آيات من القرآن الكريم

وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ ﱿ

أسلوب الدعوة إلى الله
النجاح المحقّق والدائم في الأعمال يتوقف على الأسلوب الناجح والمنهج المعقول، والخطة السليمة، وبما أن غرس العقيدة في القلب ليس أمرا سهلا، فيحتاج ذلك إلى حكمة في الخطاب، وإثارة العاطفة، وإقناع العقل، وتنبيه الفكر، وإذا استخدمت هذه الوسائل، ولم تحقق الهدف المطلوب، كان الموقف من المخاطبين متسما بالعناد وركوب الرأس، والتأثر بالأهواء والمصالح أو لعوامل أخرى كالتبعة إلى سيد أو قائد، والمهم التزام الأسلوب الحسن، كما قال الله تعالى في الدّعوة إلى دين الله تعالى:
[سورة النحل (١٦) : الآيات ١٢٥ الى ١٢٨]
ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥) وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦) وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (١٢٨)
«١» [النحل: ١٦/ ١٢٥- ١٢٨].
اشتملت الآيات على بيان أسلوب الدعوة إلى الله تعالى، وعلى العدالة والمماثلة في العقاب، وعلى الصبر في المحن والمصائب.
وسبب نزول الآية: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ... فيما
روى الحاكم والبيهقي والبزار عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقف على حمزة حين استشهد، وقد مثّل به، فقال، لأمثلنّ بسبعين منهم مكانك، فنزل جبريل، والنبي صلّى الله عليه وسلّم واقف، بخواتيم سورة النحل: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ...

(١) مضايقة وحرج. [.....]

صفحة رقم 1318

إلى آخر السورة، فكفّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأمسك عما أراد.
أي من الانتقام والأخذ بالثأر لحمزة.
فهذه الآية نزلت في شأن التمثيل بالحمزة رضي الله عنه في يوم أحد. وقيل لهرم ابن حبان حين احتضر: أوص، فقال: إنما الوصية في المال، ولا مال لي، وأوصيكم بخواتيم سورة النحل: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ الآيات.
والمعنى: ادع أيها النبي الناس إلى دين الله وشريعة ربك، وهي الإسلام، بالحكمة: أي بالقول المحكم، والموعظة الحسنة، أي بالعبرة والتوجيه والكلمة المؤثرة في القلوب، والتلطف بالإنسان، بإحلاله وتنشيطه، ليحذر الناس بأس الله تعالى، ويحققوا لأنفسهم النجاح، وجادلهم بالتي هي أحسن، أي وحاججهم محاجة تتصف بالحسن، والإقناع، وبالرفق واللين، ولطف الخطاب، والصفح عن المسيء، وقابل الإساءة بالإحسان، واقصد من الجدال الوصول إلى الحق، دون رفع الصوت أو السبّ أو التعيير أو التهكّم والاستهزاء، كما قال الله تعالى: وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت: ٢٩/ ٤٦].
ثم ذكر الله تعالى علة الأمر بالمجاملة في القول: وهي أنه سبحانه علم الشقي والسعيد من الناس، ومن حاد أو انحرف عن سبيل الله والحق، وهو مجازيهم على ضلالهم واهتدائهم حين لقاء ربهم، فله وحده الجزاء والحساب، لا لأحد من البشر ولو كان نبيا.
والعقاب ينبغي أن يكون بالمثل، فإن عاقبتم أحدا من الناس على إساءته أو جرمه، فعاقبوه بمثل فعله، فذلك هو موجب العدل، ولئن صبرتم على الأذى وصفحتم عن المسيء، فالصبر والعفو خير للصابرين أو العافين من الانتقام، لأن انتقام الله أشد، وعقابه أعظم. فهذه الآية كما تقدم بإجماع المفسرين مدنية نزلت في

صفحة رقم 1319

شأن التمثيل بحمزة رضي الله عنه يوم أحد. ولتأكيد مضمونها أمر الله نبيه بقوله:
اصبر أيها النبي على ما أصابك من أذى في سبيل الدعوة، وما صبرك إلا بعون الله وتوفيقه ومشيئته، ولا تجزع أو لا تحزن على إعراض المشركين والمخالفين المعادين، فإن الله قدّر ذلك، ولا تحزن على قتلى أحد، فترك الحزن مما يستعان به على الصبر، ولا تكن في غم وضيق صدر من مكرهم وتدبيرهم الكيد لك، ومحاولتهم إلحاق السوء والأذى بك، فإن الله كافيك وناصرك ومؤيدك.
إن الله مع المتقين الذين تركوا المحارم، واجتنبوا المعاصي، إنه تعالى معهم بالنصر والعون والتأييد، والله مع المحسنين أعمالهم برعاية الفرائض والمندوبات في فعل الخير، والقيام بالطاعة، وأداء الحقوق، وفعل الواجبات. والصبر: من التقوى والإحسان. إن هذه المعية لله مع المتقين والمحسنين معية خاصة، يراد بها الإعانة والتأييد والهداية.

صفحة رقم 1320
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية