آيات من القرآن الكريم

يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ۩
ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ ﰄﰅﰆﰇﰈ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ

وشتمني ابن آدم ولا ينبغي له أن يشتمني، وأمّا تكذيبه إياي فحلفه بي أن لا أبعث الخلق، وأمّا شتمه إياي فقوله اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً وأنا الله الواحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كُفُواً أَحَدٌ.
لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ هو مردود إلى قوله: لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا يبين لهؤلاء المنكرين المقتسمين الذين يختلفون وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ. إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ الآية، يقول الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه: إنا إذا أردنا أن نبعث من يموت فلا تعب علينا ولا نصب في إحيائهم ولا في غير ذلك [مما نخلق ونكون ونحدث]، لأنا إذا أردنا خلق شيء وإنشاؤه أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ «١».
وفي هذه الآية دليل على أنّ القرآن غير مخلوق، فذكر أن الله عزّ وجلّ أخبر أنه إذا أراد شيئا قال لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، فلو كان قوله كُنْ مخلوقا لاحتاج إلى قول ثان ولاحتاج ذلك القول إلى قول ثالث إلى ما لا نهاية فلما بطل ذلك ثبت أن الله خلق الخلق بكلام غير مخلوق.
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٤١ الى ٥٠]
وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤) أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٤٥)
أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٤٧) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (٤٨) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٥٠)
وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا عذّبوا وقتلوا في الله، نزلت في بلال وصهيب وخبّاب وعمار وعابس وجبير وأبي جندل بن سهيل، أخذهم المشركون بمكة فعذّبوهم.
وقال قتادة: يعني أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم ظلمهم أهل مكة وأخرجوهم من ديارهم حتّى لحق جماعة منهم بالحبشة ثمّ بوّأهم الله بالمدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار الهجرة وجعل لهم على من ظلمهم [أنصارا من المؤمنين والآية تعم الجميع] «٢».
لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً أنزلهم المدينة وأطعمهم الغنيمة.

(١) تفسير الطبري: ١٤/ ١٤١.
(٢) تصويب العبارة من تفسير القرطبي: ١٠/ ١٠٧.

صفحة رقم 17

ويروى إن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) كان إذا أعطى لرجل من المهاجرين عطاء يقول: خذ بارك الله لك فيه، هذا ما وعدك الله في الدنيا وما ذخر لك في الآخرة أفضل، ثمّ تلا هذه الآية.
وقال بعض أهل المعاني: مجاز قوله تعالى: لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً ليحسنّن إليهم في الدنيا. وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. الَّذِينَ صَبَرُوا في الله على ما نابهم وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ الآية نزلت في مشركي مكة حين أنكروا نبوة محمّد صلّى الله عليه وسلّم وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا فهلّا بعثت إلينا ملكا.
فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ يعني هم أهل الكتاب إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ فإن قيل: ما الجالب لهذه الباء؟
قيل: قد اختلفوا في ذلك: فقال بعضهم: هي من صلة أرسلنا و (إلا) بمعنى غير، مجازه: وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر غير رجال يوحى إليهم ولم نبعث ملائكة. وهذا كما تقول: ما ضرب إلّا أخوك عمر، وهل كلم إلّا أخوك زيدا، بمعنى ما ضرب عمر غير أخيك، هل كلم زيدا غير أخيك.
قال أوس بن حجر:

أبني لبينى لستم بيد إلا يد ليست لها عضد «١».
يعني غير يده، قال الله لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا «٢» أي غير الله.
وقال بعضهم: إنما هذا على كلامين، يريد: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا أرسلنا بالبينات والزبر ويشهد على ذلك بقول الأعمش:
وليس مجيرا إن أتى الحي خائف ولا قائلا إلّا هو المتعيّبا «٣»
يقول: لو كان بذلك على كلمة لكان خطأ من سفه القائل، ولكن جاء ذلك على كلامين كقول الآخر:
نبّئتهم عذّبوا بالنار جارهم وهل يعذّب إلّا الله بالنار «٤»
وتأويل الكلام: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ أرسلناهم بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ «٥».
(١) تفسير الطبري: ١٤/ ١٤٦.
(٢) سورة الأنبياء: ٢٢.
(٣) تفسير الطبري: ١٤/ ١٤٦، ولسان العرب: ١/ ٦٣٣.
(٤) المصدر السابق.
(٥) بطوله في تفسير الطبري: ١٤/ ١٤٦- ١٤٧.

صفحة رقم 18

وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ يعني نمرود بن كنعان وغيره من الكفار وأهل الأوثان أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ. أَوْ يَأْخُذَهُمْ العقاب فِي تَقَلُّبِهِمْ تصرفهم في أسفارهم بالليل والنهار فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ مسابقي الله أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ.
قال الضحاك والكلبي: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ يعني يأخذ طائفة ويدع فتخاف الطائفة الباقية أن ينزل بها ما نزل بصاحبتها.
وقال سائر المفسرين: التخوّف: التنقّص، يعني ينقص من أطرافهم ونواصيهم الشيء بهذا الشيء حتّى يهلك جميعهم.
يقال: تخوّف مال فلان الإنفاق، إذا انتقصه وأخذه من حافاته وأطرافه.
وقال الهيثم بن عدي: هي لغة لازد شنوءة، وأنشد:

تخوّف عدوهم مالي وأهدى سلاسل في الحلوق لها صليل «١»
قال سعيد بن المسيب: بينما عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) على المنبر فقال: يا أيها الناس ما تقولون في قول الله: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فسكت الناس، فقام شيخ فقال: يا أمير المؤمنين هذه لغتنا في هذيل، التخوّف: التنقص، فقال عمر: وهل تعرف العرب ذلك في أشعارهم قال: نعم، قال شاعرنا أبو كبير الهذلي: [يصف ناقة تنقص السير سنامها بعد تمكه واكتنازه] «٢».
تخوّف السير منها تامكا قردا كما تخوف عود النبعة السفن «٣»
فقال عمر:
يا أيها الناس عليكم بديوانكم الجاهلية فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم «٤» فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ يعني لم يعجّل العقوبة أَوَلَمْ يَرَوْا قرأ حمزة والكسائي وخلف ويحيى والأعمش: (تروا) بالتاء على الخطاب، وقرأ الآخرون بالياء خبرا عن الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ وهو اختيار الأئمة.
(١) غريب الحديث: ٢/ ٨٣٥.
(٢) زيادة عن تفسير القرطبي، وفي تاج العروس: أنضاها السير ونسبه لذي الرملة. [.....]
(٣) تاج العروس: ٩/ ٢٣٦ ولسان العرب: ٩/ ١٠١، ونسبه لابن مقبل وقال في ج ١٣/ ٢١٠: قال الصاغاني: وعزاه الأزهري لابن مقبل وهو لعبد الله بن عجلان النهدي، وفي الأغاني نسبه لابن مزاحم الثمالي.
(٤) انظر تفسير القرطبي: ١٠/ ١١١.

صفحة رقم 19

إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يعني من جسم قائم له ظل يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ.
بالتاء أهل البصرة. الباقون بالياء، ومعنى قوله يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ: يميل ويرجع من جانب إلى جانب فهي في أوّل النهار ثمّ تعود إلى حال أخرى في آخر النهار، فميلانها ودورانها من موضع إلى موضع سجودها، ومنه قيل للظل بالعشي: فيء، لأنه فاء من المغرب إلى المشرق، والفيء: الرجوع، قال الله: حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ «١» يقال: سجدت النخلة إذا حالت، وسجد البعير وأسجد إذا جعل للركوب، ومثله قال في هذه الآية على هذا التأويل.
قتادة والضحاك: أمّا اليمين فأول النهار وأمّا الشمال فآخر النهار، تسجد الضلال لله غدوة إلى أن تفيء الظلال ثمّ تسجد أيضا إلى الليل.
وقال مجاهد: إذا زالت الشمس سجد كل شيء لله.
وقال عبد الله بن عمر: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أربع قبل الظهر بعد الزوال تحسب بمثلهن في صلاة السحر وليس من شيء إلّا وهو يسبح لله تعالى تلك الساعة» ثمّ قرأ يَتَفَيَّؤُا الآية «٢».
الكلبي: الظل قبل طلوع الشمس عن يمينك وعن شمالك وقدامك وخلفك، ولذلك إذا غابت وإذا طلعت كان قدامك، فإذا ارتفعت كان عن يمينك وإذا كان بعد ذلك كان خلفك، فإذا كان قبل أن تغيب الشمس كان على يسارك فهذا تفيؤه أي تضلله هاهنا وهاهنا، وهو سجوده.
وأمّا الوجه في توحيد اليمين وجمع الشمال، فهو أنّ من شأن العرب إذا اجتمعت علامتان في شيء واحد أن يبقى واحدة ويلقى الأخرى، واكتفي بالملقي على الملقى بقوله: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ «٣» كقوله: يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ «٤».
وقال بعضهم: اليمين راجع إلى قوله: ما خَلَقَ اللَّهُ ولفظة من أحد، وَالشَّمائِلِ راجعة إلى المعنى وقيل: هذا في الكلام كثير.
قال الشاعر:

بفي الشامتين الصخر إن كان هدني رزية شبلي مخدر في الضراغم «٥»
(١) سورة الحجرات: ٩.
(٢) تفسير الثعالبي: ٣/ ٤٢٦.
(٣) سورة البقرة: ٧.
(٤) سورة البقرة: ٢٥٧.
(٥) تفسير الطبري: ١٤/ ١٥٤.

صفحة رقم 20
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية