
وهكذا يدلُّنا الحق سبحانه على أن الأرض قد خُلِقت على مراحل، ويشرح ذلك قوله سبحانه:
صفحة رقم 7849
﴿قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ العالمين وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ﴾ [فصلت: ٩ - ١٠].
وهكذا عَلِمنا أن جِرْم الأرض العام قد خُلِق أولاً؛ وهو مخلوق على هيئة الحركة؛ ولأن الحركة هي التي تأتي بالمَيدان التأرجُّح يميناً وشمالاً وعدم استقرار الجِرْم على وَضْع، لذلك شاء سبحانه أن يخلق في الأرض الرواسي لتجعلها تبدو ثابتة غير مُقلقة والرَّاسي هو الذي يَثبت.
ولو كانت الأرض مخلوقة على هيئة الاستقرار لما خلق الله الجبال، ولكنه خلقَ الأرض على هيئة الحركة، ومنع أنْ تميدَ بخَلْق الجبال ليجعلَ الجبال رواسيَ للأرض.
وفي آية أخرى يقول سبحانه: ﴿وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب﴾ [النمل: ٨٨]. وكلمة ﴿وألقى﴾ تدلُّ على أن الجبال شيء متماسك وُضِع ليستقر.
ثم يعطف سبحانه على الجبال:

﴿وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً﴾ [النحل: ١٥].
ولم يَأْتِ الحق سبحانه فعل يناسب الأنهار، ومن العجيب أن الأسلوب يجمع جماداً في الجبال، وسيولة في الأنهار، وسبلاً أي طرقاً، وكُلُّ ذلك:
﴿لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [النحل: ١٥].
أي: أن الجَعْل كلَّه لعلنا نهتدي.
ونعلم أن العرب كانوا يهتدوا بالجبال، ويجعلون منها علامات، والمثَل هو جبل «هرشا» الذي يقول فيه الشاعر:
خُذُوا بَطْن هرشا أو قَفَاهَا فإنَّهُ | كِلاَ جَانِبي هرشا لَهُنَّ طَريقُ |
وكذلك قَوْل الحق سبحانه: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطور الأيمن﴾ [مريم: ٥٢].
وهكذا نجد من ضمن فوائد الجبال أنها علاماتٌ نهتدي بها إلى الطرق وإلى الأماكن، وتلك من المهام الجانبية للجبال.
أو:
﴿لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [النحل: ١٥].
باتعاظكم بالأشياء المخلوقة لكم، كي تهتدوا لِمَنْ أوجدها لكم.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: صفحة رقم 7851