آيات من القرآن الكريم

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ۖ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ۙ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ

والآية تومئ إلى ضرورة التعاون بين الأزواج والبنين والحفدة لأنهم أسرة واحدة. ومن السنة النبوية أن الرجل يعين زوجته
روت عائشة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يكون في مهنة أهله، فإذا سمع الأذان خرج.
ومن أخلاق النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه كان يخصف النعل، ويقمّ البيت، ويخيط الثوب.
ومن قدر على نفقة خادمة واحدة أو أكثر فعل، على قدر الثروة والمنزلة.
وهذا أمر متروك للعرف، فنساء الريف والأعراب والبادية يخدمن أزواجهن، ونساء المدن يعينهن الزوج، أو يستأجر لهن الخادمة إذا كان من أهل الثروة.
٤- من حماقة المشركين وجهالتهم أنهم يعبدون أصناما لا تضر ولا تنفع ولا تشفع، فلا تملك إمداد غيرها ولا أنفسها بالرزق من إنزال المطر وإنبات النبات، ولا يقدرون أي الأصنام على شيء، فلا تشبهوا بالله هذه الجمادات لأنه واحد قادر لا مثل له.
مثلان للأصنام والأوثان
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٧٥ الى ٧٦]
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٧٥) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٦)
الإعراب:
عَبْداً بدل من مَثَلًا. مَمْلُوكاً صفة قيد بها العبد للتمييز من الحر، فإنه أيضا عبد لله.

صفحة رقم 184

وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً: رزق: فعل يتعدى إلى مفعولين، الأول منهما الهاء في رَزَقْناهُ والثاني: رِزْقاً وهذا ليس مصدرا لأنه قال: فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً والإنفاق إنما يكون من الأعيان لا الأحداث.
هَلْ يَسْتَوُونَ جمع الضمير في الفعل ولم يقل: يستويان، لمكان مَنْ لأنه اسم مبهم يصلح للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث ولأنه للجنسين، فإن المعنى: هل يستوي الأحرار والعبيد؟
رَجُلَيْنِ بدل من مَثَلًا.
البلاغة:
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ.. فيها استعارة تمثيلية، مثّل فيها الوثن بالأبكم الذي لا ينتفع به بشيء، كما مثله في الآية المتقدمة بالمملوك العاجز عن التصرف رأسا.
سِرًّا وَجَهْراً بينهما طباق.
المفردات اللغوية:
مَمْلُوكاً صفة تميزه من الحر، فإنه أيضا عبد لله. لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ من التصرف مطلقا لعدم ملكه. وَمَنْ رَزَقْناهُ مَنْ نكرة موصوفة أي حرا، لتطابق كلمة عَبْداً.
فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً أي يتصرف به كيف يشاء، والاول: مثل الأصنام، والثاني: مثله تعالى، والمعنى: مثّل ما يشرك به: بالمملوك العاجز عن التصرف رأسا، ومثّل نفسه: بالحر المالك الذي رزقه الله مالا كثيرا، فهو يتصرف فيه، وينفق منه كيف يشاء، فالأول مقيد والثاني حر طليق. هَلْ يَسْتَوُونَ أي الجنسان وهما العبيد والأحرار، أي هل يستوي الأحرار والعبيد؟ لا الْحَمْدُ لِلَّهِ كل الحمد له لا يستحقه غيره، فضلا عن العبادة لأنه مصدر النعم كلها. بَلْ أَكْثَرُهُمْ أهل مكة. لا يَعْلَمُونَ ما يصيرون إليه من العذاب، فيشركون.
أَبْكَمُ الأبكم: الذي ولد أخرس. لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ من الصنائع أو التدابير لأنه لا يفهم ولا يفهم. كَلٌّ ثقيل على وليه وقرابته. مَوْلاهُ ولي أمره. أَيْنَما يُوَجِّهْهُ يصرفه. لا يَأْتِ بِخَيْرٍ بنجح وكفاية مهم، وهذا مثل الكافر أو الأصنام. هَلْ يَسْتَوِي هُوَ الأبكم المذكور. وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ أي ومن هو ناطق نافع للناس حيث يأمر به ويحث عليه.
صِراطٍ طريق، وهذا هو المؤمن، أو الله تعالى، أي أن هذا تمثيل ثان ضربه الله تعالى لنفسه وللأصنام، لإبطال المشاركة بينه وبينها، أو هو مثل للمؤمن والكافر.

صفحة رقم 185

سبب النزول:
أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً قال: نزلت في رجل من قريش وعبده، وفي قوله: رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ قال: نزلت في عثمان ومولى له كان يكره الإسلام ويأباه وينهاه عن الصدقة والمعروف، فنزلت فيهما.
وفي عبارة أخرى: نزلت هذه الآية في عثمان بن عفان ومولى له كافر يسمى أسيد بن أبي العاص، كان يكره الإسلام، وكان عثمان ينفق عليه، ويكفله، ويكفيه المؤونة، وكان المولى ينهاه عن الصدقة والمعروف.
المناسبة:
بعد أن نهى الله تعالى عن ضرب الأمثال له لأن الله يعلم كيف يضرب الأمثال، وأنتم لا تعلمون، علّمهم كيف تضرب الأمثال، فقال: مثلكم في إشراككم بالله الأوثان مثل من سوّى بين عبد مملوك عاجز عن التصرف، وبين حر مالك قد رزقه الله مالا، فهو يتصرف فيه، وينفق منه كيف شاء.
ومثلكم أيضا في الإشراك مثل من سوّى بين رجلين: أحدهما أبكم عاجز، لا يقدر على تحصيل خير، وهو عبء ثقيل على سيده، والآخر ذو فهم ومنطق وكفاية وقدرة ورشد ينفع الناس بالحث على العدل.
هل من المعقول التسوية بين الاثنين؟!
أي كيف يسوى الجماد بالله تعالى في الألوهية والعبادة؟! أو كيف يسوى الكافر المخذول والمؤمن الموفق؟! هذان مثلان موضحان بطلان عبادة الأصنام التي لا تنفع ولا تضر، ولا تسمع ولا تجيب.

صفحة رقم 186

التفسير والبيان:
بعد أن نهى الله تعالى عن الإشراك، أبان بالأمثال الواقعية فساد عبادة الأصنام، فذكر مثلين:
أولهما- ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً.. هذا مثل ضربه الله لحالة الأصنام بالمقارنة مع ذاته تعالى، فما مثلكم أيها المشركون في إشراككم بالله الأوثان والأصنام المعبودة التي لا تنفع ولا تضر، إلا كمثل من سوّى بين عبد مملوك لمالكه، عاجز عن التصرف، لا يقدر على شيء، وبين مالك حر التصرف في ملكه، ينفق منه كيف يشاء، ويتصرف فيه كيف يريد، سرا وجهرا، فالأول- مثل الصنم العاجز، والثاني- مثل الإله القادر. وبما أنه لا يعقل بداهة التسوية بين الشخصين: العبد والحر، ولا يجهل الفرق بينهما إلا كل غبي، فكيف يسوى بين الإله القادر على الرزق والإنفاق، وبين هذه الأصنام التي لا تملك ولا تقدر على شيء أصلا؟ وكيف يسوى بين الضار والنافع؟
لذا قال تعالى نتيجة لهذه المقارنة: الْحَمْدُ لِلَّهِ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ أي الحمد التام الكامل لله، والثناء الشامل لله، والشكر الجزيل لله المنعم بمختلف النعم، فهو وحده المستحق للحمد، لا تلك الأوثان، بل أكثر أولئك الكفار التي يعبدونها لا يعلمون الحق فيتبعوه، ولا يعرفون المنعم الحقيقي بالنعم الجليلة فيخصوه بالتقديس والتنزيه، والعبادة، والحمد والشكر.
وثانيهما- هو أيضا مثل الحق تعالى، ومثل الوثن. وهذا المثل يؤكد ما دل عليه المثل السابق على نحو أوضح، فقال تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا: رَجُلَيْنِ...
أي وضرب الله مثلا لنفسه وللوثن أو الآلهة المعبودة من دونه، مثل رجلين: أحدهما- أبكم لا ينطق ولا يتكلم بخير ولا بشيء ولا يقدر على شيء

صفحة رقم 187

يتعلق بنفسه أو بغيره، وهو مع هذا كلّ أي عيال وكلفة على مولاه الذي يعوله، حيثما أرسله أو بعثه، لا يحقق مطلبا، ولا ينجح في مسعاه، ولا يأتي بخير قط لأنه لا يفهم ما يقال له، ولا مقال لديه، فلا يفهم عنه.
والثاني- رجل كامل المواهب والحواس، ينفع نفسه وغيره، يأمر بالعدل أي بالقسط، ويسير على منهج الحق والعدل، ويحكم بالعدل، فمقاله حق، وأفعاله وسيرته مستقيمة، وطريقه مستقيم ودينه قويم.
هل يستوي هذان الرجلان؟ الأول عديم النفع، والثاني كامل النفع، والأول كالصنم لا يسمع ولا ينطق. والثاني وهو المتصف بصفات الله الواحد القهار الذي يدعو عباده إلى توحيده وطاعته، ويأمرهم بالعدل، ويلتزم العدل في نفسه قضاء وحكما.
وإذا كان هذان الرجلان لا يتساويان بداهة، فلا تساوي أصلا بين الحق تعالى، وبين ما يزعمون أنه شريك له.
فقه الحياة أو الأحكام:
دل هذان المثلان على ضلالة المشركين وبطلان عبادة الأصنام لأن شأن الإله المعبود أن يكون مالكا قادرا على التصرف في الأشياء، وعلى نفع غيره ممن يعبدونه، وعلى الأمر بالخير والعدل، والتزام منهج الاستقامة والقسط في سيرته وسلوكه.
والأصنام في المثل الأول فاقدة الملك، عاجزة عن التصرف هي مثل العبيد المملوكين للسادة الموالي. أما الأحرار الملاك الأغنياء كثير والإنفاق سرا وجهرا، فهم القادرون على التصرف. وبما أن العقل لا يجوّز التسوية بين الحر والعبد في التعظيم والإجلال، مع تساويهما في الخلقة والصورة والبشرية، فكيف يجوز

صفحة رقم 188

للعاقل أن يسوي بين الله القادر على الرزق والإفضال، وبين الأصنام التي لا تملك ولا تقدر على شيء أصلا؟! وهناك قول آخر: وهو أن هذا مثل للمؤمن والكافر، فالمراد بالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء هو الكافر، فهو باعتبار حرمانه من عبودية الله وطاعته كالعبد الذليل الفقير العاجز. والمراد بقوله وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً هو المؤمن، فإنه مشتغل بالتعظيم لأمر الله تعالى، والشفقة على خلق الله، فأبان تعالى أنهما لا يستويان في المرتبة والشرف والقرب من رضوان الله تعالى.
قال الرازي: والقول الأول أقرب لأن الآية في إثبات التوحيد، وفي الرد على المشركين.
وهذا المثل منتظم مع ما ذكر قبله من بيان نعم الله على أولئك المشركين، وعدم توافر تلك النعم من آلهتهم.
وقد احتج الفقهاء بهذه الآية على أن العبد لا يملك شيئا.
والأصنام في المثل الثاني لا تقدر على شيء، وأما الله فهو القادر على كل شيء، فالأبكم الذي لا يقدر على شيء هو الوثن، والذي يأمر بالعدل هو الله تعالى، وهل يستوي هذا الأبكم ومن يأمر بالعدل، وهو على الصراط المستقيم؟! والآمر بالعدل يجب أن يكون موصوفا بالنطق، وإلا لم يكن آمرا. ويجب أن يكون قادرا لأن الأمر مشعر بعلو الرتبة، وذلك لا يحصل إلا مع كونه قادرا.
ويجب أن يكون عالما حتى يمكنه التمييز بين العدل والجور، فدل وصفه بالعدل على وصفه بكونه قادرا عالما.
أما الرجل الأول فوصفه بأربع صفات: الأبكم (الأخرس العيي)، ولا يقدر على شيء، وهو إشارة إلى العجز التام والنقصان الكامل، وكلّ على مولاه (أي

صفحة رقم 189
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية