وقوله سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ... الآية: إِلى قوله: فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ، وقرأ حمزة والكسائِيُّ وعاصم «١» :«لاَ يَهْدِي» - بفتح الياء وكسر الدال-، وذلك على معنيين: أيْ: إِن اللَّه لا يَهْدِي من قضَى بإِضلاله، والمعنى الثاني: أنَّ العربَ تقُولُ: هَدَى الرَّجُلُ، بمعنى اهتدى.
وقوله سبحانه: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ: الضمير في أَقْسَمُوا لكفَّار قريش، ثم رَدَّ اللَّه تعالى عليهم بقوله: بَلى، فأوجب بذلك البعث، وأَكْثَرَ النَّاسِ في هذه الآية: الكفَّار المكذِّبون بالبَعْث.
وقوله سبحانه: لِيُبَيِّنَ: التقدير: بلى يبعثه ليبيِّن لهم الذي يَخْتَلِفُونَ فيه.
وقوله سبحانه: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ... الآية: المَقْصَدُ بهذه الآية إِعلامُ مُنْكِرِي البَعْث بِهَوَانِ أمره على اللَّه تعالى، وقُرْبِهِ في قُدْرته، لا ربِّ غيره.
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٤١ الى ٤٧]
وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤) أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٤٥)
أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٤٧)
وقوله سبحانه: وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا: هؤلاء هُمُ الذين هاجروا إِلى أرض الحبشةِ، هذا قول الجمهورِ، / وهو الصحيحُ في سبب نزولِ الآية لأن هجرة المدينة لم تكُنْ وقْتَ نزول الآيةِ، والآيةُ تتناوَلُ كلَّ مَنْ هاجر أَولاً وآخراً، وقرأ جماعة «٢» خارجَ السبْعِ: «لَنُثْوِيَنَّهُمْ»، واختلف في معنى الحسنة هنا، فقالتْ فرقة:
الحسنةُ عِدَةٌ بَبُقْعةٍ شريفةٍ، وهي المدينةُ، وذهبَتْ فرقةٌ إِلى أن الحسنة عامّة في كلّ أمر
ينظر: «السبعة» (٣٧٢)، و «الحجة» (٥/ ٦٤)، و «معاني القراءات» (٢/ ٧٩)، و «إعراب القراءات» (١/ ٣٥٣)، و «حجة القراءات» (٣٨٨)، و «العنوان» (١١٧)، و «شرح الطيبة» (٤/ ٤١٣)، و «شرح شعلة» (٤٥٧)، و «إتحاف» (٢/ ١٨٤).
(٢) وقد رويت عن علي، وابن مسعود، ونعيم بن ميسرة، والربيع بن خيثم. ينظر: «المحتسب» (٢/ ٩)، و «الكشاف» (٢/ ٦٠٧)، و «المحرر الوجيز» (٣/ ٣٩٤)، و «البحر المحيط» (٥/ ٤٧٧)، و «الدر المصون» (٤/ ٣٢٧).
مستحسَنٍ يناله ابنُ آدم، وفي هذا القولِ يدخُلُ ما رُوِيَ عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: أنه كَانَ يُعْطِي المَالَ وَقْتَ القِسْمَة الرَّجُلَ مِنَ المُهَاجِرِينَ، ويقُولُ له: خُذْ ما وَعَدَكَ اللَّهُ في الدنيا، وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أكْبَرُ، ثم يتلو هذه «١» الآية، ويدخل في هذا القولِ النَّصْرُ على العدوِّ، وفتْحُ البلادِ، وكلُّ أَمَلٍ بلغه المهاجرون، والضمير في يَعْلَمُونَ عائدٌ على كفار قريشٍ.
وقوله: الَّذِينَ صَبَرُوا: من صفة المهاجرين.
وقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ: هذه الآيةُ ردٌّ على كفَّار قريش الذينَ استبعدوا أنْ يبعثَ اللَّه بشراً رَسُولاً، ثم قال تعالى: فَسْئَلُوا، أي: قل لهم: فَسْئَلُوا، وأَهْلَ الذِّكْرِ هنا: أحبارِ اليهودِ والنصارَى قاله ابن عباس وغيره «٢»، وهو أظهر الأقوال، وهم في هذه النازِلَةِ خاصَّة إِنما يخبرون بأنَّ الرسُلَ من البَشَر، وأخبارُهم حجَّة على هؤلاء، وقدْ أرسلَتْ قريشٌ إِلى يهودِ يَثْرِبَ يسألونهم ويُسْنِدُون إِليهم.
وقوله: بِالْبَيِّناتِ: متعلِّق بفعلٍ مضمرٍ، تقديره: أرسلناهم بالبيِّنات، وقالتْ فرقة:
الباءُ متعلِّقة ب أَرْسَلْنا في أول الآية، والتقدير على هذا: وما أرسلنا من قبلك بالبيِّنات والزُّبُرِ إِلاَّ رجالا، ففي الآية تقديم وتأخير، والزُّبُرِ: الكُتُبُ المزبورة.
وقوله سبحانه: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ... الآية.
ت: وقد فعل صلّى الله عليه وسلّم ذلك، فبيَّن عن اللَّهِ، وأوْضَح، وقد أوتي صلّى الله عليه وسلّم جوامعَ الكَلِم، فأعرب عن دين اللَّهِ، وأفصح، ولنذكُر الآن طَرَفاً من حِكَمِهِ، وفصيحِ كلامِهِ بحذف أسانيده، قال عِياضٌ في «شِفَاهُ» : وأما كلامه صلّى الله عليه وسلّم المعتادُ، وفصاحَتُه المعلومةُ، وجوامُع كَلِمِهِ، وحِكَمُه المأثورةُ، فمنها ما لا يُوَازَى فصاحةً، ولا يبارَى بلاغةً كقوله: «المُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» «٣»، وقوله: «النّاس
(٢) أخرجه الطبري (٧/ ٥٨٧) برقم: (٢١٦٠٢) بنحوه، وذكره ابن عطية (٣/ ٣٩٥) بنحوه، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ٢٢٢)، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم.
(٣) أخرجه الطيالسي (٢/ ٣٧- منحة)، وأحمد (٢/ ٢١١)، وأبو داود (٣/ ١٨٣) كتاب «الجهاد» باب: في السرية ترد على أهل العسكر، حديث (٢٧٥١)، وابن ماجه (٢/ ٨٩٥) كتاب «الديات» باب: المسلمون تتكافأ دماؤهم، حديث (٢٦٨٥)، وابن الجارود في «المنتقى» (٧٧١)، والبيهقي (٨/ ٢٩) كتاب
«المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم»، وللحديث شاهد من حديث علي، وأخرجه أحمد (١/ ١٢٢)، وأبو داود (٤/ ٦٦٧) كتاب «الديات» باب: إيقاد المسلم بالكافر؟، حديث (٤٥٣٠)، والنسائي (٨/ ١٩) كتاب «القسامة» باب: القود بين الأحرار والمماليك في النفس، وأبو عبيد القاسم بن سلام في «الأموال» ص: (١٧٩) برقم: (٤٩٥)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٣/ ١٩٢)، وفي «مشكل الآثار» (٢/ ٩٠)، والدارقطني (٣/ ٩٨) كتاب «الحدود والديات» (٦١)، والحاكم (٢/ ١٤١)، والبيهقي (٨/ ٢٩)، والبغوي في «شرح السنة» (٥/ ٣٨٨- بتحقيقنا) من طريق الحسن عن قيس بن عباد قال: انطلقت أنا والأشتر إلى علي فقلنا: هل عهد إليك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا لم يعهده للناس عامة؟ قال: «لا إلا ما كان في كتابي هذا»، فأخرج كتابا من قراب سيفه فإذا فيه:
«المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم، لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده، ومن أحدث حدثا فعلى نفسه، ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة، والناس أجمعين»، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وفي الباب عن ابن عباس، ومعقل بن يسار، وعائشة، وعطاء بن أبي رباح مرسلا.
حديث ابن عباس: أخرجه ابن ماجه (٢/ ٨٩٥) كتاب «الديات» باب: المسلمون تتكافأ دماؤهم، حديث (٢٦٨٣)، من طريق حنش عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ويرد على أقصاهم»، وذكره الحافظ البوصيري في «الزوائد» (٢/ ٣٥٣) وقال: هذا إسناد ضعيف، لضعف حنش، واسمه: حسين بن قيس.
حديث معقل بن يسار: أخرجه ابن ماجه (٢/ ٨٩٥) كتاب «الديات» باب: المسلمون تتكافأ دماؤهم، حديث (٢٦٨٤)، وابن عدي في «الكامل» (٥/ ٣٣٢) من طريق عبد السلام بن أبي الجنوب، عن الحسن، عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المسلمون يد على من سواهم، وتتكافأ دماؤهم».
واللفظ لابن ماجه، أما لفظ ابن عدي: «لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده، والمسلمون يد على من سواهم، تتكافأ دماؤهم». وقال ابن عدي: وعبد السلام بن أبي الجنوب بعض ما يرويه لا يتابع عليه منكر.
وذكره الحافظ البوصيري في «الزوائد» (٢/ ٣٥٣- ٣٥٤) وقال: هذا إسناد ضعيف عبد السلام ضعفه ابن المديني، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والبزار، وابن حبان.
حديث عائشة: أخرجه الدارقطني (٣/ ١٣١) كتاب «الحدود والديات»، حديث (١٥٥) من طريق مالك بن محمد بن عبد الرحمن عن عمرة، عن عائشة قالت: وجد في قائم سيف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتابان: إنه أشد الناس عتوّا في الأرض رجل ضرب غير ضاربه، أو رجل قتل غير قاتله، ورجل تولى غير أهل نعجته فمن فعل ذلك فقد كفر بالله وبرسله، ولا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، وفي الآخر:
«المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده، ولا يتوارث أهل ملتين».
وقال الزيلعي في «نصب الراية» (٣/ ٣٩٥)، ومالك هذا هو ابن أبي الرجال أخو حارثة، ومحمد، قال
كأسنان المشط» «١»، «والمرء مَعَ مَنْ أَحَبَّ» «٢»، و «لاَ خَيْرِ فِي صُحْبَةِ مَنْ لاَ يَرَى لَكَ مَا تَرَى لَهُ» «٣»، و «النَّاسُ مَعَادِنٌ» «٤»، و «مَا هَلَكَ امرؤ عَرَفَ قَدْرَهُ»، و «المُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ»، و «هو بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَكَلَّم» «٥»، و «رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً قَالَ خَيْراً فَغَنِمَ، أَوْ سَكَتَ عَنْ شرّ فسلم»،
مرسل عطاء: أخرجه أبو عبيد في «الأموال» ص: (٢٩٠) برقم: (٨٠٣)، ثنا ابن أبي زائدة، عن معقل بن عبد الله الجزري، عن عطاء بن أبي رباح قال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المسلمون إخوة يتكافؤن دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ويرد عليهم أقصاهم، ومشدهم على مضعفهم ومتسريهم على قاعدهم».
(١) تقدم تخريجه.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) ذكره الهندي في «كنز العمال» (٢٤٨٢٤)، وينظر: تخريج حديث: «الناس كأسنان المشط».
(٤) أخرجه البخاري (٦/ ٤٨١) كتاب «أحاديث الأنبياء» باب: قول الله تعالى: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ، حديث (٣٣٨٣)، (٨/ ٢١٢) كتاب «التفسير» باب: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ، حديث (٤٦٨٩)، ومسلم (٤/ ١٨٤٦) كتاب «الفضائل» باب: من فضائل يوسف، حديث (١٦٨/ ٢٣٧٨)، والدارمي (١/ ٧٣) باب: الاقتداء بالعلماء، وأبو يعلى (١١/ ٤٣٨) رقم:
(٦٥٦٢)، والبغوي في «شرح السنة» (٦/ ٥٠٧- بتحقيقنا)، كلهم من طريق عبيد الله، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة به. وأخرجه أحمد (٢/ ٢٥٧)، والحميدي (٢/ ٤٥١) رقم: (١٠٤٥) من طريق أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: «تجدون الناس معادن فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا».
وأخرجه مسلم (٤/ ١٩٥٨) كتاب «فضائل الصحابة» باب: خيار الناس، حديث (١٩٩/ ٢٥٢٦)، وأحمد (٢/ ٥٢٤- ٥٢٥)، وابن حبان رقم: (٦٣٦) من طريق يونس، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة مرفوعا باللفظ السابق، وأخرجه أبو يعلى (١٠/ ٤٥٧- ٤٥٨) رقم: (٦٠٧٠)، وابن حبان رقم: (٩٢) من طريق أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعا: «الناس معادن في الخير والشر خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا».
وأخرجه الحميدي (٢/ ٤٥١) رقم: (١٠٤٦) من طريق يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة به. وللحديث شاهد من حديث معاوية بن أبي سفيان، أخرجه أحمد (٤/ ١٠١) بلفظ: «الناس تبع لقريش خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا». [.....]
(٥) أخرجه ابن ماجه (٢/ ١٢٣٣) كتاب «الأدب» باب: المستشار مؤتمن، حديث (٣٧٤٦)، والدارمي (٢/ ٢١٩) كتاب «السير» باب: المستشار، وأحمد (٥/ ٢٧٤)، وابن حبان (١٩٩١- موارد)، والبيهقي (١٠/ ١١٢) كتاب «آداب القاضي» باب: من يشاور، والطبراني في «الكبير» (١٧/ ٢٣٠) رقم: (٢٣٨) كلهم من طريق أسود بن عامر، حدثنا شريك، عن أبي عمر الشيباني، عن أبي مسعود به مرفوعا.
قال ابن أبي حاتم في «العلل» (٢/ ٢٧٤) رقم: (١٩/ ٢٣) : سألت أبي عن حديث رواه الأسود بن عامر... فذكر الحديث وقال: قال أبي: هذا خطأ، إنما أراد: الدال على الخير كفاعله، قلت: الخطأ ممن هو؟ قال: من شريك اه. ومع ذلك فقد صححه ابن حبان.
وقوله: «أَسْلِمْ تَسْلَمْ»، و «أَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ»، و «إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ منّي
وفي الباب عن جماعة من الصحابة وهم أبو هريرة، وجابر بن سمرة، وسمرة بن جندب، وأبو الهيثم بن التيهان، وعمر بن الخطاب، وابن عباس، وابن الزبير، وأم سلمة.
حديث أبي هريرة: أخرجه أبو داود (٢/ ٧٥٥) كتاب «الأدب» باب: في المشورة، حديث (٥١٢٨)، والترمذي (٥/ ١١٥) كتاب «الأدب» باب: إن المستشار مؤتمن، حديث (٢٨٢٢)، وابن ماجه (٢/ ١٢٣٣) كتاب «الأدب» باب: المستشار مؤتمن، حديث (٣٧٤٥)، والبخاري في «الأدب المفرد»، حديث (٢٥٦)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (١/ ١٩٥- ١٩٦)، والحاكم (٤/ ١٣١)، والبيهقي (١٠/ ١١٢) كتاب «آداب القاضي» باب: من يشاور، كلهم من طريق عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، مرفوعا، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
حديث جابر بن سمرة: أخرجه الطبراني في «الكبير» (٢/ ٢١٤) رقم: (١٨٧٩)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (٥/ ٩٧) كلاهما من طريق قيس بن الربيع، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المستشار مؤتمن».
والحديث ذكره الهيثمي في «المجمع» (٨/ ١٠٠) وقال: رواه الطبراني في «الكبير والأوسط»، وفيه من لم أعرفه.
حديث سمرة بن جندب: أخرجه الطبراني في «الكبير» (٧/ ٢٦٦) رقم: (٦٩١٤)، وأبو نعيم في «الحلية» (٦/ ١٩٠) كلاهما من طريق عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة، ثنا سلام بن أبي مطيع، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المستشار مؤتمن».
قال أبو نعيم: غريب من حديث سلام، لم نكتبه عاليا إلا من هذا الوجه، وذكره الهيثمي في «المجمع» (٨/ ١٠٠) وقال: وفيه عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة، وهو متروك.
حديث أبي الهيثم بن التيهان: أخرجه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (٢/ ٧٤٧) رقم: (١٢٤٧) من طريق محمد بن جامع العطار، حدثنا عبد الحكيم بن منصور، نا عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة، عن أبي الهيثم بن التيهان مرفوعا، وقال ابن الجوزي: وهذا لا يثبت، ولا يصح، أما عبد الحكيم فقال يحيى: كذاب، وقال الرازي: لا يكتب حديثه، وأما محمد بن جامع، فقد ضعفوه.
وذكره الهيثمي في «المجمع» (٨/ ١٠٠)، وقال: رواه الطبراني من طريق جده عبد الرحمن بن محمد بن زيد، ولم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات.
حديث عمر بن الخطاب: أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (٩/ ٦٠- ٦١)، ومن طريقه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (٢/ ٧٤٦) من طريق محمد بن سليمان قال: حدثني حزام بن هشام قال: سمعت أبي يقول: سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «المستشار مؤتمن».
قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يثبت، كان الحميدي يتكلم في محمد بن سليمان، وضعفه النسائي، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع لا في إسناده ولا في متنه.
حديث ابن عباس: أخرجه القضاعي في «مسند الشهاب» (١/ ٣٩) رقم: (٥)، وذكره الهيثمي في «المجمع» (٨/ ٩٩)، وقال: رواه الطبراني في «الأوسط» وفيه عمرو بن الحصين العقيلي، وهو متروك.
حديث ابن الزبير: أخرجه البزار (٢/ ٤٢٨- ٤٢٩) رقم: (٢٠٢٧) من طريق أبي عوانة، عن
مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطّئون أَكْنَافاً الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ»، وقوله: «لَعَلَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِمَا لاَ يَعْنِيهِ، وَيَبْخَلُ بِمَا لاَ يُغْنِيهِ»، وقوله: «ذُو الوَجْهَيْنِ لاَ يَكُونُ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً» / وَنَهْيُهُ عَنْ قِيلٍ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ المَالِ، وَمَنْعٍ وَهَاتِ، وَعُقُوقِ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدِ البَنَاتِ «١»، وقوله: «اتق اللَّهَ حَيْثُ كُنْتَ، وأتبع السّيّئة الحسنة تمحها،
قلت: أما المرسل الذي أشار إليه البزار عن أبي سلمة فأخرجه أحمد في «الزهد» ص: (٣٢).
حديث أم سلمة: أخرجه الترمذي (٥/ ١١٦) كتاب «الأدب» باب: إن المستشار مؤتمن، حديث (٢٨٢٣)، وأبو يعلى (١٢/ ٣٣٣) رقم: (٦٩٠٦) من طريق داود بن أبي عبد الله، عن ابن جدعان، عن جدته، عن أم سلمة مرفوعا به.
وقال الترمذي: هذا حديث غريب من حديث أم سلمة. وفي الباب عن علي بن أبي طالب أيضا، والنعمان بن بشير أخرجه الطبراني في «الأوسط» كما في «المجمع» (٨/ ٩٩) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في «الأوسط» عن شيخه أحمد بن زهير عن عبد الرحمن بن عتبة الطبري، ولم أعرفهما.
وحديث النعمان بن بشير: ذكره الهيثمي في «المجمع» (٨/ ١٠٠) وقال: رواه الطبراني وفيه حفص بن سليمان الأسدي، وهو متروك، وحديث: «المستشار مؤتمن»، ذكره السيوطي في «الجامع الصغير» (٦/ ٢٦٨- فيض) رقم: (٩٢٠٠- ٩٢٠١- ٩٢٠٢)، وقد عده متواترا في «الأزهار المتناثرة» رقم: (٥٢).
وقال المناوي في «الفيض» (٦/ ٢٦٨) :«المستشار مؤتمن» أي: أمين على ما استشير فيه فمن أفضى إلى أخيه بسره، وأمّنه على نفسه، فقد جعله بمحلها، فيجب عليه أنه لا يشير عليه إلا بما يراه صوابا، فإنه كالأمانة للرجل الذي لا يأمن على إيداع ماله إلا ثقة، والسر الذي يكون في إذاعته تلف النفس أولى بألا يجعل إلا عند موثوق به، وفيه حث على ما يحصل به معظم الدين، وهو النصح لله ورسوله وعامة المسلمين وبه يحصل التحابب والائتلاف، وبضده يكون التباغض والاختلاف، قال بعض الكاملين:
يحتاج الناصح والمشير إلى علم كبير كثير فإنه يحتاج أولا إلى علم الشريعة، وهو العلم العام المتضمن لأحوال الناس، وعلم الزمان وعلم المكان، وعلم الترجيح إذا تقابلت هذه الأمور فيكون ما يصلح الزمان يفسد الحال أو المكان، وهكذا فينظر في الترجيح فيفعل بحسب الأرجح عنده مثاله: أن يضيق الزمن عن فعل أمرين اقتضاهما الحال فيشير بأهمهما، وإذا عرف من حال إنسان بالمخالفة وأنه إذا أرشده لشيء فعل ضده يشير عليه بما لا ينبغي ليفعل ما ينبغي، وهذا يسمى علم السياسة، فإنه يسوس بذلك النفوس الجموحة الشاردة عن طريق مصالحها، فلذلك قالوا: يحتاج المشير والناصح إلى علم، وعقل، وفكر صحيح، ورؤية حسنة، واعتدال مزاج، وتؤدة، وتأنّ، فإن لم تجمع هذه الخصال فخطأه أسرع من إصابته، فلا يشير ولا ينصح، قالوا: وما في مكارم الأخلاق أدق ولا أخفى ولا أعظم من النصيحة.
(١) تقدم تخريجه.
وَخَالِق النَّاسَ بِخُلُقٍ حسنٍ» «١» و «خَيْرُ الأُمُورِ أَوْسَاطُها»، وقوله: «أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْناً مَّا، عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْماً مَّا»، وقوله: «الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَة»، وقولِهِ في بَعْضِ دعائه: «اللَّهُمَّ، إِنِّي أَسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تَهْدِي بِهَا قَلْبِي، وَتَجْمَعُ بِهَا أَمْرِي، وَتُلِمُّ بِهَا شَعْثِي «٢»، وَتُصْلِحُ بِهَا غَائِبِي، وَتَرْفَعُ بِهَا شَاهِدِي، وتُزَكِّي بِهَا عَمَلِي، وَتُلْهِمُنِي بِهَا رَشَدِي، وَتُرَدُّ بِهَا أُلْفَتِي، وَتَعْصِمُنِي بِهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ، اللَّهُمَّ، إِنِّي أَسْأَلُكَ الفَوْزَ فِي القَضَاءِ، وَنُزُلَ الشُّهَدَاءِ، وَعَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَالنَّصْرَ عَلَى الأَعْدَاءِ»، إِلى غَيْرِ ذلكَ مِنْ بيانِهِ، وحُسْنِ كلامه ممَّا روته الكافَّة مما لا يُقَاسُ به غيره، وحاز فيه سبقاً لا يُقْدَرُ قَدْرُهُ كقوله:
«السَّعَيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ، والشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ في بَطْنِ أُمِّهِ» في أخواتها مما يدرك الناظِرُ العَجَبَ في مضمَّنها، ويذهَبُ به الفكْرُ في أداني حكمها، وقال صلّى الله عليه وسلّم: «بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ، وَنَشَأْتُ فِي بَنِي سَعْدٍ»، فجمع اللَّه له بذلك قُوَّة عارضَةِ الباديةِ وجزالَتَهَا، وَنَصَاعَةَ ألفاظِ الحاضِرَةِ وَرَوْنَقَ كلامِهَا، إِلى التأييد الإلهي الذي مَدَدُهُ الوَحْي، الذي لا يحيطُ بعلمه بَشَرِيّ. انتهى. وبالجملة فليس بَعْدَ بيان اللَّه ورسُولِهِ بيانٌ لمن عَمَّر اللَّهُ قلْبَه بالإِيمان.
وقوله سبحانه: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ... الآية: تهديدٌ لكفَّار مكَّة ونَصْبُ السيئات ب مَكَرُوا وعُدِّيَ مَكَرُوا لأنه في معنى عملوا، قال البخاريُّ: قال ابن عباس: فِي تَقَلُّبِهِمْ، أي: في اختلافهم «٣» انتهى.
وقال المهدويُّ: قال قتادة: فِي تَقَلُّبِهِمْ: في أسفارهم «٤»، الضَّحَّاك: فِي تَقَلُّبِهِمْ: باللْيلِ انتهى.
وقوله: عَلى تَخَوُّفٍ، على جهة التخُّوف، والتخُّوفُ التنقُّص، وروي أن عمر بن الخطَّاب رضي اللَّه عنه خَفِيَ عليه معنى التخُّوف في هذه الآية، وأراد الكَتْبَ إلى الأمصار يسأل عن ذلك، فيروَى أنه جاءه فَتًى مِن العرب، فقال: يا أمير المؤمِنِين، إِنَّ أَبي يتخَّوفُنِي مَالي، فقَالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ! أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ «٥»، ومنه قول النابغة: [الطويل]
(٢) أي: تجمع بها ما تفرق من أمري.
ينظر: «النهاية» (٢/ ٤٧٨).
(٣) أخرجه الطبري (٧/ ٥٩٠) برقم: (٢١٦١٣)، وذكره البغوي (٣/ ٧٠)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ٢٢٣)، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم.
(٤) أخرجه الطبري (٧/ ٥٩٠) برقم: (٢١٦١٥)، وذكره ابن كثير في «تفسيره» (٢/ ٥٧١)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ٢٢٣)، وعزاه لعبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٥) أخرجه الطبري (٧/ ٥٩١) برقم: (٨/ ٢١٦) بنحوه، وذكره ابن عطية (٣/ ٣٩٦)، والسيوطي في «الدر