهنا بحث:
اعلم وفقك الله هذاه وأرشدك لما به النجاة، إن المعدن والنبات والحيوان مركبات تسمى المواليد الثلاثة، آباؤها الأجرام الأثيرية التي هى الأفلاك بما فيها من الأجرام النيرة، وأمهاتها العنصريات الأربع التي هي الأرض والماء والهواء والنار، فالأرض ثقيل على الإطلاق والماء ثقيل بالاضافة للهواء والنار وهو محيط بأكثر الأرض. والهواء خفيف مضاف إلى الثقلين بطلب العلو، وهو محيط بكرة الأرض، والماء والنار خفيف على الإطلاق يحيط بكرة الهواء، وان النبي صلّى الله عليه وسلم جاوز هذه العناصر ليلة المعراج بالحركة القسرية، وهي غير منكرة عندنا وعند المحيلين لهذا الإسراء الجسماني، لأنا نأخذ الحجرة وطبعها النزول فنرمي بها في الهواء فتصعد خلافا لطبعها لأنه يقتضي الحركة عند المركز، فصعودها بالهواء عرض بالرمي وهو الحركة القسرية وبطبعها لأنها على طبيعة تقبل الحركة القسرية ولو لم يكن ذلك في طبعه لما انفعل لها ولا

صفحة رقم 421

قبلها وكذلك اختراقه عليه السلام الفلك الأثيري وهو نار بقوة جعلها الله فيه حال الصعود والهبوط، والجسم الإنساني مهيأ مستعد لقبول الاحتراق والمانع من الاحتراق أمور يسلمها الخصم وهي الحجب التي خلقها الله تعالى في جسم المسري به فلم يكن عنده استعداد الانفعال للحرق كبعض الأجسام المطلية بما يمنعها من الاحتراق بالنار، والأجساد غير القابلة له كالورق غير المنحرق وجلد السندل الذي يعيش بالنار، أو أمر آخر وهو أن الطريق الذي اخترقه ليس النار فيه إلا محمولة في جسم لطيف، ذلك الجسم هو المحرق بالنار فسلب عنه النار وحل على ضدها، كنار إبراهيم عليه السلام الثابتة بالنص الإلهي أنها صارت على إبراهيم بردا وسلاما، راجع الآية ٦٩ من سورة الأنبياء في ج ٢، ومثله نار التنور الذي ألقي فيه موسى الوارد في تفسير الآية ٨ من سورة القصص المارة، فإن من جعلها بردا وسلاما على خليله إبراهيم وكليمه موسى قادر على أن يجعلها على حبيبه محمد كذلك. هذا، وان استحالة البعد الشاسع مرفوعة عنه صلّى الله عليه وسلم، إذ ثبت علميا أن مسافة قطر الأرض كلها ألفان وخمسمائة وأربعون فرسخا ونصف فرسخ، وان مسافة قطر كرة الشمس خمسة أمثال ونصف مثل قطر جرم الأرض، وذلك أربعة عشر ألف فرسخ، وان طرف قطرها المتأخر يصل إلى موضع طرف المتقدم في ثلثي دقيقة، فتقطع الشمس بحركة الفلك الأعظم أربعة عشر ألف فرسخ في ثلثي دقيقة من ساعة مستوية، راجع الآية ٣٤ من سورة الأعراف المارة تعرف المستوية والمعوجة، فالذي يعطي هذه القوة العظيمة للشمس ويسير المراكب التي هي كالجبال في البحر والطائرات كالقلاع في الهواء وكذلك الصواريخ الجسيمة وينقل الصوت من وراء البحار مسافة آلاف من الأميال بقوة النار والكهرباء والبخار مما علمه البشر، أما يمنح تلك القوة حبيبه محمدا صلّى الله عليه وسلم؟ بلى يعطيه ذلك وأكثر وأعظم، ولا يستعظم هذا على الله الذي قبضته الأرض والسموات مطويات بيمينه (راجع الآية ٦٧ من الأنبياء في ج ٢) ألا من لم يؤمن به الداخل في قوله تعالى (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) إلخ الآية ٣٩ من سورة يونس في ج ٢. هذا، وقد ذكر الإمام في الأربعين أن الأجسام متساوية في الذوات والحقائق، وإذا كان كذلك وجب

صفحة رقم 422

أن يصح على كل واحد منها ما يصح على الآخر من الأعراض، لأن قابلية ذلك العرض إن كان من لوازم تلك الماهية، فأينما حصلت الماهية حصل ذلك العرض، فلزم حصول تلك القابلية من إحراق وعدمه، فوجب أن يصحّ على كل منها ما يصح على الآخر، وإن لم يكن من لوازمها كان من عوارضها، فيعود الكلام فيه كما هو من لوازم الماهية، أي أينما وجد العرض وجدت القابلية، فإن سلم فيها وإلا دار الأمر وتسلسل، وذلك محال، فلا بد من القول بالصحة المذكورة، والله تعالى قادر على جميع الممكنات فيقدر على خلق مثل هذه الحركة السريعة في بدن المصطفى صلّى الله عليه وسلم أو في بدن ما يحمله أو فيهما معا، (وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ) الآية ١٩ من سورة إبراهيم في ج ٢. السابعة والثلاثون: قال ثم عرج بي حتى انتهيت إلى بحر أخضر عظيم، أعظم ما يكون من البحار، فقلت ما هذا يا جبريل؟
قال هذا بحر في الهواء لا شيء فوقه يتعلق به، ولا شيء تحته يقرّ عليه، ولا يدري قدر عمقه إلا الله تعالى، ولولا حيلولة هذا البحر لاحترق ما في الدنيا من حر الشمس. وهذا مما ينكره الفلكيون والطبيعيون ومن لا عقيدة له، ونحن نعترف به لأنا نعلم أن القادر على خلق الدود في الثلج والسندل في النار والسمك في الماء والطير في الهواء الذي علم البشر صنع الطائرات والراد والذرة والصواريخ وغيرها كالغواصات وشبهها قادر على ذلك وأكثر، فإن كان ما ورد فيه حقا عن حضرة الرسول وهو لا ينطق عن هوى فقد أصبنا الهدف وقدرنا الله حق قدره، وإلا فلا يضرنا أن نعتقد به لعلمنا بقدرة الله، بخلاف ما لو كذّبناه، وكان له حقيقة، فتكون ممن لم يقدر الله حق قدره. أنظر ما قاله تعالى على لسان مؤمن آل فرعون (وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) الآية ٣٩ من سورة المؤمن في ج ٢، ونحن نخاف إن كذبنا أن يصيبنا وبال تكذيبنا ولهذا فإنا نصدق به لأن تصديق ما لا مضرة له في الدين أحسن من تكذيبه، فالتصديق له ما له والتكذيب فيه ما فيه. الثامنة والثلاثون: قال ثم انتهيت إلى السماء الدنيا واسمها رفيع، فأخذ جبريل بعضدي وضرب بابها وقال افتح.
اعلم أن جبريل لا يحتاج إلى فتح باب السماء لأنه لا يحجبه حاجب، وإنما استفتح

صفحة رقم 423

لأن معه محمدا الإنسان الكامل (وهذا مما يدلّ على أن العروج كان بالروح والجسد، إذ لو كان بالروح فقط لما استفتح بل لدخل جبريل على عادته، ودخلت معه الروح التي هي من أمر الله، وهذا كاف للرد على القائلين به (أما القول الثالث بأنه كان في الرؤيا فغير محتاج للردّ لأنه مردود طبعا)، قال له الحارس من أنت؟
قال جبريل، قال ومن معك؟ (إنما سأله لأن استفتاحه على غير عادته لأن الله أعطاه قوة الاختراق بحيث ينزل من السماء ويصعد إليها بأقل من لحظة) قال محمد، قال أوقد بعث إليه؟ قال نعم، قال الحمد لله، ففتح ودخلنا. قال صلّى الله عليه وسلم:
فلما نظر إليّ قال مرحبا بك يا محمد، ونعم المجيء مجيئك، فقلت يا جبريل من هذا؟ قال ملك اسمه إسماعيل خازن سماء الدنيا، وهو ينتظر قدومك، فدنوت منه وسلمت عليه، فردّ علي السلام وهنأني وقال أبشر، فإن الخير كله فيك وفي أمتك، قال جبريل يا محمد إن هذا الملك لم يهبط إلا عند قبض ملك الموت روحك الشريفة، فرأيت وإذا جنوده قائمون صفوفا لهم زجيل بالتسبيح، يقولون سبوحا سبوحا لرب الملائكة والروح، قدّوسا قدّوسا لرب الأرباب، سبحان العظيم الأعظم، وكانت قراءتهم سورة الملك، فرأيت فيهم كهيئة عثمان بن عفان، فقلت بم بلغت هذا؟ قال بصلاة الليل. التاسعة والثلاثون: قال ثم انتهيت إلى آدم عليه السلام، فإذا هو كهيئته يوم خلقه الله على غاية من الحسن والجمال، وكان تسبيحه سبحان الجليل الأجل، سبحان الواسع الغني، سبحان الله العظيم وبحمده، وإذا تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين، فيقول روح طيبة في جسد طيب، ويقول اجعلوها في عليّين، وتعرض عليه أرواح ذريته الكافرين فيقول روح خبيثة في جسد خبيث، ويقول اجعلوها في سجيّن، وذلك قبل أن تدخل السماء، لأن الله تعالى قال فيهم: (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ) الآية ٣٩ من الأعراف المارة، قال صلّى الله عليه وسلم فنفذت وسلمت عليه، فقال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح. الأربعون: قال صلّى الله عليه وسلم ورأيت رجالا لهم مشافر (شفاه) كمشافر الإبل، وفي أيديهم قطع من نار كالأفهار (الحجارة المستطيلة) التي كل واحدة منها ملء الكف يقذفونها بأفواههم فتخرج من أدبارهم، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال أكلة أموال اليتامى راجع الآية ٩

صفحة رقم 424

من سورة النساء في ج ٣. الحادية والأربعون: قال ثم رأيت رجالا لهم بطون أمثال البيوت، فيها حيات يراها الرائي من خارجها بطريق آل فرعون، يمرون عليهم كالإبل المهيومة حين يعرضون على النار، لا يقدرون أن يتحولوا عنها من مكانهم ذلك، فتطأهم آل فرعون، قلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء أكلة الربا. روى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم في قصة الاسراء قال انطلق بي جبريل إلى رجال كثير كل رجل بطنه مثل البيت الفخم، منضدين على سابلة آل فرعون، وساق الحديث، وتقدم آنفا أن الله تعالى مثل له أكلة الربا في الأرض بغير هذا الوصف كما مر في المعجزة الثانية عشرة، الثانية والأربعون: قال ثم رأيت اخونة عليها لحم طيب ليس عليها أحد، وأخرى عليها لحم نتن عليها أناس يأكلون، قلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال الذين يأكلون الحرام من أموال الناس ويتركون الحلال، وتنطبق هذه على الزناة الممثل لهم في الأرض بغير هذا الوصف كما مر في المعجزة السادسة عشرة، وإنما كرر التمثيل لهذين الجنسين لقبح فعلهم وفظاعته عند الله تعالى. الثالثة والأربعون: قال ثم رأيت نساء معلقات بأثديتهن فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء اللاتي أدخلن على الرجال ما ليس من أولادهن، أي ليس من نطف أزواجهن. الرابعة والأربعون:
قال عليه السلام ثم عرج بي إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل، قيل ومن معك؟
قال محمد، قيل أوقد بعث إليه؟ قال نعم، ففتح لنا، فإذا بابني الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا عليهما السلام، يشبه أحدهما صاحبه بثيابهما وشعرهما وحسنهما وقربهما من السن أيضا لأن يحيى أكبر من عيسى بستة أشهر فقط، وقتل بعد بعثة عيسى، أي رسالته لانه نبىء في المهد ويحيى نبىء وأرسل وهو صغير، راجع الآيتين ١٢ و ٢٠ من سورة مريم المارة. ومعهما نفر من قومها، فرحتبا بي، ودعيا لي بخير. الخامسة والأربعون: قال ثم عرج بي إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل، فقيل من معك؟ قال محمد، لم ينسبه جبريل لخزان السموات ولا لغيرهم من الملائكة لأنهم يعرفونه من يوم حمله وولادته وبعثته (والمراد بقولهم أو بعث إليه أي للعروج إلى ربه لا البعثة إلى الخلق لانها معلومة عندهم أيضا وهم ينتظرون

صفحة رقم 425

عروجه لزيارة ربه والتشرف برؤيته التي خصّه بها دون غيره، وان الملائكة يتباشرون بها ليتمتّعوا برؤيته الشريفة لذلك يقولون) أو قد بعث إليه؟ قال نعم، ففتح لنا فإذا يوسف عليه السلام، وقد أعطي سطر الحسن، ومعه نفر من قومه، فرحب بي ودعا لي بخير. السادسة والأربعون: قال ثم عرج بي إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل قيل من هذا، قال جبريل، قيل ومن معك؟ قال محمد، قيل أوقد بعث إليه؟ قال نعم، ففتح لنا: فإذا بإدريس عليه السلام، فرحب بي ودعا لي بخير، راجع الآية ٥٧ من سورة مريم المارة. السابعة والأربعون: ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل، قيل من هذا؟ قال جبريل، قيل ومن معك؟ قال محمد، قيل أو قد بعث إليه؟ قال نعم، ففتح لنا فإذا بهارون عليه السلام ولحيته إلى سرّته وحوله قوم من بني إسرائيل يقصّ عليهم ما وقع له ولأخيه موسى عليهما السلام مع القبط وبني إسرائيل في حالة الدنيا، فرحب بي ودعا لي بخير.
الثامنة والأربعون: قال ثم عرج بي إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل، قيل من هذا؟ قال جبريل، قيل ومن معك؟ قال محمد، قيل أو قد بعث إليه؟ قال نعم، ففتح لنا فإذا بموسى عليه السلام فرحّب بي، ودعا لي بخير، فلما جاوزته بكى فقيل ما يبكيك؟ قال أبكي لان غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخل من أمتي ومن سائر الأمم (وهذا منه إشفاق على أمته لا حسدا بأمة محمد، وقوله غلام على سبيل التعظيم ولا يجوز أن يتصوّر غير هذا المعنى في كلامه عليه السلام، لأن كمّل الخلق مطهرون من الحسد وغيره، فكيف بالأنبياء ولا سيما أولى العزم.)
التاسعة والأربعون: قال ثم عرج بنا إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، قيل من هذا؟ قال جبريل، قيل ومن معك؟ قال محمد، قيل أو قد بعث إليه؟ قال نعم، ففتح لنا، فإذا بإبراهيم عليه السلام، فسلمت عليه فردّ علي السلام، فقال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح (هذا وان محمدا صلّى الله عليه وسلم قد أمر بالسلام على الأنبياء في الأرض والسماء، مع أنه أفضل منهم، لأنه عابر عليهم، فهو في حكم القائم وهم في حكم القعود، والقاعدة الشرعية أن يسلم القائم على القاعد، وفي هذا دلالة على استحباب لقاء أهل الفضل والصلاح بالبشر والترحيب والكلام اللين الحسن،

صفحة رقم 426

وإن كان الزائر أفضل من المزور، وفيه جواز مدح الإنسان في وجهه إذا أمن عليه من العجب وغيره من أسباب الفتنة، والذين رآهم هم أرواح الأنبياء مشكلة بصورهم التي كانوا عليها في الدنيا عدا عيسى وإدريس والخضر والياس، وقد مر سبب ذلك في المعجزة الثلاثين المارة)، وإذا به رجل أشمط جالس بجهة باب الجنة، مسند ظهره إلى البيت المعمور (استدل من هذا جواز إسناد الظهر إلى الكعبة المشرفة واستقبال الناس بوجهه سواء فيها أو في غيرها من المساجد) ورأى الملائكة يطوفون فيه طواف الناس بالبيت الحرام، ورأى له بابين، فقال في نفسه لو أن قومي لم يكونوا حديثي عهد بالإسلام لهدمت الكعبة وجعلت لها بابين. ولهذا فإن عبد الله بن الزبير لما تغلب على الحجاز هدم الكعبة وبناها وجعل لها بابين تطبيقا لرغبة حضرة الرسول وهو في قبره، وتشبيها بالبيت المعمور الواقع فوق الكعبة، بحيث لو سقط منه حجر لسقط على الكعبة، ولكن الحجّاج عليه ما يستحق من الله هدمها وأعادها على ما كانت عليه بحجة، أن عمل ابن الزبير بدعة، وياء يخشى البدعة ويرتكب الموبقات) قال وان البيت المعمور من عقيق محاذ إلى الكعبة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك من باب ويخرجون من الباب الآخر لا يعودون إليه أبدا.
الخمسون: قال صلّى الله عليه وسلم وإذا أنا بأمتي شطرين شطر عليهم ثياب بيض كأنها القراطيس وشطر عليهم ثياب رمد، قال فدخلت البيت المعمور ودخل معي الذين عليهم الثياب البيض، وحجب الآخرون، فصليت فيه ركعتين، وقال لي إبراهيم أقرئ أمتك منّي السلام وقل لهم يكثروا من به غراس الجنة طيّبة التربة عذبة الماء وغراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الحادية والخمسون: قال صلّى الله عليه وسلم واستقبلتني جارية لعساء أي شفتيها تضرب إلى السواد وهو وصف مستملح فيهن فقلت لها أنت لمن قالت لزيد بن حارثه أي الذي تبناه صلّى الله عليه وسلم وزوجه بنت عمته ثم طلقها وتزوّجها هو فآثره الله بدلها في الجنة كما آثر حضرة الرسول في الدنيا على ماله ونفسه. الثانية والخمسون: قال صلّى الله عليه وسلم ورأيت فوجا من الملائكة نصف أبدانهم من النار والنصف الآخر من الثلج، فلا النار تذيب الثلج، ولا الثلج يطفىء النار، وهم يقولون اللهم كما ألفت بين النار والثلج ألف

صفحة رقم 427

بين قلوب عبادك المؤمنين. الثالثة والخمسون: قال صلّى الله عليه وسلم ثم ذهب بي جبريل إلى سدرة المنتهى وهي شجرة فوق السماء السابعة، في أقصى الجنة تنتهي إليها الملائكة بأعمال أهل الأرض السعداء وإليها تنزل الأحكام الشرعية، والأنوار الرحمانية، وإذا ورقها كآذان الفيلة (أي في الشكل لا في السعة واللون) لأن الواحدة منها تظل الخلق وثمرها كالقلال (جمع قله وهي الحجرة الكبيرة) أو القربة التي تسع ثلاثا وثمانين حقّه، وقد أمّ تحتها رسول الله صلّى الله عليه وسلم الملائكة، فكان إمام الأنبياء في بيت المقدس في الأرض وإمام الملائكة في سدرة المنتهى في السماء، فظهر فضله على أهل السموات وأهل الأرض كلهم، قال صلّى الله عليه وسلم ورأيت يخرج من أعلى السدرة أربعة أنهار: نهر من لبن، ونهر من خمر، ونهر من عسل، ونهر يسمى نهر الرحمة، ورأيت نهر الكوثر أيضا يخرج من أصلها. الرابعة والخمسون: قال صلّى الله عليه وسلم ثم دخلت الجنة فإذا فيها جنابذ أي قباب الدّر وإذا ترابها المسك، ورمانها كالدلاء، وطيرها كالبخت (أي الإبل ذات السنامين) فمشيت حتى انتهيت الى الكوثر، فإذا فيه آنية الذهب والفضة، فشربت منه فإذا هو أحلى من العسل وأشد رائحة من المسك وأبيض من الثلج، وإذا فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر مما أعده الله تعالى لأهل طاعته وقربه. الخامسة والخمسون:
قال صلّى الله عليه وسلم ثم نظرت إلى السدرة وقد غشيها ما غشيها من نور الحضرة الإلهية أي شيء عظيم أظلها فصار لها من الحسن غير تلك الحالة، فما أحد يستطيع أن ينعتها من حسنها ولا يصف ما فيها إلا الذي أبدعها، ورأيت جبريل عند تلك السدرة على الصورة التي خلقه الله عليه له ستمائة جناح، قد سدّ الأفق ما بين المشرق والمغرب يتناثر من أجنحته الدر والياقوت كهيئته حين رآه في الأرض عدا الدر والياقوت الذي يتناثر منه في الجنة. راجع الآية ٢٣ من سورة التكوير المارة وقد تأخر عني فقلت له يا جبريل في مثل هذا المقام يترك الخليل خليله فقال هذا حدّي لو تجاوزت لأحرقت بالنور وتلا (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) الآية ١٦ من سورة الصافات في ج ٢، واعلم أن جبريل عليه السّلام تلا هذه الآية وقبلها تلا آية ٤٢ من الأنفال، قبل أن تنزلا على حضرة الرسول، لأنه نزل بالقرآن كله إلى بيت

صفحة رقم 428

العزّة كما أشرنا إليه في المقدمة، فهو يحفظه كله، ولذلك كان حضرة الرسول يتداول معه تلاوة القرآن ويقرأه عليه في كل سنة فلا يقال من أين علم جبريل هاتين الآيتين ولما تنزل بعد، أما آية الأعراف ٨٤ المارة في المعجزة السابعة عشرة فكانت نازلة مع سورتها، ثم أنه صلّى الله عليه وسلم لما سمع من جبريل ذلك تعطف عليه وقال يا أخي يا جبريل هل من حاجة إلى ربك؟ قال يا محمد سل الله أن أبسط جناحي على الصراط لأمتك حتى يجوزوا عليه إلى الجنة. السادسة والخمسون: قال صلّى الله عليه وسلم ثم زج بي في النور فخرق بي سبعون حجابا ليس فيها حجاب يشبه حجابا وغلظ كل حجاب مسافة خمسمائة عام، وانقطع عن حسن كل ملك، فلحقني عن ذلك استيحاش، فنادى مناد بلغه أبي بكر قف فإن ربك يصلي أي يقول سبحاني سبحاني سبقت رحمتي غضبي.
السابعة والخمسون: قال صلّى الله عليه وسلم وجاءني نداء من العلي الأعلى أدن يا خير البرية، فأدناني ربي، فكنت كما قال، (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) الآية ٨ من سورة والنجم المارة. روي أنه عليه الصلاة والسلام قال عرج بي من السماء الدنيا إلى السابعة على جناح الملائكة، ومن السماء السابعة إلى السدرة على جناح جبريل، ومن السدرة إلى العرش على الرفرف، وهكذا النزول على هذا الترتيب، والرّفرف بساط عظيم (نظير المحفّة عندنا) قال صلّى الله عليه وسلم وناداني جبريل من خلفي يا محمد إن الله يثني عليك، فاسمع وأطع، ولا يهولنّك كلامه أن تعيه فبدأ عليه الصلاة والسلام بالثناء بقوله التحيات لله والصلوات والطيبات لله، فقال تعالى السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فقال عليه الصلاة والسلام: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقال جبريل وهو في مكانه أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وتابعه جميع الملائكة.
مطلب ما بدأ الله تعالى به حضرة الرسول وما قال له والعلوم التي منحه إياها:
الثامنة والخمسون: قال صلّى الله عليه وسلم ثم سألني ربي فلم أستطع أن أجيبه فوضع يده المقدسة بين كتفي بلا تكييف ولا تحديد، فوجدت بردها، فأورثني علم الأولين والآخرين وعلمني علوما شتى، فعلم أخذ عليّ كتمانه إذ علم أنه لا يقدر على حمله غيري، وعلم خيّرني فيه، وعلم أمرني بتبليغه إلى العام والخاص من أمتي.

صفحة رقم 429

يستدل من هذا أن العلوم الشتى هي العلوم الثلاثة المذكورة، كما تدل عليه الفاء الفرعية وهي زائدة على علوم الأولين والآخرين، فالأول وهو الذي أمره بكته من باب الحقيقة الصّرفة، والثاني الذي خيره فيه من باب المعرفة، والثالث الذي أمره تبليغه للعامة والخاصة من باب الشريعة، قال أبو يزيد البسطامي رأيت ربّي في المنام فقلت كيف الطريق إليك، فقال أترك نفسك وتعال. وقال حمزة الفارسي قرأت القرآن على ربي في المنام، فلما قرأت: (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) قال قل وأنت القاهر يا حمزة. التاسعة والخمسون: قال صلّى الله عليه وسلم سمعت كلام الحق كما سمعه موسى، أي من جميع جهاتي وبكل أجزائي بلا كيفية، ورأيته بعين رأسي بلا كيفية، هذا وإن جميع الأنبياء رأوا ربهم حال الانسلاخ الكلي بأعين بصيرتهم، وإن الرسول محمدا رآه بعين رأسه على الصحيح، وقدمنا في الآية ٤٠ من سورة بالنجم والآية ٢٣ من سورة القيامة والآية ١٤٣ من سورة الأعراف المارات ما يتعلق في بحث رؤية الله تعالى فراجعها، وهذه الرؤية الحقيقية جعلت له صلّى الله عليه وسلم في هذا المقام العظيم مرة واحدة ففضل فيها على المرسلين كافة، أما رؤيته حال الانسلاخ بعين بصيرته كغيره من الأنبياء فكثيرة جدا، أما غير الأنبياء من مؤمني البشر فيجوز أن يروه في المنام كأبي يزيد البسطامي وحمزة الفارسي وغيرهما من صالحي هذه الأمة المباركة، ولا ينافي ذلك الحكم الشرعي، بل يوافقه وعليه الإجماع.
قال صلّى الله عليه وسلم ثم فرض عليّ وعلى أمّتي خمسين صلاة في اليوم والليلة، فنزلت إلى إبراهيم فلم يقل شيئا، ثم أتيت موسى فقال لي ما فرض الله على أمتك؟ قلت خمسين صلاة، قال إرجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك لا تطيق ذلك، واني قد خبرت قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، قال عليه السلام فرجعت إلى ربي (أي من الفلك السادس الذي فيه موسى إلى المحل المشرف الذي خاطبه به ربه) فخررت ساجدا فقلت أبا رب خقف عن أمتي، فحط عني خمسا، فرجعت إلى موسى وأخبرته، فقال إن أمتك لا تطيق ذلك إرجع إلى ربك واسأله التخفيف، قال فلم أزل أرجع بين ربي وموسى وهو يحط عني خمسا خمسا حتى قال موسى بم أمرت؟ قلت بخمس صلوات كل يوم وليلة، قال إرجع فاسأله التخفيف، فقلت

صفحة رقم 430

قد راجعت ربي حتى استحييت، ولكن أرضى وأسلم، فلما جاوزت نادى مناد أن قد أمضيت فريضتي وخففت على عبادي، وقال من همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، وإن عملها كتبت له عشرا، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب عليه شيء فإن عملها كتبت سيئة واحدة، قال فجاوزته وهبطت راضيا بما فرض علي وتفضّل وتقدم. هذا الحديث القدسي بلفظه الكامل في الآية ٨٤ من سورة القصص المارة، وهذه الصلوات الخمس لها أجر الخمسين كما جاء في رواية أخرى، وبأخري الحسنة بعشر أمثالها. واعلم أنه يوجد أناس لا خلاق لهم من العلم والفهم ينكرون تردّد حضرة الرسول بين موسى وربه ويتذرعون بما لا قيمة له ولا مستند، مما يقولونه للعوام، إن محمدا أفضل من موسى ولا يمكن بل لا يجوز أن يكون المفضول واسطة للأفضل كي يقنعوهم بعدم صحة هذه الرواية، وهذا من التعصب بمكان، لأن هذا الحديث رواه البخاري عن الثقات العدول، ولا أصح من رواته ولا منه إلا كتاب الله، أما قاعدة الفاضل والمفضول والشبه به فليست على بابها وإطلاقها كما بيناه في الآية ١١٤ من سورة طه المارة، على أن جبريل هو الواسطة بين الله ورسوله، فهل نقول إنه أفضل من محمد، كلا، راجع الآية الأولى المارة وهؤلاء إنما يقولون ما يقولون ليتوصلوا به إلى الطعن في الإمام البخاري من أنه أدخل في صحيحه ما ليس بصحيح، ويقصدون الطعن في صحة المعراج بالروح والجسد كما أشرنا إليه آنفا في المعجزة الخامسة. الستون: قال صلّى الله عليه وسلم رأيت ليلة أسري بي سبعين مدينة تحت العرش كل مدينة مثل دنياكم هذه مملوءة من الملائكة يسبحون الله تعالى ويقدسونه ويقولون اللهم اغفر لمن شهد الجمعة اللهم اغفر لمن اغتسل يوم الجمعة، ورأيت مكتوبا على باب الجنة الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر، فقلت لجبريل عليه السلام (إذ رافقه في النزول من المحل الذي تخلف عنه في الطلوع) ما بال القرض أفضل من الصدقة قال لأن السائل يسأل وعنده شيء والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة. الحادية والستون: قال صلّى الله عليه وسلم ورأيت رضوان خازن الجنة، وقد فرح بي حين رآني ورحب بي وأدخلني الجنة وأراني عجائب ما فيها، ورأيت فيها درجات أصحابي والقصور والأنهار والعيون والأشجار مما أبدعه الواحد

صفحة رقم 431

القهار، وسمعت فيها صوتا يقول آمنا بربّ العالمين، فقلت ما هذا الصوت يا رضوان؟
قال صوت سحرة موسى وأرواحهم حيث أكرمهم الله تعالى كرامة مضاعفة بسبب إيمانهم بموسى وإخزاء فرعون ونبذهم ما خوفهم به لقاء ما أعده الله لهم من النعيم المقيم.
الثانية والستون: قال صلّى الله عليه وسلم وسمعت صوتا آخر يقول لبيك لبيك، فقلت ما هذا الصوت يا رضوان؟ قال صوت أرواح الحجاج، وسمعت أناسا يقولون الله أكبر الله أكبر، فقلت ما هذا الصوت يا رضوان؟ قال صوت أرواح الغزاة، وسمعت أناسا يسبحون الله تعالى، فقلت من هم؟ قال أرواح الأنبياء، ورأيت قصور الصالحين (في أمور دينهم ودنياهم، أما الصالحون لعمارة الأرض فقط فصلاحهم لا يغنيهم عند الله شيئا ولا يدفع عنهم عذابه). الثالثة والستون: قال صلّى الله عليه وسلم ثم عرضت علي النار، قال عرضت لأنها في تخوم الأرض السفلى، إذ لا حاجب يمنع نفوذ بصره صلّى الله عليه وسلم إلى ذلك لما أودع في كل جوارحه من قوة خارقة للعادة لا طلاعه على عظائم الأمور في إسرائه ومعراجه، وهذا من قبيل الاطلاع، كما ضرب الله الأمثال السابقة في إسرائه ما بين مكة والقدس، قال صلّى الله عليه وسلم وإذا مكتوب على بابها (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ) الآية ٤٣ من سورة الحجر في ج ٢، وأبصرت ملكا لم يضحك في وجهي، فقلت يا جبريل من هذا؟ قال هذا مالك خازن جهنم، وكأنه عرف المغزى من سؤاله، فقال هذا لم يضحك منذ خلقه الله، ولو ضحك لأحد لضحك إليك، فقال جبريل يا مالك هذا محمد فسلم عليه، قال فسلّم علي وهنأني بما صرت إليه من الكرامة. الرابعة والستون: قال صلّى الله عليه وسلم ثم إن الله تعالى أطلعني على ما فيها، فإذا فيها غضب الله وسخطه، لو طرحت فيها الحجارة والحديد لأكلتها وأريت فيها قوما يأكلون الجيف، فقلت من هؤلاء؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس أي يغتابونهم، وأريت فيها قوما تنزع ألسنتهم من أقفيتهم، فقلت من هؤلاء قال هؤلاء الذين يحلقون بالله كذبا، وأريت جماعة من النساء علقن من شعورهن، فقلت من هن؟ قال اللاتي لا يستترن من غير محارمهن، ورأيت منهن جماعة لباسهن من القطران، فقلت من هن قال هؤلاء الذين ينحن على الأموات ويعددن صفاتهم. واعلم أن المنوح عليهم والمعدد صفاتهم ليس عليهم شيء إلا إذا أوصوا

صفحة رقم 432

بذلك فيكون عذابهم كعذابهم: الخامسة والستون: قال صلّى الله عليه وسلم ثم نزلنا من السماء الدنيا بالصورة التي صعدنا عليها، فرأيت أسفل منها هرجا ودخانا وأصواتا، فقلت ما هذا يا جبريل؟ قال هذه الشياطين يحومون على أعين بني آدم حتى لا ينظروا الى العلامات ولا يتفكروا في ملكوت السموات، ولولا ذلك لرأوا العجائب مما سواه العظيم وأبدعه في هذا الكون، قال ونزلت على المعراج الى صخرة بيت المقدس التي ركبته منها (يدل هذا الذي أراه الله الى نبيه في الأرض والسماء وما بينهما من الجنة والنار على طريق ضرب المثل أن الجنة والنار مخلوقتان، خلافا لمن زعم عدم خلقهما ممن خالف الإجماع.) السادس والستون: قال صلّى الله عليه وسلم ثم جيء لي بالبراق فركبته وتوجهت الى مكة في الصورة التي جئت فيها، حتى وصلت بيت أم هانىء الذي أسري بي منه، فنزلت وذهب جبريل ومن معه. وتمت هذه الرحلة المباركة على الوجه المار ذكره فقعدت حزينا، لأني اعرف أن الناس لا يصدقونني، ثم سألتني أم هانىء عن غيبتي، فقصصت عليها ذلك كلمه، فقالت يا ابن عم أنشدك الله لا تحدث بهذا قريشا فتكذبك، ومسكتني من ردائي لئلا أخرج من البيت، فانتزعته منها وخرجت حتى انتهيت إلى قريش بالحطيم، فقال أبو جهل هل من خبر؟ استهزاء، قلت نعم، قال ما هو؟
قلت أسري بي الليلة إلى البيت المقدس (فلم ينكر عليه مخافة أن لا يحدث بذلك) وقال لي أتحدث قومك بهذا إذا آتيتك بهم؟ وذلك لأنه استعظم ما سمعه منه وعرف أن أحدا لا يصدقه بذلك، قلت نعم، قال فسكت مخافة أن أجحده، قاتله الله كيف وهو الصادق المصدوق، فذهب عليه اللعنة الى مجمع الناس وصاح بأعلى صوته يا معشر كعب بن لؤي، فانقضت إليه المجالس من كل جهة، حتى اجتمعوا فجاء بهم إليّ، وقال حدثتهم بما حدثتني به، فقص عليهم إسراءه، فقال أبو جهل صف لنا الأنبياء الذين صليت بهم في بيت المقدس، فوصف صلّى الله عليه وسلم لهم الأنبياء واحدا واحدا، وهذه المعجزة السابعة والستون إذ جعل الله تعالى صورهم أمامه نصب عينه كما رآهم هناك حتى صار ينظر إليهم ويصفهم واحدا واحدا، لم يخطىء بواحد منهم، قال فضجوا إعجابا بما ذكر وإنكارا وحلفوا بلاتهم أن لا يصدقوه، وقالوا إنا نضرب آباط الإبل شهرين ذهابا وإيابا من مكة الى البيت المقدس، فكيف تقطع هذه ت (٢٨)

صفحة رقم 433

المسافة بجزء من الليل، وذلك لجهلهم بقدرة الله وكرامة هذا النبي عنده، وارتد أناس ممن كان آمن به لقلة إيمانه، لأن ما سمعوه منه لم تقبله عقولهم القاصرة، وهذا سبب خوف أم هانىء رضي الله عنها وإصرارها على حضرة الرسول أن لا يحدث قريشا يقصته، ولكنه صلّى الله عليه وسلم لا تأخذه بالحق لومة لائم. ثم أن قريشا أخبرت أبا بكر بذلك ليستعظمه ويعذر المرتدين فقال لهم إن كان قال هذا فلقد صدق (انظروا أيها الناس هذا الإيمان العظيم إذ صدقه على أخبار أعدائه قبل ان يسمع منه) قالوا أتصدقه يا أبا بكر على طريق الاستفهام الإنكاري استعظاما لما قاله لهم؟ قال أصدقه على أبعد من ذلك أصدقه على خبر السماء في غدوة كل يوم وروحة، لأنه أمين الله، فسمي الصديق مبالغة من كثرة صدقه وتصديقه لحضرة الرسول، وشرف بهذا اللقب الجليل من ذلك اليوم، وهي منقبة وكرامة له ومعجزة لحبيبه صلّى الله عليه وسلم لأن هذه التسمية من قبل الله تعالى وهي المعجزة الثامنة والستون. ثم إن قريشا؟؟؟ على محمد صلّى الله عليه وسلم وطلبت منه دليلا آخر على إسرائه غير وصف الأنبياء، فقالوا صف لنا بيت المقدس، أرادوا بذلك أن يأثروا عليه كذبا إذا أخطأ في وصفه لأنهم يعلمون أنه لم يره قط، وفيهم من يعرفه لزيارته له، فشرع صلّى الله عليه وسلم يقصه لهم أولا بأول وهم يقولون صدقت صدقت حتى توقف في بقية أوصافه، فلحقته كربة لم ير مثلها في حياته، فأغاثه ربه وجلّى له بيت المقدس (وذلك بأن كشف له الحجاب فيما بينه وبينه حتى رآه وهو في مكانه، أو أن الله تعالى أعدمه هناك وأوجده أمامه في تلك اللحظة يؤيد هذا ما روى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي واحمد عن جابر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لما كذبتني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس قمت في الحجر فجلى الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا انظر إليه وقال صلّى الله عليه وسلم ثم أعاده لمكانه كما أوضحناه في أمر عرش بلقيس في الآية ٣٩ من سورة النمل المارة فراجعها وراجع الآية ٨٥ من سورة ق المارة، بحيث لا يحس به أحد غيره ولا شيء على الله بمحال فسرّ صلّى الله عليه وسلم سرورا لم يره في حياته بسبب نظر الله إليه عند ضيقه هذا وصار ينظر إليه ويصفه لهم حتى جاء على جميعه، فقالوا أصبت ولكن يحتمل أنك حفظت أوصافه من الناس. التاسعة والستون ثم قالوا له ائتنا بآية ثالثة على ذلك

صفحة رقم 434

محسوسة غير قابلة للتأويل، فقال لهم اني مررت حين ذهابي بعير لبني فلان بوادي كذا في الروحاء (محل قريب من المدينة) ورأيتهم قد ضلوا بعيرا لهم فانتهيت الى رحالهم وإذا قدح فيه ماء فشربت منه فاسألوهم عن ذلك (هذا وان شرب الماء بغير اذن مباح عندهم ولم يزل كذلك ولذلك شرب دون استيذان.
مطلب انكار قريش وامتحانهم للرسول وحبس الشمس:
فقالوا إن لنا عيرا آتية من بيت المقدس فاخبرنا عنها نصدقك فقال إني مررت بعيركم في التنعيم (محل قريب من مكة) فقالوا صفه لنا فوصفه لهم وبين عدد جمالهم وقال إنها تطلع عليكم مع طلوع الشمس أي في اليوم التالي يتقدمها جمل أورق (هو الأبيض المائل للسواد) عليه غرارتان إحداهما سوداء والأخرى برقاء أي (فيها بياض وسواد).
فهذه آيتان محسوستان لكم بدلا من الواحدة إن كنتم تؤمنون. قالوا له ننظر، فذهبوا حتى إذا أدبر الليل ابتدروا وتسابقوا الى الثنية يتراءون العير فلما قرب طلوع الشمس قال قائلهم هذه والله الشمس قد طلعت ولم تر العير فأين قول محمد صلّى الله عليه وسلم، فلم يقض قوله إلا وقد قال الآخر هذه والله العير قد أقبلت وقد صدق محمد صلّى الله عليه وسلم وها هي يتقدمها جمل أورق وعليه الغرارتان كما ذكر محمد صلّى الله عليه وسلم. قيل في هذه الحادثة إن الشمس تأخرت عن زمن طلوعها مدة حتى أقبلت العير ورأوها ثم طلعت وهذه تمام السبعين معجزة في هذه المرحلة المباركة وهذا آخر ما اطلعنا عليه في هذه الحادثة الجليلة من المعجزات وقد تبلغ الى التسعين إذا عدت منفردة لأنا جمعنا ما رأى في الجنة وما رأى في النار باعتبار كل منها معجزة وهي معجزات كثيرة ومعجزاته صلّى الله عليه وسلم لا تعد ولا تحصى ولا يستبعدها إلا الأحمق الجاهل يقدر حضرة الرسول ومكانته صلّى الله عليه وسلم عند الله. واعلم أن الشمس حبست لسيدنا داود ولسليمان ويوشع وموسى ولا يقال إن حبسها مشكل لأنه يختلف فيه سير الأفلاك ويفسد فيه نظام جريانها لأن هذا من المعجزات وهي من الأمور الخارقة للعادة ولا مجال للقياس في خرق العادة وقد وقع له صلّى الله عليه وسلم رجوع الشمس بعد غروبها في خيبر فقد جاء عن اسماء بنت عميس قالت كان عليه الصلاة والسلام يوحى إليه ورأسه الشريف في حجر علي كرم الله وجهه ولم يسر عنه حتى غربت الشمس ولم يصل العصر علي فقال صلّى الله عليه وسلم أصليت العصر يا علي

صفحة رقم 435

قال لا فقال صلّى الله عليه وسلم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس، قالت أسماء فرأيتها طلعت بعد ما غربت حتى صلّى علي كرم الله وجهه العصر ثم غربت ثانيا، ووقع له هذا أيضا أيام حفر الخندق وهذا من أعلام النبوة فاعتقد أيها القارئ وافهم لك حكمة الباري واحفظ ما لنبيّه عنده من الكرامة وتيقن قبل أن تحيق الندامة راجع الآية ٣٣ من سورة ص وأول سورة القمر ففيها ما يشفي الغليل ويثلج الصدر هذا ولما تجلى لقريش ذلك كله تاب المرتدون ورجعوا إلى الإيمان وأصر المشركون على إنكارهم. وقالوا سحرنا محمد وتواطئوا على هذه الكلمة قاتلهم الله وأخزاهم وقد استغرقت رحلته عليه السلام أربع ساعات زمانية وهي وما رآه في رحلته هذه من المعجزات المارة الذكر قد خصّه الله بها إذ ليس بطوق البشر الحصول على جزء منها واعلم أرشدك الله ومكّن إيمانك ان الله تعالى جلت قدرته قد يطيل الزمن القصير كما يطوي الزمن الطويل والمسافة البعيدة لمن يشاء وهو أهون عليه وله المثل الأعلى. وبهذه المناسبة نذكر ما وقع لبعض الأفاضل في بغداد وكان يعظ الناس بعد العصر فجاءت سحابة فغطت الشمس فظنوا أنها غابت وأرادوا الانصراف فأشار إليهم ان لا ينصرفوا ثم انحرف لجهة العرب وقال:

لا تغربي يا شمس حتى ينتهي مدحي لآل المصطفى ولنجله
إن كان له ولى وقوفك فليكن هذا الوقوف لولده ولنسله
فلم ينته إلا والشمس قد طلعت، فرمى عليه من الذهب ما أثقله حمله، وهي اتفاقية لا معجزة ولا كرامة.
مطلب في دوران الشمس والأرض والدّم وحكاية اتفاقية وان الاسراء اسراءان وغيره:
واعلم أن الفلكيين قالوا إن ما بين طرفي قرص الشمس ضعف ما بين طرفي كرة الأرض مائة ونيفا وستين مرة، ثم إن طرفها الأسفل يصل موضع طرفها الأعلى بتحوير الأرض عنه في أقل من ثانية، والثانية جزء من ستين جزءا من الدقيقة، والدقيقة جزء من ستين جزءا من الساعة والساعة خمس عشرة درجة فلكية، لأن كل درجة أربع دقائق، فإذا كانت هذه السرعة ممكنة في الجمادات فكيف لا تكون ممكنة في أشرف المخلوقات؟ على أن القلب يسير بصاحبه من

صفحة رقم 436

الشرق الى الغرب بل في جميع أنحاء العالم بلحظة واحدة بسبب لطافته ويدور الدم في الوجود كله ويرجع لمركزه بالدقيقة الواحدة ما يزيد على سبعين مرة والقوة الكهربائية تصل من الشرق إلى المغرب بلحظة، وإذا كان كذلك وهو كذلك أفلا يجوز أن يوجد الله تعالى تلك اللطافة والقوة بوجود المصطفى بقدرته البالغة؟ بلى، وهو على كل شيء قدير، وقدمنا آنفا في مبادئ هذه السورة ما يتعلق بهذا الإسراء وكونه يقظة، وفنّدنا ما يضاد هذه الأقوال بعد بيان المعجزة الخامسة أما ما جاء في حديث شريك من أن الاسراء وقع قبل الوحي رؤية فهو خطأ، وقد انتقد هذا الحديث الذي أخرجه البخاري جماعة من أهل العلم، وعلى فرض صحته يكون إسراءان واحد في المنام وقع له صلّى الله عليه وسلم توطئة وتيسرا لما تضعف عنه القوى البشرية من الأمور التي وقعت في الثاني، وإليه الاشارة بقوله تعالى (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا) إلخ الآية ٦ الآتية من هذه السورة، وواحد في اليقظة بروحه وجسده وهو ما عليه الجمهور، قال في الكشف هذا هو الحق وبه يحصل الجمع بين الأحاديث والأخبار، وقدمنا في الآية ١٨ من سورة الجنّ ما له علاقة في هذا البحث فراجعه، وقدمنا في الآية (٩) فما بعدها من سورة والنجم قول الزهري بأنه سنة خمس أي سنة نزولها وبينا أن هناك أقوالا بأكثر وأقل أعرضنا عنها لعدم التثبت من صحتها، وقد ذكرنا أيضا هناك الاشكال الذي حصل لنا بفرضية الصلاة، لأن الفقهاء أجمعوا على أنها فرضت سنة عشر ليلة الإسراء، وسورة النجم نزلت سنة خمس.
واعلم أن ما ذكره النووي في الروضة من أنه وقع في السنة الحادية عشرة أي بعد البعثة بعشر سنين وثلاثة أشهر فيه تسامح، لأنه اعتبر مبدأ التاريخ من شهر الولادة في ١٢ ربيع الأول سنة ١ منها والبعثة وقعت سنة ٤١ من ولادته في ٢٧ رمضان والاسراء وقع في رجب سنة ٥١ قولا واحدا، فيكون على قول النووي عشر سنين وعشرة أشهر بتداخل السنتين المذكورتين وحساب طرفيهما، والحق أنه بعد البعثة بتسع سنين وعشرة أشهر لا عشرة أيام، لأن الكلمة مجمعة على أن الصلاة فرضت في السنة العاشرة كما أن الكلمة مجمعة على أنها فرضت ليلة الإسراء، فيكون

صفحة رقم 437

إذا صح ما قاله الزهري ان الله تعالى أخبر عن الإسراء الأول الذي وقع عند نزول سورة النجم. بنزول سورة الاسراء هذه، كما أن الهجرة الشريفة وقعت في السنة الثالثة عشرة من البعثة عند نزول سورة العنكبوت، وقد أخبر الله عنها في سورة التوبة التي هي آخر ما نزل في المدينة، وكما أن فتح مكة رآه حضرة الرسول عام الحديبية سنة ست من الهجرة، وحققه الله فعلا سنة ثمان منها، وقضايا أخرى كثيرة كحادثة الندوة وغيرها، فعلى هذا يكون سبب عدم التحدث بها كون عبادته إذ ذاك كانت خفية لقلة المسلمين وضعفهم، أو من قبيل ما تأخر حكمه عن نزوله، راجع تفسير سورة الكوثر المارة وما ترشدك اليه فيما تأخر حكمه عن نزوله وبالعكس، هذا والله أعلم وقد ذكرت غير مرة أنه لم يحصل لي إشكال ولله الحمد حتى الآن إلا في قضية فرضية الصلاة هل هي عند نزول سورة والنجم أو هذه السورة، وهل الإسراء وقع هناك أو هنا، ولهذا لم آل جهدا يتقبّل أقوال العلماء فيها، والسؤال أيضا من العلماء الموجودين والله ولي التوفيق. أما الأقوال الواقعة في يوم الإسراء فهي كثيرة أيضا ولا طائل تحتها لذلك قد صرفت النظر عن سردها اكتفاء بالأقوال المجمعة على أنه يوم السابع والعشرين من شهر رجب سنة ٥١ لبلوغها حد التواتر ثم نزل جبريل عليه السلام على حضرة الرسول ليعلمه أوقات الصلاة وكيفيتها وعدد ركعاتها وأول صلاة صلاها بحضرة الرسول صلاة الظهر وأمه جبريل بها كلها يومين يوم بأول أوقات الصلاة ويوم بآخرها مستقبلا صخرة بيت المقدس وقال له الوقت ما بين هذين الوقتين والصلاة في هذه الأوقات وعلى هذه الصيغة والصفة كما هي عليه الآن إلا أنها كانت ركعتين ركعتين فاقرت في السفر وزيدت الرباعيات في الحضر. ثم اعلم أن الصلاة على هذه الصفة من خصائص هذه الأمة ونبيّها، وكانت مفروضة على الأنبياء وأممهم متفرقة، وأول من صلّى الصبح آدم عليه السلام حين أهبط الى الأرض، ورأى ظلمة الليل وابتلاج الفجر بعده، وأول من صلّى الظهر ابراهيم عليه السلام حين فدى الله له ابنه إسماعيل، وأول من صلّى العصر يونس عليه السلام حينما نجاه الله من ظلمات البحر، وأول من صلّى المغرب عيسى عليه السلام حين شرفه الله بالإنجيل وأعطاه

صفحة رقم 438

إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، وأول من صلّى العشاء موسى عليه السلام حين خرج من مدين وضل الطريق فكان هداه فيه، راجع الآية ٣٠ من سورة القصص المارة.
مطلب تعليم الرسول كيفية الصلاة وكونها من خصائص هذه الأمة والحكمة فيها:
لكن صلاتهم ليست على هيئة صلاتنا هذه وعدد ركعاتها، إذ كل منهم أداها على النحو الذي ألهمه الله إياه، والحكمة في كونها خمسا لا يعلمها على الحقيقة إلا الله، وقيل لأن الحواس خمس وتقع المعاصي فيما بينها ليلا ونهارا، وقد أشار صلّى الله عليه وسلم الى هذا المعنى بقوله أرأيتم لو كان على باب أحدكم نهر جار ليغتسل منه منه في اليوم والليلة خمس مرات، أكان ذلك يبقي من درنه شيئا؟ قالوا لا يا رسول الله، قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا. وقد سئل ابن عباس هل تجد الصلوات الخمس بالقرآن، قال نعم إن أوقاتها مبينة في قوله تعالى (فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) الآية ١٨ من سورة الروم من ج ٢، وكذلك من الآية ١٣٠ من سورة طه المارة، وكذلك في الآيتين ٧٧ و ٧٨ الآتيتين من هذه السورة، أما عدد ركعاتها فلم بشر إليه القرآن، وإنما ثبتت بفعل الرسول صلّى الله عليه وسلم وتعليمه وهو لا ينطق عن الهوى، ولا يفعل من نفسه بل بوحي من ربه القائل (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الآية ٧ من سورة الحشر في ج ٣ وقال تعالى (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ) الآية ٧٩ من سورة النساء من ج ٣ أيضا قال تعالى «وآتينا موسى الكتاب» جملة واحدة منسوخا على الواح بخلاف القرآن الذي أنزلناه عليك يا محمد فإنه أنزل بحوتا على قلبك بواسطة الملك وأوعينا كه بلغتك ووقّرناه في صدرك غير منسوخ على شىء لأنك أمي راجع بحث نزول القرآن في المقدمة «وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ» آل يعقوب الملقب بإسرائيل (أي صفوة الله من خلقه) ليهتدوا بهديه وقلنا لهم فيه «أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا» ٢ تتكلون عليه في أموركم يا «ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ» في السفينة وانجيناه من الغرق حين لم يكن له من يتوكل عليه غيرنا «إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً» ٣ لي يحمدني على طعامه وشرابه ولبسه واظلاله كثيرا ولهذا وصفه

صفحة رقم 439

بالشكر «وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ» أعلمناهم في التوراة وقلنا لهم على لسان رسولهم وحيا «لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ» التي بوأناكم إياها من الشام وبيت المقدس وأطرافهما بأنكم ستعملون فيها الشرور والمعاصي والعبث بالناس «مَرَّتَيْنِ» الأولى قتل شعيا وحبس أرميا عليهما السلام حين إنذراهم سخط الله تعالى إن لم يقلعوا ممّا هم عليه، والثانية قتل يحيى والتصدي لقتل عيسى عليهما السلام لما دعواهما إلى الله والدين الحق الذي عبثوا به وغيروا أحكامه، يقول الله تعالى وعزتي وجلالي لتفعلنّ ذلك «وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً» ٤ فتتكبرون على الناس وتظلمونهم وسنسلط عليكم من لا يرحمكم انتقاما لهم «فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما» أي العذاب الموقت المقدر لعقاب المرة الأولى لعدم ارتداعكم عن الإفساد واغتراركم بإمهال الله «بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا» مسخرين فيما نقضيه فيكم على أيديهم قالوا هو بختنصر الذي لم يعرف اسم أبيه، وكان عاملا على العراق لملك الأقاليم (لهراست ابن كى اجنود) وكان ذلك مشتغلا بقتال الترك فوجه بختنصر إلى بني إسرائيل وهذه الإضافة ليست للتشريف لأن الكافر ليس بأهل له ولكن من قبيل قوله تعالى:
(كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً) الآية ١٢٩ من الأنعام في ج ٢، ولأنها جاءت باللام المفيدة للملك والكل مملوكون فلا محل للقول بأنها أي جملة (عبادا لنا) اضافة تشريفية البتة وعلى هذا ما ورد في الحديث القدسي (الظالم سيفي أنتقم به وأنتقم منه) أي أنه آلة للانتقام فيكون المراد من الآية والحديث بيان كون هؤلاء المسلطين مظاهر لأسمائه تعالى المذل المنتقم الجبار ثم وصف هؤلاء العباد بأنهم «أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ» في القتال أصحاب شوكة وبطش في الحرب لا يقاومون لشدة شكيمتهم وكثرة عددهم وعددهم الدال عليه التنوين «فَجاسُوا» أي يجوسون، وجاء بلفظ الماضي لتحقق وقوعه أي أنهم إذا جاءوكم لا يكتفون بقتل للقاتل منكم بل انهم يطوقون المنازل ويتحرون الفارين والمخبّئين لاستقصاء القتل والسلب والأسر، فلا يتركون أحدا من شرهم، ولهذا فإنهم يفتشون «خلال» بين وأواسط وأطراف «الدِّيارِ» الكائنة في بيت المقدس فيقتلون من عثروا عليه فيها من علمائهم وأحبارهم ووجهائهم غير مراعين حرمته ومن بجواره حتى إنهم ليخرّبون البيت نفسه ويحرفون

صفحة رقم 440

التوراة ويسلبون ويأسرون من عثروا عليه «وَكانَ» معروفا في أزلنا اجراء هذا العقاب الذي نوعدهم به في هذه القسوة الصارمة التي لا رحمة فيها ولا شفقة ولا مروءة «وعدا» منا أوحينا به إلى أنبيائهم، وأنذروهم به وخوفوهم غبّه ولم يمتثلوا ولهذا صار «مَفْعُولًا» ٥ واقعا البتة لكونه قضاء مبرما من لدنا لا مردّ له، وكان ذلك كله، وانتهكوا حرماتهم أيضا وسبوا سبعين ألفا منهم، فجعلوهم أرقاء لهم «ثُمَّ» بعد هذا الحادث العظيم الفظيع «رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ» الغلبة والدولة بأن جعلنا لكم السلطة «عَلَيْهِمْ» أي على الذين تسلطوا عليكم وفعلوا ما فعلوا بكم إذ قتل بختنصر واستنقذ المسبيّين من دولته ورجعنا لكم الملك والسطوة في بيت المقدس وحواليه ورجعنا حالتكم إلى أحسن مما كانت عليه قبلا، يدل على هذا قوله تعالى «وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ» زيادة على ما كان عندكم وقويناكم وباركنا فيكم حتى صرتم أكثر عددا وغناء مما كنتم عليه قبل القتل والسبي والنهب «وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً» ٦ جيشا من عدوكم إذ ظهر لنا بعد إيقاع الذل فيكم والصغار عليكم وخلودكم إلى المسكنة وتمادي عدم الرحمة عليكم من عدوكم، أنكم تبتم ورجعتم إلى الطاعة والإيمان وتركتم الإفساد والعصيان وجزمتم على عدم العودة إلى الكفر بنعمنا وذلك كما قيل بعد مائة سنة كما سيأتي بالقصة بعد. واعلموا يا بني إسرائيل أنكم «إِنْ أَحْسَنْتُمْ» في هذه المرة فيما بينكم وبين الله وبين الناس وامتثلتم أوامر الله وأعرضتم عن نواهيه فيما بينكم وبين الله وخلقه من الآن فصاعدا عن إيمان صادق واخلاص وايقان وحسن نية، فتكونوا قد «أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ» لأن فائدة الإحسان تعود عليكم ونفعه خاص بكم «وَإِنْ أَسَأْتُمْ» فيما بينكم وبين الله وبين خلقه، وانتهكتم حرماته ورجعتم على الإساءة الأولى واستمررتم عليها «فَلَها» فلأنفسكم تكون العاقبة السيئة خاصة، جزاء لإساءتكم المكررة ونقضكم عهد الله ورجوعكم إلى ما تبتم عنه، فعليكم من الآن أن تنتبهوا يا بني إسرائيل «فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ» أي عقابها المترتب على رجوعكم إلى المنكرات وعودكم إلى الإفساد في البلاد والعباد، بعد هذه النعمة التي مننّا بها عليكم، فاعلموا أن ما ينزل بكم أشد وأفظع وأكبر من العقاب الأول بدلالة قوله جل قوله وعزتي وجلالي

صفحة رقم 441

«لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ» بأن يوقعوا فيكم أفعالا عنيفة فظيعة تخزيكم خزيا يظهر أثر كآبته على وجوهكم بأكثر مما فعلوه بكم في المرة الأولى من الخزي والعار والهوان والذل والصغار «وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ» عنوة فينتهكوا حرمته ويهدموه ويحرقوا ما فيه من الكتب والآثار ويقتلون من يحتمي به ومن في جواره من علماء وأحبار وربانيين وغيرهم «كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ» إذ فعلوا به وبكم ذلك ولم يرعوا له حرمة ولا لكم رحمة «وَلِيُتَبِّرُوا» يهلكوا ويمزقوا ويفتتوا «ما عَلَوْا» عليه من نفس ومال وبناء «تَتْبِيراً» ٧ لم تتصوره عقولكم والتتبير في اللغة التهديم، قال الشاعر:

وما الناس إلا عاملان فعامل يتبّر ما يبني وآخر رافع
أي أنهم يهدمون البناء والبنية من كل ما غلبوا عليه. قال سعيد بن جبير التتبير كلمة نبطية بمعنى الهلاك، أي يهلكون كل ما استولوا عليه أو وصلت إليه أيديهم دون رأفة، ولكن بني إسرائيل أنستهم نعم الله الشكر فعادوا إلى ما نهوا عنه فسلط الله عليهم الفرس والروم فقتلوهم شر قتله وسبوهم أشنع سبي ونهبوهم أفظع نهب.
مطلب واقعتا بني إسرائيل وتبدل الأحكام بتبدل الأزمان:
وخلاصة القصتين على ما ذكره الأخباريون من القصاص أن بني إسرائيل كانوا قبل داود عليه السلام، إذا ملك الله عليهم ملكا بعث معه نبيا يسدد أمره ويرشده، فلا يستبد بشيء دون مشورته، وكانوا تابعين لأحكام التوراة، إذ لم ينزل الله لهم كتابا بعدها إلى زمن عيسى عليه السلام، إذ أنزل عليه الإنجيل بتعديل بعض أحكامها فيما يختص بالمعاملات وفروع بعض العبادات أما ما يتعلق بأصول الدين الثلاثة الاعتراف بالإله الواحد والنبوة والرسالة والبعث والحساب، فمكلف بها جميع الخلق من نشأتهم إلى إبادتهم، لأنها لا تقبل التعديل ولا التأويل البتة، أما القاعدة الشرعية وهي تبدل الأحكام بتبدل الأزمان فهي خاصة بالمعاملات بين الناس فقط، أما ما يتعلق بالعبادات وفروعها فلا تبديل ولا تغير، على أنه قد يقع بعض تغير في فروع العبادات من حيث القلة والكثرة في العود والأوقات ونوع التوبة والعفو والقصاص ومقدار الزكاة ولزوم الحج والرخص والعزائم وشبهها كما سيأتي في الآية

صفحة رقم 442

٣٧ فما بعدها من سورة الشورى في ج ٢، قالوا لمّا صار الملك إلى رجل منهم يدعى صديقه بعث الله معه أشعيا عليه السلام نبيا وكان من جملة ما بشر به هذا النبي قومه (قوله أبشري أورشليم) يريد أرض سليمان لأن أور بمعنى أرض، وشليم بمعنى سليمان، إذ لا يوجد حرف السين بالعبراني، ولذلك يسمون موسى موشي وهي أراضي فلسطين المعروفة، الآن يأتيك راكب الحمار (يعني عيسى عليه السلام) ومن بعده صاحب البعير (يعني محمدا صلّى الله عليه وسلم) قالوا وكانوا على أرغد عيش وأحسن حال ثم بعد زمان طويل كثرت فيهم الأحداث فغيروا وبدّلوا وطغوا وبغوا وكان ملكهم تمرض فجاءه النبي وقال له، إن سنجاريب ملك بابل ومعه ستمائة الف راية قد نزل بك وقد هابه جميع الناس خوفا منه، فقال يا نبي الله هل جاءك وحي من الله بشأني؟ فقال أوحى الله لي أن توصي وتستخلف من تشاء على ملكك، فإنك ميّت، فأقبل الملك على ربّه وصلى ودعا وتضرع وبكى بقلب مخلص قالوا فاستجاب الله دعائه وأوحى إلى نبيه بأنه أخر أجله خمس عشرة سنة، وان يجعل ماء التين على قرحته فيشفى، فأخبره النبي ففعل ما قاله له وشفي، ثم قال للنبي اسأل ربك أن يجعل لنا علما بما هو صانع في عدونا، فأوحى الله إلى النبي أن يقول للملك إن الله تعالى بسبب إخلاصه كفاه شر عدوه، وانهم سيصبحون غدا كلهم موتى إلا سنجاريب وخمسة من كتابه أحدهم بختنصر، فأخبر الملك بذلك وإذا بالصباح صوت الصارخ يصرخ على باب المدينة يا ملك بني إسرائيل إن الله قد كفاك عدوك فخرج الملك وبعد أن رأى فعل الله بعدوه أمر بإحضار سنجاريب والخمسة الباقين معه، فأحضروهم إلى قصره، فلما رآهم أذلاء أمامه خرّ لله ساجدا وبقي من الصبح إلى العصر، ثم رفع رأسه فإذا هم لا يزالون وقوفا فقال لسنجاريب كيف رأيت فعل ربنا بكم؟ فقال سنجاريب. أتانا خبره قبل أن نخرج إليكم ولم نطع المرشد، والقانا في الشقاء قلة عقولنا، فقال له الملك، إن الله تعالى لم يبقك وكتبتك إلا لتزدادوا شقاء في الدنيا وعذابا في الآخرة ولتخبروا من وراءكم بما فعله ربنا فيكم، إذ أهلك جيوشكم كلها على غير علم منا ومنكم، فاذهبوا وأنذروا قومكم بذلك لئلا تحدثهم أنفسهم بغزونا ثانية، قالوا نفعل ثم

صفحة رقم 443

أمرهم وأذن لهم بالانصراف، فذهبوا ولما وصلوا بابل أخبروا قومهم بما وقع فيهم فجاء إليهم السحرة والكهان وقالوا قد أخبرناكم بربهم، فلم تقبلوا منا فكان ما كان ثم ان سنجاريب مات واستخلف بختنصر المار ذكره آنفا في الآية الخامسة، وما قيل أنه كان حفيد سنجاريب لم يتثبت من صحته، فقام بأمر قومه بعده، وقضى فيهم بقضائه، ثم بلغه أن مات ملك إسرائيل وأنهم تنافسوا على الملك وقتل بعضهم بعضا، ولم يصغوا إلى نبيهم ولم يسمعوا له قولا وأنهم لما شدّد عليهم بالوعظ والزجر والتهديد والتخويف عدوا عليه ليقتلوه فهرب منهم فانفلقت له شجرة ودخل فيها فوضعوا المنشار على تلك الشجرة ونشروها حتى قطعوه في وسطها نصفين، وإن الملك كان استخلف عليهم ناشئة بن أحوص، ثم بعث الله لهم نبيّا ليسدّد أمرهم اسمه أرميا بن خليقائي من سبط هارون بن عمران.
مطلب الواقعة الأولى على بني إسرائيل:
ثم عظمت فيهم الأحداث وأكثروا الفساد فأوحى الله الى نبيهم أن يبلغهم سوء عاقبتهم ويذكرهم بأحوال الأمم السابقة المهلكة، وأسباب إهلاكهم وإنجاء المؤمنين منهم، وبين لهم ثواب الطاعة وعقاب المعصية، وان ينذرهم بأن الله تعالى أقسم بعزته وجلاله أنهم إن لم ينتهوا عما هم عليه ويتوبوا الى الله ليقيضن لهم فتنة يتحير فيها الحليم، وليسلطن عليهم جبارا قاسيا يلبسه الهيبة وينزع من صدره الرحمة، يتبعه عدد مثل سواد الليل، فأبلغهم ذلك نبيهم فلم يلتفتوا إليه ولم يصغوا لقوله، فأوحى الله إلى نبيهم أرميا عليه السلام أبلغهم إني مهلكهم بيافث من أهل بابل، فقبضوا على نبيّهم وحبسوه بدل أن يسمعوا له ويطيعوه، فسلط الله عليهم بختنصر وأوقع في قلبه غزوهم، فخرج إليهم في ستمائة ألف راية من جنوده ووطئ بلادهم ودخل بيت المقدس، وقتل بني إسرائيل الذين هم فيه شر قتلة، وأدام القتل فيهم حتى أفناهم وخرّب بيت المقدس وحرق ما فيه من كتب وأمر جنوده فملأوه ترابا، ثم أمرهم أن يجمعوا من بلاد القدس من بقي منهم، فجمعوهم وأحضروهم بين يديه فاختار منهم سبعين ألفا وقسمهم بين ملوكه، وخرج بهم والغنائم التي أخذها منهم وأثاث بيت المقدس، ثم فرق من بقي من بني إسرائيل ثلاث فرق فرقة قتلهم وفرقة

صفحة رقم 444

سباهم وأسكن الثالثة بالشام، وتركهم وذهب لبلاده ظافرا، وهذه هي الواقعة الأولى التي حذر الله بني إسرائيل منها. قالوا ولما وصل بختنصر بمن معه بابل وأقام في سلطانه ما شاء الله أن يقوم، رأى رؤيا عجيبة، وهي أنه رأى شيئا أصابه فأنساه الذي رأى، فدعا دانيال وجنايا وعزاريا وميشائيل من ذراري أنبياء بني إسرائيل الذين هم في جملة السبايا، وسألهم تأويل رؤياه، فقالوا أخبرنا بها نخبرك بتأويلها، فقال لهم ما اذكرها لأني رأيت شيئا أنسانيها وكذلك نسيت الشيء الذي رأيته، فأنسانيها، ولم يبق شيء بفكري أبدا لا من الرؤيا ولا من الذي أنسانيها لشدة هول ما رأيت، ولئن لم تخبروني بتأويلها وبالذي أنسانيها لا نتزعن أكتافكم، فاستمهلوه وخرجوا من عنده فدعوا لله وتضرعوا إليه، فأوحى الله إليهم بها وبالذي أنساها له، فجاؤا إليه فقالوا له رأيت تمثالا قدماه وساقاه من فخار، وركبتاه وفخذاه من نحلس وبطنه من فضة، وصدره من ذهب، ورأسه وعنقه من حديد، قال صدقتم قالوا وبينما أنت تنظر إليه وقد أعجبك أرسل الله صخرة من السماء فدقته، فهي التي أنستك ذلك، قال صدقتم فما تأويلها؟ قالوا إنك رأيت الملوك بعضهم كان ألين من بعض ملكا، وبعضهم كان أشد ملكا، فالفخار أضعفه وفوقه النحاس أشد منه ثم الفضة أحسن منه وأفضل والذهب أحسن من الفضة وأفضل والحديد هو ملكك، فهذا أشد وأعز مما قبله لأنه آلة الحرب وقوام النصر يكون فيه، والصخرة التي رأيت أرسلها الله من السماء فدقته فنبيّ يبعثه الله من السماء فيدق ذلك أجمع ويصير الأمر إليه شئت أم أبيت، قالوا فسكت وأذعن ولم ينبس بشيء لأنه كان حاضرا واقعة سنجاريب المارّة آنفا ووقر في قلبه أن الله تعالى يغتار لأنبيائه وقد صدقهم لأنهم أخبروه بشيء لا يعلمونه، وانهم علموه بإعلام الله إياهم، فتركهم ولم يكلمهم، قالوا ثم ان أهل بابل قالوا لبختنصر أرأيت هؤلاء الغلمان الإسرائيليين، فإنا قد أنكرنا نساءنا منا منذ كانوا معنا حيث انصرفت وجوههن عنا إليهم، فاخرجهم من بين أظهرنا واقتلهم، فقال شأنكم بهم فمن أحب منكم أن يقتل من عنده فليفعل، أما أنا فلا أفعل بهم شيئا فلما قربوهم للقتل بكوا وتضرعوا الى الله عز وجل فوعدهم الله أن يحييهم، قالوا فقتلوهم إلا من كان عند

صفحة رقم 445

بختنصر، ثم لما أراد الله تعالى إهلاك بختنصر انبعث فقال لمن عنده من بني إسرائيل أرأيتم هذا البيت الذي خربته والناس الذين قتلتهم منكم، قالوا البيت لله ومن قتلت أهله كانوا من وزراء الأنبياء، فظلموا وتعدوا حدود الله فسلطك ربك وربهم رب السموات والأرض عليهم بذنوبهم فهلكوا، فلم يعجبه قولهم لأنهم لم يسندوا له شيئا من ذلك ولم يصفوه بصفة أو عزة، فدخل إبليس في أنفه فاستكبر وتجبر وظن أنه فعل ما فعل بقوته وسلطانه، فقال أخبروني كيف أطلع الى السماء فأقتل من فيها وأدخلها في ملكي لأني قد
فرغت من أهل الأرض (ومن هنا، قيل ملك الأرض أربعة كافران بختنصر ونمروذ، ومؤمنان سليمان وذو القرنين). قالوا لن تقدر على هذا، قال لتفعلن أو لاقتلنكم عن آخركم، فبكوا وتضرعوا الى الله تعالى قالوا فبعث الله عز وجل على بختنصر بعوضة دخلت في منخره حتى عضت أم دماغه، فما كان يقر ولا يسكن حتى يوجا له رأسه أي يضرب على فم؟؟؟ دماغه، ولم يزل كذلك حتى مات، فشقوا رأسه فوجدوا البعوضة عاضة على أم دماغه، ليري الله العباد قدرته بأن أهلكه بأضعف خلقه كما أهلك أخاه النمروذ، ونجى الله من بقي من بني إسرائيل وردهم الى الشام، فنموا وكثروا وتحولوا حتى صاروا على حالة أحسن مما كانوا عليها قبل، وزعموا أن الله تعالى أحيا أولئك الذين قتلوا في بابل ولحقوا بهم إلا أنه لم يكن عندهم من الله عهد يرجعون إليه في أموره، لأن التوراة أحرقت وكذلك بقية الصحف مما كان في البيت، وكان عزير من السبايا الذين كانوا ببابل، فلما رجع معهم الى الشام صار يبكي ليله ونهاره وخرج عن الناس، فجاءه رجل فقال له ما يبكيك، قال ابكي على كتاب الله وعهده الذي كان بين أظهرنا لأنه لا يصلح ديننا ودنيانا غيره، قال أن يردهم الله عليك؟ قال نعم قال ارجع الى بيتك فصم وتطهر وطهر ثيابك وموعدك هذا المكان غدا، فرجع الى بيته وفعل ما أمره به ذلك الرجل، ثم عمد ورجع الى المكان الذي وعده به، فجلس فيه فأتاه ذلك الرجل باناء فيه ماء وهو ملك بعثه الله إليه فسقاه فتمثلث التوراة في صدره، فرجع الى قومه فأملى لهم التوراة من صدره وكان منهم من يعرفها فأحبوه حبا شديدا وعملوا بها وصار حالهم على أحسن ما يرام، وهو معنى قوله تعالى (ثُمَّ

صفحة رقم 446

رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ)
الآية المارة، ثم قبض الله روح عزير عليه السلام فطال عليهم الأمر في الراحة والعبادة وانقلب أمرهم الى الفساد وصاروا كلما جاءهم نبي كذبوه وأحدثوا الأحداث العاطلة وطغوا وبغوا وعمدوا الى قتل الأنبياء الذين ينهونهم ويحذرونهم عاقبة أمرهم، وصاروا يقتلون الأنبياء بغير حق، وآخر أنبيائهم زكريا عليه السلام هرب منهم لما أرادوا قتله إلى شجرة هناك، فدخلها فنشروه نصفين فيها كما فعلوا بأشعيا، وتصدوا لقتل عيسى عليه السلام لتحق عليهم كلمة العذاب فوقاه الله منهم ورفعه الى السماء وألقى شبهه على المنافق يهوذا الأسخريوطي الذي دلهم عليه فقتلوه على ظنهم أنه هو عيسى ابن مريم كما سيأتي تفصيله في الآية ٥٤ فما بعدها من سورة آل عمران والآية ١٥٦ فما بعدها من سورة النساء من ج ٣ فاستحقوا عذاب الله وسخطه الذي وعدهم به للمرة الثانية:
مطلب الواقعة الثانية على بني إسرائيل:
فبعث الله عليهم ملك ملوك بابل يقال له خردوش فسار إليهم بملوكه وجيوشه حتى دخل الشام وظهر عليهم فأفناهم قتلا وأسرا ونهبا وأمر قائده أن يديم القتل فيهم في بيت المقدس حتى يسيل الدم في وسط المعسكر، وقال له اني حلفت بإلهي أن أفعل فيهم هكذا إن ظفرت بهم، فدخل القائد واسمه بيور زاذان المدينة، وصار يقتل فيهم فرأى في البقعة التي يقربون فيها القرابين أي يذبحون فيها الصدقات دما يغلي، فسألهم عنه فقالوا هذا دم قربان لنا قربناه فلم يقبل منا فلذلك صار يغلي وانا منذ نمنمئة سنة لقرب القرابين فتقبل منا إلا هذا، فقال ما صدقتموني، فقالوا لو كان أولى زماننا لقبل ولكن انقطع عنا الملك والنبوة والوحي، فلذلك لم يقبل فلم يصدقهم. فذبح على ذلك الدم سبعمئة وسبعين روحا من رؤسائهم، فلم يهدأ الدم فذبح سبعمئة غلام منهم، فلم يهدأ أيضا فذبح سبعة آلاف من شيبهم وأزواجهم فلم يهدأ، فقال لهم ويلكم أصدقوني عن هذا الدم قبل أن أفنيكم فلا أترك منكم أحدا، فلما رأوا الجهد وشدة القتل وتصميمه على ما قال قالوا له هذا دم نبي كان ينهانا عن سخط الله ويأمرنا بالخير ويهددنا ما أوقعتموه فينا الآن فلم نصدقه وقتلناه واسمه يحيى بن زكريا، فقال الآن صدقتم لمثل هذا ينتقم الله منكم، فأمر بإغلاق المدينة وإخراج

صفحة رقم 447

من كان معه من الجيش وخرّ ساجدا لله تعالى، ثم رفع رأسه وخلا في نبي إسرائيل وقال يا يحيى بن زكريا قد علم ربي وربك ما أصاب قومك من أجلك ومن قتل منهم، فاهدا بإذن الله ربك قبل أن أهلكهم جميعا، فإني مكلف من قبل الملك خردوش بإدامة القتل حتى يسيل الدم إلى معسكره، قالوا فهدأ الدم بإذن الله تعالى ورفع بيور زاذان عنهم القتل وقال آمنت بما آمنت به بنو إسرائيل وأيقنت أن لا رب غيره، ثم التفت إلى بني إسرائيل وقال لهم إني لا أستطيع مخالفة الملك من لزوم إسالة الدم إلى معسكره، قالوا افعل ما أمرت به، فأمرهم فحفروا خندقا وأمرهم بذبح البقر والحمير والأنعام فذبحوها وأجرى دمها حتى سال إلى المعسكر، ثم امر بالقتلى فطرحوا فوق تلك الحيوانات حتى إذا كشف الملك لا يظن أنه فعل ما فعل من الحيلة خلافا لأمره فيغضب عليه، فلما رأى خردوش الدم وصل إلى المعسكر بعث إليه أن إرفع عنهم القتل، ثم أخذ جنوده وغنائمه وعاد إلى ملكه، وكاد أن يفني بني إسرائيل عن بكرة أبيهم في هذه الواقعة لولا الحيلة التي فعلها القائد رحمه الله، وهذه الواقعة الأخيرة وهي أعظم من الأولى وقد انتقل الملك إلى الشام ونواحيها وإلى الأردن بسبب خراب القدس وضواحيها في هذه الواقعة وسلب الله منهم ما أنعم به عليهم من أموال وأولاد وملك، وشتتهم في البلاد فلم تقم لهم راية بعد ذلك، إذ تعقبهم طيطوس بن اسبانوش الرومي فخرب ما بقي من بلادهم، وطردهم عنها، ونزع منهم بقية الملك والرئاسة، وضربت عليهم الذلة والمسكنة، وبقوا مشتنين في المدن والقرى وأينما حلوا حل بهم الصغار وفرضت عليهم الجزية، وبقي بيت المقدس خرابا إلى خلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فعمره المسلمون بأمره في خلافته، ثم جدده على ما هو عليه الآن سليمان بن عبد الملك وابنه الوليد.
مطلب قتل يحيى عليه السلام:
قالوا والسبب في قتل يحيى أن ملكهم في زمنه كان يكرمه ويجلس معه ويدنيه منه، وأن الملك هوي بنت أخيه التي أمها زوجته فسأل يحيى أن يتزوجها فنهاه عن نكاحها لأنها لا تحل له، فبلغ أمها ذلك فحقدت على يحيى وعمدت ذات يوم حين جلس الملك على شرابه فألبستها ثيابها وزينتها وطيبتها وأرسلتها إلى الملك وأمرتها

صفحة رقم 448

تسقيه، فإذا راودها عن نفسها أبت عليه حتى يعطيها ما سألته، فإن أعطاها سألت رأس يحيى وأن يؤتى به على طبق، ففعلت فلما راودها قالت له لا أوافقك؟؟؟ تعطيني ما سألت، قال فما تسألين؟ قالت رأس يحيى وأن يؤتى به على طبق، قال سلي غير هذا، قالت لا أريد غيره، فلما أبت عليه وقد لهبت الشهوة في نفسه الخبيثة أجاب طلبها وأمر بذلك، فذهبت شرطنه فأمسكوا به وذبحوه وأتوا به في طست، فوضع بين يديه، فلما رآه تكلم الرأس فقال لا يحلّ لك زواجها، يصغ له لاستيلاء النفس البهيمية على جوارحه فواقعها، ولما أصبح رأى دمه يغلي محل ذبح القرابين، فأمر بإلقاء التراب عليه، وكلما وضع عليه التراب رقى الدم، زال يلقى عليه التراب وهو يغلي حتى سلط الله عليهم ملك بابل وفعل ما فعل.
جاء في الإنجيل ما يقارب هذا، وان الملك اسمه هيدوريا، إلا أنه جاء فيه أن أة ظعينة، راجع الاصحاح ١٤ من إنجيل متى، وكذلك بقية الأناجيل الثلاثة حنا ومرقس ولوقا تؤيد بأنها ظعينة، أما القرآن العظيم فلم يتعرض لهذا البحث.
تعالى «عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ» بعد هذه المرة الثانية إن تبتم وأنبتم؟؟؟ سكتم بكتابكم وأوامر نبيكم، فيردّ عليكم الدولة ويمددكم بأموال وبنين كما فعل «وَإِنْ عُدْتُمْ» يا بني إسرائيل إلى المعاصي كأسلافكم «عُدْنا» إلى تجديد بكم بأكثر من ذي قبل، وقد عادوا قاتلهم الله بعد قتل يحيى والتصدي لقتل؟؟؟ عليهما السلام، فطغوا وبغوا، فسلط عليهم المؤمنين قوم محمد صلّى الله عليه وسلم واقتحموا هم وفتحوها عنوة وأرغموهم على الجلاء منها، وأذلّوهم وأجبروهم على أداء الجزية أن قتلوا منهم ما قتلوا، وشتتوا بالبلاد، وحرمهم الله نعمة الملك والنبوة، ؟؟؟ طع رجاءهم منها، وسيدوم الصغار عليهم إن شاء الله إلى خروج مسيحهم الدجال؟؟؟ كون على يدي جيش عيسى بن مريم عليه السلام. وان ما يتفوهون به من؟؟؟ ور ومساعدة الإنكليز لهم على تنفيذه لا يتيسر لهم إن شاء الله كما يريدون تعاون المسلمون ووحدوا كلمتهم، أما إذا تفرقوا فلا بد أن يسلطه الله عليهم؟؟؟ الجماعة رحمة والفرقة عذاب. ومهما تيقن اليهود تحقيق حلمهم فإنهم سيبقون؟؟؟ ذل من يساعدهم على انجاز ذلك الوعد لا أنجزه الله لهم، ومهما كان فإنه

صفحة رقم 449
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية