
شرح الكلمات:
ويوم نبعث: أي اذكر يوم نبعث.
شهيداً: هو نبيها.
لا يؤذن للذين كفروا: أي بالاعتذار فيعتذرون.
ولا هم يستعتبون: أي لا يطلب منهم العتبى أي الرجوع إلى اعتقاد وقول وعمل ما يرضي الله عنهم.
وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم: أي الذين كانوا يعبدونهم من دون الله كالأصنام والشياطين.
فألقوا إليهم القول: أي ردوا عليهم قائلين لهم إنكم لكاذبون.
وألقوا إلى الله يومئذٍ السلم: أي ذلوا له وخضعوا لحكمه واستسلموا.
وضل عنهم ما كانوا يفترون: من أن آلهتهم تشفع لهم عند الله وتنجيهم من عذابه، ومعنى ضل غاب.
عذاباً فوق العذاب: أنه عقارب وحيات كالنِّخل الطوال والبغال الموكفة.
ونزلنا عليك الكتاب: أي القرآن.
تبياناً لكل شيء: أي لكل ما بالأمة من حاجة إليه في معرفة الحلال والحرام والحق والباطل والثواب والعقاب.
معنى الآيات:
انحصر السياق! لكريم في هذه الآيات الست في تقرير البعث والجزاء مع النبوة فقوله تعالى: ﴿يوم نبعث١﴾ أي اذكر يا رسولنا محمد يوم نبعث ﴿من كل أمة﴾ من الأمم ﴿شهيداً﴾ هو نبيها الذي نبىء فيها وأرسل إليها ﴿ثم لا يؤذن للذين كفروا﴾ أي بالاعتذار فيعتذرون ﴿ولا هم يستعتبون٢﴾ أي لا يطلب منهم العتبى٣ أي الرجوع إلى اعتقاد وقول وعمل يرضي الله عنهم أي اذكر هذا لقومك، علهم يذكرون فيتعظون، فيتوبون، فينجون
٢ أي: لا يكلّفون أن يرضوا ربهم لأنّ الآخرة ليست دار تكليف ولا يمكنون من الرجوع إلى الدنيا فيتوبون.
٣ العتبى: الرضا، والفعل: عتب يعتب عليه إذا وجد عليه في نفسه وأعتبه: إذا أزال الموجدة ورجع إلى مسرّته وفي الحديث: " لك العتبى حتى ترضى" والعتبى: رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضي العاتب وهو المراد في الحديث.

ويسعدون. وقوله في الآية الثانية (٨٥) ﴿وإذا رأى الذين ظلموا العذاب﴾ أي يوم١ القيامة ﴿فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون﴾ أي يمهلون. اذكر هذا أيضاً تذكيراً وتعليماً، واذكر لهم ﴿إذا رأى الذين أشركوا شركاءهم﴾ في عرصات القيامة أو في جهنم صاحوا قائلين ﴿ربنا﴾ أي يا ربنا ﴿هؤلاء٢ شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك﴾ أي نعبدهم بدعائهم والاستغاثة بهم، ﴿فألقوا إليهم القول﴾ فوراً ﴿إنكم لكاذبون﴾. ﴿وألقوا إلى الله يومئذٍ السلم﴾ أي الاستسلام فذلوا لحكمه ﴿وضل عنهم ما كانوا يفترون﴾ في الدنيا من ألوان الكذب والترهات كقولهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وأنهم ينجون من النار بشفاعتهم، وأنهم وسيلتهم إلى الله كل ذلك ضل أي غاب عنهم ولم يعثروا منه على شيء. وقوله تعالى: ﴿الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله﴾ غيرهم بالدعوة إلى الكفر وأسبابه والحمل عليه أحياناً بالترهيب والترغيب ﴿زدناهم عذاباً فوق العذاب﴾ الذي استوجبوه بكفرهم. ورد أن هذه الزيادة من العذاب أنها عقارب كالبغال الدهم، وأنها حيات كالنخل الطوال والعياذ بالله تعالى من النار وما فيها من أنواع العذاب، وقوله تعالى: ﴿ويوم نبعث﴾ أي اذكر يا رسولنا يوم نبعث ﴿في كل أمةٍ شهيداً﴾ أي يوم القيامة ﴿عليهم من أنفسهم٣ وجئنا بك شهيداً على هؤلاء﴾ أي على من أرسلت إليهم من أمتك. فكيف يكون الموقف إذ تشهد على أهل الإيمان بالإيمان وعلى أهل الكفر بالكفر. وعلى أهل التوحيد بالتوحيد، وعلى أهل الشرك بالشرك إنه لموقف صعب تعظم فيه الحسرة وتشتد الندامة.. وقوله تعالى في خطاب رسوله مقرراً نبوته والوحي إليه ﴿ونزلنا عليك الكتاب﴾ أي القرآن ﴿تبياناً٤ لكل شيء﴾ الأمة في حاجة إلى معرفته من الحلال والحرام والأحكام والأدلة ﴿وهدى﴾ من كل ضلال ﴿ورحمة﴾ خاصة بالذين يعملون به ويطبقونه على أنفسهم وحياتهم فيكون
٢ أي: أصنامهم وأوثانهم التي عبدوها، وذلك لأنّ الله تعالى يبعث معبوديهم فيتبعونهم حتى يوردوهم النار، روى مسلم: "من كان يعبد شيئاً فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت.." الحديث، وفي الترمذي: " فيمثل لصاحب الصليب صليبه ولصاحب التصاوير تصاويره ولصاحب النار ناره فيتبعون ما كانوا يعبدون".
٣ الشهداء: هم الأنبياء والعلماء، فالنبي يشهد على أمته والعالم يشهد على من أمره ونهاه ودلّ هذا على أنه لم تخل فترة من وجود داع إلى الله تقوم به الحجة لله تعالى فقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في زيد بن عمرو بن نفيل "يبعث امة وحده". ومثل زيد قس وورقة وسطيح.
٤ التبيان: مصدر دال على المبالغة في المصدرية وأريد به هنا اسم الفاعل أي: المبيِّن لكل شيء.

رحمة عامة بينهم ﴿وبشرى للمسلمين١﴾ أي المنقادين لله في أمره ونهيه بشرى لهم بالأجر العظيم والثواب الجزيل يوم القيامة، وبالنصر والفوز والكرامة في هذه الدار. وبعد إنزالنا عليك هذا الكتاب فلم يبق من عذر لمن يريد أن يعتذر يوم القيامة ولذا ستكون شهادتك على أمتك أعظم شهادة وأكثرها أثراً على نجاة الناجين وهلاك الهالكين ولا يهلك على الله إلا هالك.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير عقيدة البعث الآخر بما لا مزيد عليه لكثرة ألوان العرض لما يجرى في ذلك اليوم.
٢- براءة الشياطين والأصنام الذين أشركهم الناس في عبادة الله من المشركين بهم والتبرؤ منهم وتكذيبهم.
٣- زيادة العذاب لمن دعا إلى الشرك والكفر وحمل الناس على ذلك.
٤- لا عذر لأحد بعد أن أنزل الله تعالى القرآن تبياناً لكل شيء وهدىً ورحمةً وبشرى للمسلمين.
إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠) وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (٩١) وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً

بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٩٢) وَلَوْ شَاء اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٣)
شرح الكلمات:
العدل: الإنصاف ومنه التوحيد.
الإحسان: أداء الفرائض وترك المحارم مع مراقبة الله تعالى.
وإيتاء ذوي القربى: أي إعطاء ذي القربى حقوقهم من الصلة والبر.
عن الفحشاء: الزنا.
يعظكم: أي يأمركم وينهاكم.
تذكرون: أي تتعظون.
توكيدها: أي تغليظها.
نقضت غزلها: أي أفسدت غزلها بعد ما غزلته.
من بعد قوة: أي أحكام له وبرم.
أنكاثاً: جمع نكث وهو ما ينكث ويحل بعد الإبرام.
كالتي نقضت غزلها: هي حمقاء مكة وتدعى رَيْطَة بنت سعد بن تيم القرشية.
دخلاً بينكم: الدخل ما يدخل في الشيء وهو ليس منه للإفساد والخديعة.
أربى من أمة: أي أكثر منها عددا ًوقوة.
معنى الآيات:
قوله تعالى: ﴿إن الله يأمر بالعدل١﴾ أي أن الله يأمر في الكتاب الذي أنزله تبياناً لكل شيء، يأمر بالعدل وهو الإنصاف ومن ذلك أن يعبد الله بذكره وشكره لأنه الخالق المنعم

وتترك عبادة غيره لأن غيره لم يخلّق ولم يرزق ولم ينعم بشيء. ولذا فسر هذا اللفظ بلا إله إلا الله، ﴿والإحسان١﴾ وهو أداء الفرائض واجتناب المحرمات مع مراقبة الله تعالى في ذلك حتى يكون الأداء على الوجه المطلوب إتقاناً وجودة والاجتناب خوفاً من الله حياء منه، وقوله ﴿وإيتاء ذي القربى﴾ أي ذوي القرابات حقوقهم من البر والصلة. هذا مما أمر الله تعالى به في كتابه، ومما ينهى عنه الفحشاء وهو الزنا واللواط وكل قبيح اشتد قبحه وفحش حتى البخل ﴿والمنكر﴾ وهو كل ما أنكر الشرع وانكرته الفطر السليمة والعقول الراجحة السديدة، وينهى عن البغي٢ وهو الظلم والاعتداء ومجاوزة الحد في الأمور كلها، وقوله ﴿لعلكم تذكرون﴾ أي أمر بهذا في كتابه رجاء أن تذكروا فتتعظوا فتمتثلوا الأمر وتجتنوا النهي. وبذلك تكملون وتسعدون. ولذا ورد أن هذه الآية: ﴿أن الله يأمر بالعدل٣ والإحسان٤﴾ إلى ﴿تذكرون﴾ هي أجمع آية في كتاب الله للخير والشر. وهي كذلك فما من خيرٍ إلا وأمرت به ولا من شرٍ إلا ونهت عنه. وقوله تعالى ﴿وأفوا بعهد الله إذا عاهدتم﴾ أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين بالوفاء بالعهود فعلى كل مؤمن بايع إماماً أو عاهد أحداً على شيء أن يفي له بالعهد ولا ينقض. "إذ لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له" كما في الحديث الشريف.. وقوله تعالى ﴿ولا تنقضوا٥ الإيمان بعد توكيدها﴾ الإيمان جمع يمين وهو الحلف بالله وتوكيدها تغليظها بالألفاظ الزائدة ﴿وقد جعلتم الله عليكم كفيلا﴾ أي وكيلا، أي أثناء حلفكم به تعالى، فقد جعلتموه وكيلا، فهذه الآية حرمت نقض الإيمان وهو نكثها وعدم الالتزام بها بالحنث فيها لمصالح مادية٦. وقوله
٢ ورد في البغي: لا ذنب أسرع عقوبة من البغي، واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب، والباغي مصروع وقد وعد الله من بُغي عليه بالنصر في قوله: ﴿ومن عاقب بمثل ما عوقب ثمّ بغى عليه لينصرنه الله﴾.
٣ قال ابن مسعود رضي الله عنه: هذه الآية: أجمع آية في القرآن لخير يمتثل ولشرّ يجتنب.
٤ روي أن جماعة رفعت شكوى بعاملها إلى أبي جعفر المنصور فحاجّها العامل فغلبها حيث لم يثبتوا عليه كبير ظلم ولا جور في شيء، فقام فتى منهم وقال يا أمير المؤمنين: ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان﴾ وإنّه عدل ولم يحسن فعجب أبو جعفر المنصور من إصابته، وعزل العامل.
٥ هذا في الإيمان المؤكد بها الحلف في الجاهلية لقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث مسلم "لا حلف في الإسلام وأيّما حلف كان في الجاهلية فإنه لا يزيده الإسلام إلا شدة وأبطل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحلف في الإسلام، لأن الإسلام جاء بنصرة المظلوم وأخذ الحق له من الظالم كما هو مبين في شريعته.
٦ أمّا إذا حلف العبد يميناً فرأى غيرها خيراً منها فإنه ينقض يمينه ويكفر كفّارة يمين لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلاّ أتيت الذي هو خير وكفّرت عن يميني".

تعالى ﴿إن الله يعلم١ ما تفعلون﴾ فيه وعيد شديد لمن ينقض أيمانه بعد توكيدها. وقول تعالى ﴿ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها﴾، وهى امرأة بمكة حمقاء٢ تغزل ثم تنكث٣ غزلها وتفسده بعد إبرامه وإحكامه فنهى الله تعالى المؤمنين أن ينقضوا أيمانهم بعد توكيدها فتكون حالهم كحال هذه الحمقاء. وقوله تعالى: ﴿تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم﴾ أي إفساداً وخديعة كأن تحالفوا جماعة وتعاهدوها، ثم تنقضون عهدكم وتحلون ما أبرمتم من عهد وميثاق وتعاهدون جماعة أخرى لأنها أقوى وتنتفعون بها أكثر. هذا معنى قوله تعالى ﴿أن تكون أمة هي أربى من أمة﴾ أي جماعة أكثر من جماعة رجالاً وسلاحاً أو مالاً ومنافع. وقوله تعالى: ﴿إنما يبلوكم الله به﴾ أي يختبركم فتعرض لكم هذه الأحوال وتجدون أنفسكم تميل إليها، ثم تذكرون نهي ربكم عن نقض الإيمان والعهود فتتركوا ذلك طاعة لربكم أولا تفعلوا إيثاراً للدنيا عن الآخرة، ﴿وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون﴾ ثم يحكم بينكم ويجزيكم، المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.. وقوله تعالى ﴿ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة﴾ على التوحيد والهداية لفعل.. ولكن اقتضت حكمته العالية أن يهدي من يشاء هدايته لأنه رغب فيها وطلبها، ويضل من يشاء إضلاله لأنه رغب في الضلال وطلبه وأصر عليه بعد النهي عنه. وقوله تعالى: ﴿لتسألن﴾ أي٤ سؤال توبيخ وتأنيب ﴿عما كنتم تعملون﴾ من سوء وباطل، ولازم ذلك الجزاء العادل من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا بمثلها وهم لا يظلمون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان أجمع آية للخير والشر في القرآن وهي آية ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان..﴾ الآية (٩٠).
٢- وجوب العدل والإحسان وإعطاء ذوي القربى حقوقهم الواجبة من البر والصلة.
٢ يقال لها ريطة بنت عمر وكانت تغزل طول النهار، وفي المساء إذا غضبت لحمقها تحلّ ما أبرمته من غزلها، فنهى الله تعالى المؤمنين أن يكونوا كهذه الحمقاء فيحلون ما يبرمون من عقود وعهود.
٣ النكث والجمع أنكاث: وهو النقض والحل بعد الإبرام.
٤ اللام دالة على قسم محذوف نحو: ﴿والله لتسألن﴾.