آيات من القرآن الكريم

وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ

بِخَيْرٍ وَلَا بِشَيْءٍ (١)، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ بِالْكُلِّيَّةِ، فَلَا مَقَالَ، وَلَا فِعَالَ، وَهُوَ مَعَ هَذَا ﴿كَلٌّ﴾ أَيْ: عِيَالٌ وَكُلْفَةٌ عَلَى مَوْلَاهُ، ﴿أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ﴾ أَيْ: يَبْعَثُهُ ﴿لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ﴾ وَلَا يَنْجَحُ مَسْعَاهُ ﴿هَلْ يَسْتَوِي﴾ مَنْ هَذِهِ صِفَاتُهُ، ﴿وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ أَيْ: بِالْقِسْطِ، فَقَالُهُ حَقٌّ وَفِعَالُهُ مُسْتَقِيمَةٌ (٢) ﴿وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ وَبِهَذَا قَالَ السُّدِّيُّ، وَقَتَادَةُ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ. وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ مَثَلٌ لِلْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ أَيْضًا، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ، السَّيْلحيني (٣)، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْم (٤) عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ (٥) عِكْرِمة، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ﴾ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَعَبْدِهِ. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿ [وَضَرَبَ اللَّهُ] مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ [لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ] ﴾ (٦) (٧) إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ قَالَ: هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. قَالَ: وَالْأَبْكَمُ الَّذِي أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ قَالَ هُوَ: مَوْلًى لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، كَانَ عُثْمَانُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَيَكْفُلُهُ (٨) وَيَكْفِيهِ الْمَئُونَةَ، وَكَانَ الْآخَرُ يَكْرَهُ الْإِسْلَامَ وَيَأْبَاهُ وَيَنْهَاهُ عَنِ الصَّدَقَةِ وَالْمَعْرُوفِ، فَنَزَلَتْ فِيهِمَا (٩).
﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٧٧) وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٨) أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٧٩) ﴾
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ كَمَالِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى الْأَشْيَاءِ، فِي عِلْمِهِ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَاخْتِصَاصِهِ بِذَلِكَ، فَلَا اطِّلَاعَ لِأَحَدٍ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يُطْلِعَهُ [اللَّهُ] (١٠) تَعَالَى عَلَى مَا يَشَاءُ -وَفِي قُدْرَتِهِ التَّامَّةِ (١١) الَّتِي لَا تُخَالَفُ وَلَا تُمَانَعُ، وَأَنَّهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ، فَيَكُونُ، كَمَا قَالَ: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾ [الْقَمَرِ: ٥٠] أَيْ: فَيَكُونُ مَا يُرِيدُ كَطَرْفِ الْعَيْنِ. وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: ﴿وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ كَمَا قَالَ: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [لُقْمَانَ: ٢٨].
ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى منَّتَه عَلَى عِبَادِهِ، فِي إِخْرَاجِهِ (١٢) إِيَّاهُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ لَا يعلمون شيئًا، ثم بعد

(١) في ت، أ: "
ولا بشر".
(٢) في ت: "مستقيم".
(٣) في أ: "السلحييني".
(٤) في ت: "خيثم".
(٥) في ف: "ابن".
(٦) زيادة من ت، ف، أ.
(٧) زيادة من ت، ف، أ.
(٨) في ت، ف:
"ويكلفه".
(٩) تفسير الطبري (١٤/ ١٠١).
(١٠) زيادة من ت.
(١١) في ف: "العامة".
(١٢) في ت: "إخراجهم".

صفحة رقم 589

هَذَا يَرْزُقُهُمْ (١) تَعَالَى السَّمْعَ الَّذِي بِهِ يُدْرِكُونَ الْأَصْوَاتَ، وَالْأَبْصَارَ اللَّاتِي بِهَا يُحِسُّونَ الْمَرْئِيَّاتِ، وَالْأَفْئِدَةَ -وَهِيَ الْعُقُولُ-الَّتِي مَرْكَزُهَا الْقَلْبُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: الدِّمَاغُ وَالْعَقْلُ بِهِ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ ضَارِّهَا وَنَافِعِهَا. وَهَذِهِ الْقُوَى وَالْحَوَاسُّ تَحْصُلُ لِلْإِنْسَانِ عَلَى التَّدْرِيجِ قَلِيلًا قَلِيلًا كُلَّمَا كَبِرَ زِيد فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَعَقْلِهِ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ.
وَإِنَّمَا جَعَلَ تَعَالَى هَذِهِ فِي الْإِنْسَانِ، لِيَتَمَكَّنَ بِهَا مِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ تَعَالَى، فَيَسْتَعِينُ بِكُلِّ جَارِحَةٍ وَعُضْوٍ وَقُوَّةٍ عَلَى طَاعَةِ مَوْلَاهُ، كَمَا جَاءَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "يَقُولُ تَعَالَى: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ (٢) أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ. وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أحبَّه، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي (٣) يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لأعطيته، وَلَئِنْ دَعَانِي لَأُجِيبَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَ بِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي فِي قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ" (٤).
فَمَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْلَصَ الطَّاعَةَ صَارَتْ أَفْعَالُهُ كُلُّهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا يَسْمَعُ إِلَّا اللَّهَ، وَلَا يُبْصِرُ إِلَّا اللَّهَ، أَيْ: مَا شَرَعَهُ اللَّهُ لَهُ، وَلَا يَبْطِشُ وَلَا يَمْشِي إِلَّا فِي طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مُسْتَعِينًا بِاللَّهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ، بَعْدَ قَوْلِهِ: "وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا": "فَبِي يَسْمَعُ، وَبِي يُبْصِرُ، وَبِي يَبْطِشُ، وَبِي يَمْشِي"؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [الْمُلْكِ: ٢٣، ٢٤].
ثُمَّ نَبَّهَ تَعَالَى عِبَادَهُ إِلَى (٥) النَّظَرِ إِلَى الطَّيْرِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، كَيْفَ جَعَلَهُ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُ هُنَاكَ إِلَّا اللَّهُ بِقُدْرَتِهِ تَعَالَى، الَّذِي جَعَلَ فِيهَا قُوًى تَفْعَلُ ذَلِكَ، وَسَخَّرَ الْهَوَاءَ يَحْمِلُهَا وَيَسَّرَ الطَّيْرَ لِذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمُلْكِ: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ﴾ [الْمُلْكِ: ١٩]. وَقَالَ هَاهُنَا: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾

(١) في ت: "يرزقهم الله".
(٢) في ت، ف، أ: "بأفضل".
(٣) في ت: "الذي".
(٤) صحيح البخاري برقم (٦٥٠٢).
(٥) في ف: "على".

صفحة رقم 590
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
سامي سلامة
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1420
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية