آيات من القرآن الكريم

بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
ﰄﰅﰆﰇﰈ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ

لا المهاجرون مطلقا فان السورة مكية- روى- ان رسول الله ﷺ لما رأى ما نزل بالمسلمين من توالى الأذى عليهم من كفار قريش قال لهم (تفرقوا فى الأرض فان الله سيجمعكم) قالوا الى اين نذهب قال (اخرجوا الى ارض الحبشة فان بها ملكا عظيما لا يظلم عنده أحد وهى ارض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه) فهاجر إليها ناس ذو عدد قال بعضهم كانوا فوق ثمانين مخافة الفتنة فرارا الى الله تعالى بدينهم منهم من هاجر الى الله باهله كعثمان بن عفان رضى الله عنه هاجر ومعه زوجته رقية بنت النبي ﷺ وكان أول خارج ومنهم من هاجر بنفسه وفى الحديث (من فر بدينه من ارض الى ارض وان كان شبرا من الأرض استوجب له الجنة وكان رفيق أبيه خليل الله ابراهيم ونبيه محمد عليها السلام) لَنُبَوِّئَنَّهُمْ لننزلنهم فِي الدُّنْيا حَسَنَةً اى مباءة حسنة وهى المدينة المنورة حيث آواهم أهلها ونصروهم. يقال بوأه منزلا أنزله والمباءة المنزل فهى منصوبة على الظرفية او على انها مفعول ثان ان كان لنبوئنهم فى معنى لنعطينهم وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ المعد لهم فى مقابلة الهجرة أَكْبَرُ مما يعجل لهم فى الدنيا فى المدارك الوقف لازم عليه لان جواب قوله لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ محذوف والضمير للكفار اى لو علموا ان الله تعالى يجمع لهؤلاء المهاجرين خير الدارين لوافقوهم فى الدين ويجوز ان يعود الى المؤمنين المهاجرين فانهم لو علموا علم المشاهدة لازدادوا فى المجاهدة والصبر وأحبوا الموت وليس الخبر كالمعاينة الَّذِينَ اى المهاجرون هم الذين صَبَرُوا على مفارقة الوطن الذي هو حرم الله المحبوب فى كل قلب فكيف بقلوب قوم هو مسقط رؤسهم- روى- ان النبي ﷺ لما توجه مهاجرا الى المدينة وقف ونظر الى مكة وبكى وقال (والله انى لا خرج منك وانى لا علم انك أحب بلاد الله الى الله تعالى وأكرمها على الله ولولا ان أهلك أخرجوني منك ما خرجت) قال الهمام

مشتاب ساربان كه مرا پاى در كلست در كردنم ز حلقه زلفش سلاسلست
تعجيل ميكنى تو و پايم نمى رود بيرون شدن ز منزل اصحاب مشكلشت
چون عاقبت ز صحبت ياران بريد نيست پيوند با كسى نكند هر كه عاقلست
وكذا صبروا على مفارقة الأهل والشدائد من اذية الكفار وبذل الأرواح ونحو ذلك وَعَلى رَبِّهِمْ خاصة يَتَوَكَّلُونَ منقطعين اليه معرضين عما سواه مفوضين اليه الأمر كله والمعنى على المضي والتعبير بصيغة المضارع لاستحضار صورة توكلهم البديعة والاشارة وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ بالأبدان عما نهى الله عنه بالشريعة وهاجروا بالله بالقلوب عن الحظوظ الاخروية برعاية الطريقة وهاجروا الى الله بالأرواح عن مقامات القربة ورؤية الكرامات بجذبات الحقيقة بل هاجروا عن الوجود المجازى مستهلكا فى بحر الوجود الحقيقي حتى لم يبق لهم فى الوجود سوى الله من بعد ما ردوا الى أسفل السافلين لننزلنهم على اقرب القرب فى حال حياتهم ولا جر الآخرة اى بعد الخروج من الدنيا والخلاص من حبس أوصاف البشرية وتلوثها بها اكبر اى أعظم وأجل وأصفى وأهنى وامرى مما كان لهم من حسنات الدنيا لو كانوا

صفحة رقم 36

يعلمون قدره ويؤدون شكره الذين صبروا على الائتمار بالأوامر وعلى الانتهاء عن النواهي بل صبروا على المجاهدات والمكابدات لنيل المشاهدات والمواصلات وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
صبروا بالله فى طلبه وتوكلوا على الله فى وجدانه فبالصبر ساروا وبالتوكل طاروا ثم فى الله حاروا حيرة لا نهاية لها الى الابد كما فى التأويلات النجمية اعلم ان من توكل على الله وانقطع اليه كفاه الله كل مؤونة ومن انقطع الى الدنيا وأهلها لا يتم امره فان اهل الدنيا لا تقدر على النفع وإيصال الخير ما لم يرد الله قال ابو سعيد الخراز قدس سره أقمنا بمكة ثلاثة ايام لم نأكل شيأ وكان بحذائنا فقير معه ركوة مغطاة بحشيش وربما أراه يأكل خبزا حوارى فقلت له نحن ضيفك فقال نعم فلما كان وقت العشاء مسح يده على سارية فناولنى درهمين فاشترينا خبزا فقلت بم وصلت الى ذلك فقال يا أبا سعيد بحرف واحد تخرج قدر الخلق من قلبك تصل الى حاجتك وَما أَرْسَلْنا وذلك ان مشركى قريش لما بلغهم النبي ﷺ الرسالة ودعاهم الى عبادة الله تعالى أنكروا ذلك وقالوا الله أعظم من ان يكون رسوله بشرا ولو أراد ان يبعث إلينا رسولا لبعث من الملائكة الذين عنده فنزل قوله تعالى وما أرسلنا مِنْ قَبْلِكَ اى الأمم الماضية إِلَّا رِجالًا آدمين لا ملكا وقوله تعالى جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا اى الى الملائكة او الى الأنبياء ولا امرأة إذ مبنى حالها على الستر والنبوة تقتضى الظهور ولا صبيا ونبوة عيسى فى المهد لا تنافيه إذ الرسالة أخص قال ابن الجوزي اشتراط الأربعين فى حق الأنبياء ليس بشئ نُوحِي إِلَيْهِمْ على ألسنة الملائكة فى الأغلب واكثر الأمر وفيه اشارة الى ان الرسالة والنبوة والولاية لا تسكن الا فى قلوب الرجال الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله

نه هر كس سزاوار باشد بصدر كرامت بفضلست ورتبت بقدر
فَسْئَلُوا اى فان شككتم فى ذلك فاسألوا يا معشر قريش أَهْلَ الذِّكْرِ علماء اهل الكتاب ليخبروكم ان الله تعالى لم يبعث الى الأمم السالفة إلا بشرا وكانوا يشاورونهم فى بعض الأمور ولذلك أحالهم الى هؤلاء للالزام إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ذلك وفى الآية اشارة الى وجوب المراجعة الى العلماء فيما لا يعلم وسئل الامام الغزالي رحمه الله من اين حصل لك الإحاطة بالعلوم أصولها وفروعها فتلا هذه الآية اى أفاد ان ذلك العلم الكلى انما حصل باستعلام المجهول من العلماء وترك العار وقدورد [الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها] يعنى ينبغى للمؤمن ان يطلب الحكمة كما يطلب ضالته بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ بالمعجزات والكتب والباء متعلقة بمقدر وقع جوابا عن سؤال من قال بم أرسلوا فقيل أرسلوا بالبينات والزبر. والبينات جمع بينة وهى الواضحة. والزبر جمع زبور وهو الكتاب بمعنى المزبور اى المكتوب وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ اى القرآن انما سمى به لانه تذكير وتنبيه للغافلين. يعنى انه سبب الذكر فاطلق عليه المسبب لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ كافة العرب والعجم ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ فى ذلك الذكر من الاحكام والشرائع وغير ذلك من احوال القرون المهلكة بافانين العذاب حسب أعمالهم الموجبة لذلك على وجه التفصيل بيانا شافيا كما ينبئ عنه صيغة التفعيل فى الفعلين وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ

صفحة رقم 37
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية