آيات من القرآن الكريم

وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ
ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ

قوله تعالى: ﴿والأنعام خَلَقَهَا﴾ : العامَّةُ على النصبِ وفيه وجهان، أحدُهما: نصبٌ على الاشتغالِ، وهو أرجحُ مِن الرفعِ لتقدُّمِ جملةٍ فِعليةٍ. والثاني: أنه نصبٌ على عَطْفِه على «الإِنسان»، قاله

صفحة رقم 190

الزمخشريُّ وابنُ عطية، فيكون «خَلَقَها» على هذا مؤكِّداً، وعلى الأول مفسِّراً. وقُرئ في الشاذِّ «والأنعامُ» رفعاً وهي مَرْجُوحَةٌ.
قوله: ﴿لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾ يجوز أن يَتَعَلَّقَ «لكم» ب «خَلَقَها»، أي: لأجلِكم ولمنافعِكم، ويكون «فيها» خبراً مقدماً، «ودِفْءٌ» مبتدأً مؤخراً. ويجوز أن يكونَ «لكم» هو الخبر، و «فيها» متعلِّقٌ بما تعلَّقَ به الخبرُ، أو يكونَ «فيها» حالاً من «دِفْء» لأنه لو تاخَّر لكان صفةً له، أو يكونَ «فيها» هو الخبرَ، و «لكم» متعلِّقٌ بما تعلَّق به، أو يكونَ حالاً مِنْ «دِفْء» قاله أبو البقاء. ورَدَّه الشيخ بأنه إذا كان العاملُ في الحال معنوياً فلا يتقدَّم على الجملةِ بأسرها، لا يجوز: «قائماً في الدار زيدٌ» فإنْ تأخَّرَتْ نحو: «زيدٌ في الدار قائماً» جازَ بلا خلافٍ، أو توسَّطَتْ/ فخلافٌ، أجازه الأخفشُ، ومنعه غيرُه.
قلت: ولقائلٍ أن يقولَ: لَمَّا تقدَّمَ العاملُ فيها وهي معه جاز تقديمُها عليه بحالها، إلاَّ أنْ يقولَ: لا يَلْزَمُ مِنْ تقديمِها عليه وهو متأخرٌ تقديمُها عليه وهو متقدمٌ، لزيادةِ القبح.
وقال أبو البقاء أيضاً: «ويجوز أَنْ يرتفعَ» دِفْء «ب» لكم «أو ب» فيها «والجملةُ كلُّها حالٌ من الضمير المنصوب». قال الشيخ: «

صفحة رقم 191

ولا تُسَمَّى جملةً؛ لأنَّ التقدير: خلقها كائناً لكم فيها دفءٌ، أو خَلَقها لكم كائناً فيها دِفْءٌ» قلت «قد تقدَّم الخلاف في تقدير متعلِّق الجارِّ إذا وقع حالاً أو صفةً أو خبراً: هل يُقَدَّرُ فِعْلاً أو اسماً؟ ولعلَّ أبا البقاء نحا إلى الأولِ، فتسميتُه له جملةً صحيحٌ على هذا.
والدِّفْء اسمٌ لِما يُدْفَأُ به، أي: يُسْخَنُ، وجمعُه أدْفاء، ودَفِئَ يومُنا فهو دَفِىءٌ، ودَفِئَ الرجلُ يَدْفَأُ دَفاءَةً ودَفَاءً فهو دَفْآنُ، وهي دَفْأَى، كسَكْران وسَكْرى. والمُدْفَأة بالتخفيفِ والتشديد: الإِبلُ الكثيرةُ الوبرِ والشحمِ. قيل: الدِّفْءُ: نِتاجُ الإِبل وألبانُها، وما يُنْتفع به منها.
وقرأ زيدُ بنُ عليّ»
دِفٌ «بنَقْلِ حركةِ الهمزةِ إلى الفاء، والزهريُّ كذلك، إلا أنه شَدَّدَ الفاء، كأنه أجرى الوَصْلَ مُجْرى الوقفِ نحو قولِهم:» هذا فَرُخّْ «بالتشديد وقفاً. وقال صاحب» اللوامح «:» ومنهم مَنْ يُعَوِّضُ من هذه الهمزةَ فَيُشَدِّد الفاءَ، وهو أحدُ وجهَيْ حمزةَ بنِ حبيب وقفاً «. قلت: التشديد وَقْفاً لغةٌ مستقلةٌ، وإن لم يكن ثَمَّ حَذْفٌ من الكلمةِ الموقوفِ عليها.
قوله: ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ »
مِنْ «هنا لابتداء الغاية، والتبعيض هنا ضعيفٌ. قال الزمخشري: فإن قلت: تقديمُ الظرفِ مُؤْذِنٌ بالاختصاصِ، وقد يُؤْكَلُ مِنْ غيرِها. قلت: الأكل منها هو الأصلُ الذي يعتمده الناسُ، وأمَّا غيرُها مِن البَطِّ والدَّجاج ونحوِها من الصَّيْد فكغيرِ المُعْتَدِّ به».

صفحة رقم 192
الدر المصون في علوم الكتاب المكنون
عرض الكتاب
المؤلف
أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي
تحقيق
أحمد بن محمد الخراط
الناشر
دار القلم
عدد الأجزاء
11
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية