
١٠٥]، ﴿الذِّكْرِ﴾ يعني التوراة، وهذا قول عامة المفسرين: أن أهل الذكر هم أهل الكتاب؛ يعني المؤمنين منهم في قول الأكثرين (١).
وقال أبو إسحاق: قيل: فاسألوا أهل الكُتب الذين يشهدون بهذا (٢)، لا من أجل أنهم من أهل هذه الملة، ولكن أهل الكتاب يعترفون أن (٣) الأنبياء كلهم بشر، فعلى هذا؛ المراد بأهل الذكر: أهل العلم بأخبار الماضين ومن أُنبِّئهم من الرسل، والذكر المراد به العلم؛ لأنه مقرون بالذكر ومتعلق به، إذ العالم من يذكر الدليل ولا يكون ساهيًا عنه، فحَسُن أن يقع الذكر موقع العلم.
وقال الزجاج: ويجوز -والله أعلم- قيل لهم: سلوا كلَّ من يُذْكَرُ بعلم، وافق هذه الملة أو خالفها (٤).
قال أهل المعاني: وفي هذه الآية دليل على أن الخصم إذا التبس عليه أمر رَدّ إلى أهل العلم بذلك (٥).
٤٤ - قوله تعالى: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ﴾ اختلفوا في الجالب لهذه
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٠١، بنحوه، وهو أحد قولين ذكرهما في الآية.
(٣) (أن) ساقط من (ع).
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٠١، بنصه، وهذا القول هو الراجح؛ لأنه موافق لعموم اللفظ، وحمل اللفظ على عمومه أولى ما لم يرد له مخصص، والرواية المخصص بأهل الكتاب عن ابن عباس، هي من طريق الضحاك وهي منقطعة.
(٥) ورد في "تفسير الطوسي" ٦/ ٣٨٤، بنحوه.

الباء (١)؛ فعند الفراء: لا يجوز أن تتعلق بأرسلنا المذكور في الآية الأولى؛ لأن صلة ما قبل إلاَّ لا تتأخر بعد إلاَّ، ولكنّه يقول: تقدير الآية: أرسلناهم بالبينات (٢)، فالباء تتعلق بأرسلناهم المضمر المدلول عليه بأرسلنا المذكور، قال: ومثله قوله: ما ضرب إلا أخوك زيدًا، وما مرّ إلا أخوك يزيد، تريد ما مرّ إلا أخوك، ثم تقول: مرّ يزيد، فهذا إنما يجوز على كلامين، ولا يجوز أن يكون ما بعد إلاَّ موصولاً بما قبله، ومن هذا الجنس قول الشاعر:
نُبِّئْتُهُمْ عَذَّبُوا بالنّارِ جارَتهَمْ | وهل يُعذِّبُ إلاّ اللهُ بالنّارِ (٣) |
أَبَنِي لُبَيْنَى لَسْتُمُ بِيَدٍ | إلاّ يَدٍ لَيْسَتْ لَها عَضُدُ (٦) |
(٢) فيكون تأويل الكلام: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم أرسلناهم بالبينات والزبير وأنزلنا إليك الذكر.
(٣) ورد غير منسوب في "تفسير الطبري" ١٤/ ١١٠، و"الإملاء" ٢/ ٨١، فيه: (لا) بدل (هل)، والثعلبي ٢/ ١٥٧ أ، والطوسي ٦/ ٣٨٥، و"الفريد في إعراب القرآن" ٣/ ٢٢٨، و"الدر المصون" ٧/ ٢٢٢، و"شرح التصريح" ١/ ٢٨٤، قال الأزهري: فقدم الفاعل المحصور بإلا على المجرور بالباء، وطوى ذكر المفعول، وهل بمعنى ما، وأصل الكلام: ما يعذب أحدٌ أحدًا بالنار إلا الله.
(٤) ما بين القوسين ساقط من (أ)، (د).
(٥) هو أوس بن حجر (جاهلي).
(٦) "ديوانه" ص ٢١، ووردت اليد الثانية منصوبة (إلا يدًا) وليس في هذه الرواية =