آيات من القرآن الكريم

يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ۩
ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ ﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ

الشمس سجد كل شيء قبل القبلة من نبت أو شجر، ولذلك كان الصالحون يستحبون الصلاة في ذلك الوقت، وقال مجاهد إنما تسجد الظلال لا الأشخاص وقالت فرقة، منهم الطبري عبر عن الخضوع والطاعة وميلان الظل ودورانها بالسجود، وكما يقال للمشير برأسه على جهة الخضوع والطاعة وميلان الظل ساجد ومنه قول الشاعر: [الطويل]

فكلتاهما خرت وأسجد رأسها كما سجدت نصرانة لم تحنف
والداخر المتصاغر المتواضع، ومنه قول ذي الرمة: [الطويل]
فلم يبق إلا داخر في مخيّس ومنجحر في غير أرضك في جحر
قوله عز وجل
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٤٩ الى ٥٥]
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٥٠) وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٥١) وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (٥٢) وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (٥٣)
ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٥٤) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٥٥)
وقعت ما في هذه الآية لما يعقل، قال الزجاج: قوله ما فِي السَّماواتِ يعم ملائكة السماء وما في السحاب وما في الجو من حيوان، وقوله وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ بين، ثم ذكر ملائكة الأرض في قوله وَالْمَلائِكَةُ ويحتمل أن يكون قوله: وَالْمَلائِكَةُ هو الذي يعم «السماوات والأرض»، وما قبل ذلك لا يدخل فيه ملك، إنما هو للحيوان أجمع، وقوله يَخافُونَ رَبَّهُمْ عام لجميع الحيوان، وقوله مِنْ فَوْقِهِمْ يحتمل معنيين: أحدهما الفوقية التي يوصف بها الله تعالى فهي فوقية القدر والعظمة والقهر والسلطان، والآخر أن يتعلق قوله مِنْ فَوْقِهِمْ بقوله يَخافُونَ، أي يخافون عذاب ربهم من فوقهم، وذلك أن عادة عذاب الأمم إنما أتى من جهة فوق، وقوله وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ أما المؤمنون فبحسب الشرع والطاعة، وأما غيرهم من الحيوان فبالتسخير والقدر الذي يسوقهم إلى ما نفد من أمر الله تعالى، وقوله وَقالَ اللَّهُ الآية، آية نهي من الله تعالى عن الإشراك به ومعناها لا تتخذوا إلهين اثنين فصاعدا، بما ينصه من قوله إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ، قالت فرقة المفعول الأول ب تَتَّخِذُوا قوله إِلهَيْنِ، وقوله اثْنَيْنِ تأكيد وبيان بالعدد، وهذا معروف في كلام العرب أن يبين المعدود بذكر عدده تأكيدا، ومنه قوله إِلهٌ واحِدٌ لأن لفظ إِلهٌ يقتضي الانفراد، وقال قوم منهم: المفعول الثاني محذوف تقديره معبودا أو مطاعا ونحو هذا، وقالت فرقة: المفعول الأول اثْنَيْنِ، والثاني قوله إِلهَيْنِ، وتقدير الكلام لا تتخذوا اثنين إلهين، ومثله قوله تعالى أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ [الإسراء: ٢- ٣] ففي هذه الآية على بعض الأقوال تقديم المفعول الأول ل تَتَّخِذُوا، وقوله فَإِيَّايَ منصوب بفعل مضمر تقديره

صفحة رقم 399

فارهبوا إياي فارهبون ولا يعمل فيه الفعل لأنه قد عمل في الضمير المتصل به، وقوله وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ الآية، الواو في قوله وَلَهُ عاطفة على قوله: إِلهٌ واحِدٌ، وجائز أن يكون واو ابتداء، وما عامة جميع الأشياء مما يعقل ومما لا يعقل، والسَّماواتِ هنا كل ما ارتفع من الخلق في جهة فوق، فيدخل فيه العرش والكرسي، والدِّينُ الطاعة والملك كما قال زهير في دين عمرو: وحالت بيننا فدك. أي في طاعته وملكه، و «الواصب» القائم، قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد والضحاك وقال الشاعر [أبي الأسود] :[الكامل]
لا أبتغي الحمد القليل بقاؤه... يوما بذم الدهر أجمع واصبا
ومنه قول حسان: [المديد]
غيرته الريح تسفي به... وهزيم رعده واصب
وقالت فرقة: هو من الوصب وهو التعب، أي وله الدين على تعبه ومشقته.
قال القاضي أبو محمد: ف «واصب» على هذا جار على النسب أي ذا وصب، كما قال: أضحى فؤادي به فاتنا، وهذا كثير، وقال ابن عباس أيضا: «الواصب» الواجب، وهذا نحو قوله: الواصب الدائم، وقوله أَفَغَيْرَ، توبيخ ولفظ استفهام ونصب «غير» ب تَتَّقُونَ، لأنه فعل لم يعمل في سوى «غير» المذكورة. والواو في قوله وَما بِكُمْ يجوز أن تكون واو ابتداء، ويجوز أن تكون واو الحال، ويكون الكلام متصلا بقول أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ، كأنه يقال على جهة التوبيخ: أتتقون غير الله وما منعم عليكم سواه، والباء في قوله بِكُمْ متعلقة بفعل تقديره وما نزل أو ألم ونحو هذا، وما بمعنى الذي، والفاء في قوله فَمِنَ اللَّهِ دخلت بسبب الإبهام الذي في ما التي هي بمعنى الذي، فأشبه الكلام الشرط، ومعنى الآية التذكير بأن الإنسان في جليل أمره ودقيقه إنما هو في نعمة الله وأفضاله، إيجاده داخل في ذلك فما بعده، ثم ذكر تعالى بأوقات المرض لكون الإنسان الجاهل يحس فيها قدر الحاجة إلى لطف الله تعالى، والضُّرَّ وإن كان يعم كل مكروه فأكثر ما يجيء عبارة عن أرزاء البدن، وتَجْئَرُونَ معناه ترفعون أصواتكم باستغاثة وتضرع، وأصله في جؤار الثور والبقرة وصياحها، وهو عند جهد يلحقها أو في أثر دم يكون من بقر تذبح، فذلك الصراخ يشبه به انتحاب الداعي المستغيث بالله إذ رفع صوته، ومنه قول الأعشى: [المتقارب]
يراوح من صلوات الملي... ك طورا سجودا وطورا جؤارا
وأنشده أبو عبيدة:
بأبيل كلما صلى جأر والأصوات تأتي غالبا على فعال أو فعيل، وقرأ الزهري «يجرون» بفتح الجيم دون همز حذفت الهمزة وألقيت حركتها على الجيم، كما خففت «تسلون» من «تسألون»، وقوله ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ قرأ

صفحة رقم 400
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية