آيات من القرآن الكريم

وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ

اللغَة: ﴿نُّطْفَةٍ﴾ النطفة الماء المهين الذي يتكون منه الإِنسان، مِن نطَف إذا قطر ﴿دِفْءٌ﴾ الدفء: ما يستدفئ به الإِنسان من البرد ﴿تُرِيحُونَ﴾ الرَّواح: رجوع المواشي بالعشي من المرعى ﴿تَسْرَحُونَ﴾ السَّراح: الخروج بها صباحاً إلى المرعى ﴿أَثْقَالَكُمْ﴾ الأثقال: الأمتعة جمع ثقل سميت أثقالاً لأنها ثقيلة الحمل ﴿جَآئِرٌ﴾ مائل عن الحق ﴿تُسِيمُونَ﴾ أسام الماشية تركها ترعى، وسامت هي إذا رعت حيث شاءت فهي سائمة ﴿ذَرَأَ﴾ خلق وأبدع ﴿مَوَاخِرَ﴾ أصل المخْر شقُّ الماء عن يمين وشمال يقال: مخرت السفينةُ إِذا جرت تشق الماء مع صوت ﴿تَمِيدَ﴾ تضطرب.

صفحة رقم 110

سَبَبُ النّزول: قال ابن عباس: لما نزل قوله تعالى ﴿اقتربت الساعة﴾ [القمر: ١] قال الكفار بعضهم لبعض: إنَّ محمداً يزعم أن القيامة قد اقتربت فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى ننظر، فلما امتدت الأيام قالوا يا محمد: ما نرى شيئاً مما تُخَوِّفنا به فأنزل الله تعالى ﴿أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ... ﴾ الآية.
التفسِير: ﴿أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ أي قرب قيام الساعة فلا تستعجلوا العذاب الذي أوعدكم به محمد، وإنما أتى بصيغة الماضي لتحقق وقوع الأمر وقربه، قال الرازي: لما كان واجب الوقوع لا محالة عبّر عنه بالماضي كما يقال للمستغيث: جاءك الغوثُ فلا تجزع ﴿سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أي تنزَّه الله عما يصفه به الظالمون، وتقدس عن إشراكهم به غيره من الأنداد والأوثان ﴿يُنَزِّلُ الملائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ﴾ أي يُنزّل الملائكة بالوحي والنبوة بإِرادته وأمره ﴿على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ أي على الأنبياء والمرسلين، وسمَّى الوحي روحاً لأنه تحيا به القلوب كما تحيا بالأرواح الأبدان ﴿أَنْ أنذروا أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ أَنَاْ فاتقون﴾ أي بأن أنذروا أهل الكفر أنه لا معبود إلا الله فخافوا عذابي وانتقامي، ثم ذكر تعالى البراهين الدالة على وحدانيته وقدرته فقال ﴿خَلَقَ السماوات والأرض بالحق﴾ أي خلقهما بالحق الثابت، والحكمة الفائقة، لا عبثاً ولا جُزافاً ﴿تعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أي تمجَّد وتقدَّس عن الشريك والنظير ﴿خَلَقَ الإنسان مِن نُّطْفَةٍ﴾ أي خلق هذا الجنس البشري من نطفةٍ مهينة ضعيفة هي المنيُّ ﴿فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ﴾ أي فإِذا به بعد تكامله بشراً مخاصمٌ لخالقه، واضح الخصومة، يكابر ويعاند، وقد خُلق ليكون عبداً لا ضداً قال ابن الجوزي: لقد خُلق من نطفة وهو مع ذلك يخاصم وينكر البعث، أفلا يستدل بأوله على آخره، وبأن من قدر على إيجاده أولاً قادرٌ على إِعادته ثانياً؟ ﴿والأنعام خَلَقَهَا﴾ أي وخلق الأنعام لمصالحكم وهي الإِبل والبقر والغنم ﴿لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾ أي لكم فيها ما تستدفئون به من البرد مما تلبسون وتفترشون من الأصواف والأوبار ﴿وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ أي ولكم فيها منافع عديدة من النسل والدر وركوب الظهر، ومن لحومها تأكلون وهو من أعظم المنافع لكم ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ أي ولكم في هذه الأنعام والمواشي زينةٌ وجمالٌ حين رجوعها عشياً من المرعى، وحين غُدوّها صباحاً لترعى، جمال الاستمتاع بمنظرها صحيحةً سمينةً فارهة ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأنفس﴾ أي وتحمل أحمالكم الثقيلة وأمتعتكم التي تعجزون عن حملها إلى بلدٍ بعيد لم تكونوا لتصلوا إليه إلا بجهدٍ ومشقة ﴿إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ أي إنَّ ربكم أيها الناس الذي سخَّر لكم هذه الأنعام لعظيمُ الرأفة والرحمة بكم ﴿والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ أي وخلق الخيل والبغال والحمير للحمل والركوب وهي كذلك زينة وجمال ﴿وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أي ويخلق في المستقبل ما لا تعلمونه الآن كوسائل النقل الحديث: القاطرات، والسيارات، والطائرات النفاثة وغيرها مما يجدُّ به الزمان وهو من تعليم الله

صفحة رقم 111

للإِنسان ﴿وعلى الله قَصْدُ السبيل﴾ أي وعلى الله جل وعلا بيانُ الطريق المستقيم، الموصل لمن يسلكه إلى جنات النعيم ﴿وَمِنْهَا جَآئِرٌ﴾ أي ومن هذه السبيل طريقٌ مائلٌ عن الحق منحرفٌ عنه، لا يوصل سالكه إلى الله وهو طريق الضلال، كاليهودية والنصرانية والمجوسية ﴿وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ أي لو شاء أن يهديكم إلى الإيمان لهداكم جميعاً ولكنه تعالى اقتضت حكمته أن يدع للإِنسان حرية الاختيار
﴿فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: ٢٩] ليترتب عليه الثواب والعقاب، ولما ذكر تعالى ما أنعم به عليهم من الأنعام، شرع في ذكر سائر النعم العظام وآياته المنبثة في الكائنات فقال ﴿هُوَ الذي أَنْزَلَ مِنَ السماء مَآءً﴾ أي أنزل المطر بقدرته القاهرة من السحاب ﴿لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ﴾ أي أنزله عذباً فراتاً لتشربوه فتسكن حرارة العطش ﴿وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ أي وأخرج لكم منه شجراً ترعون فيه أنعامكم ﴿يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزرع والزيتون والنخيل والأعناب﴾ أي يخرجها من الأرض بهذا الماء الواحد على اختلاف صنوفها وطعومها وألوانها ﴿وَمِن كُلِّ الثمرات﴾ أي ومن كل الفواكه والثمار يخرج لكم أطايب الطعام ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أي إن في إنزال الماء وإخراج الثمار لدلالة واضحة على قدرة الله ووحدانيته لقومٍ يتدبرون في صنعه فيؤمنون قال أبو حيان: ختم الآية بقوله: ﴿يَتَفَكَّرُونَ﴾ لأن النظر في ذلك يحتاج إلى فضل تأمل، واستعمال فكر، ألا ترى أن الحبة الواحدة إذا وُضعت في الأرض ومرَّ عليها زمن معيَّن لحقها من نداوة الأرض ما تنتفخ به فيُشق أعلاها فتصعد منه شجرة إلى الهواء، وأسفلها يغوص منه في عمق الأرض شجرةٌ أخرى وهي العروق، ثم ينمو الأعلى ويقوى وتخرج الأوراق والأزهار، والأكمام والثمار، المشتملة على أجسامٍ مختلفة الطبائع والألوان والأشكال والمنافع وذلك بتقدير قادرٍ مختار وهو الله تعالى ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اليل والنهار والشمس والقمر﴾ أي ذلّل الليل والنهار يتعاقبان لمنامكم ومعاشكم، والشمس والقمر يدوران لمصالحكم ومنافعكم ﴿والنجوم مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ﴾ أي والنجومُ تجري في فلكها بأمره تعالى لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ أي إن في ذلك الخلق والتسخير لدلائل باهرة عظيمة، لأصحاب العقول السليمة ﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأرض مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ﴾ أي وما خلق لكم في الأرض من الأمور العجيبة، من الحيوانات والنباتات، والمعادن والجمادات، على اختلاف ألوانها وأشكالها، وخواصها ومنافعها ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ أي لعبرةً لقومٍ يتعظون ﴿وَهُوَ الذي سَخَّرَ البحر﴾ أي وهو تعالى - بقدرته ورحمته - ذلّل لكم البحر المتلاطم الأمواج للركوب فيه والغوص في أعماقه ﴿لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً﴾ أي لتأكلوا من البحر السمك الطريَّ الذي تصطادونه ﴿وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ أي وتستخرجوا منه الجواهر النفيسة كاللؤلؤ والمرجان ﴿وَتَرَى الفلك مَوَاخِرَ فِيهِ﴾ أي وترى السفن

صفحة رقم 112

العظيمة تشق عُباب البحر جاريةً فيه وهي تحمل الأمتعة والأقوات ﴿وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ﴾ أي سخر لكم البحر لتنتفعوا بما ذُكر ولتطلبوا من فضل الله ورزقه سبل معايشكم بالتجارة ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أي ولتشكروا ربكم على عظيم إنعامه وجليل إفضاله ﴿وألقى فِي الأرض رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ﴾ أي نصب فيها جبالاً ثوابت راسيات لئلا تضطرب بكم وتميل قال أبو السعود: إن الأرض كانت كرةً خفيفة قبل أن تُخلق فيها الجبال، وكان من حقها أن تتحرك كالأفلاك بأدنى سبب فلما خُلقت الجبال توجهت بثقلها نحو المركز فصارت كالأوتاد لها ﴿وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ أي وجعل فيها أنهاراً وطرقاً ومسالك لكي تهتدوا إلى مقاصدكم ﴿وَعَلامَاتٍ وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ أي وعلامات يستدلون بها على الطرق كالجبال والأنهار، وبالنجوم يهتدون ليلاً في البراري والبحار قال ابن عباس: العلامات معالمُ الطرق بالنهار وبالنجم هم يهتدون بالليل ﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ﴾ الاستفهام إنكاري أي أتسوّون بين الخالق لتلك الأشياء العظيمة والنعم الجليلة، وبين من لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فضلاً عن غيره؟ أتشركون هذا الصنم الحقير مع الخالق الجليل؟ وهو تبكيت للكفرة وإِبطالٌ لعبادتهم الأصنام ﴿أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ أي أفلا تتذكرون فتعرفون خطأ ما أنتم فيه من عبادة غير الله؟ وهو توبيخٌ آخر ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَآ﴾ أي إن تعدوا نعم الله الفائضة عليكم لا تضبطوا عددها فضلاً عن أن تطيقوا شكرها ﴿إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي غفور لما صدر منكم من تقصير رحيم بالعباد حيث ينعم عليهم مع تقصيرهم وعصيانهم ﴿والله يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ أي يعلم ما تخفونه وما تظهرونه من النوايا والأعمال وسيجازيكم عليها ﴿والذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ أي والذين يعبدونهم من دون الله كالأوثان والأصنام لا يقدرون على خلق كل شيء أصلاً والحال أنهم مخلوقون صنعهم البشر بأيديهم، فكيف يكونون آلهة تعبد من دون الله؟ ﴿أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ﴾ أي وتلك الأصنام أمواتٌ لا أرواح فيها، لا تسمع ولا تبصر لأنها جمادات لا حياة فيها، فكيف تعبدونها وأنتم أفضل منها لما فيكم من الحياة؟ ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ أي ما تشعر هذه الأصنام متى يبعث عابدوها، وفيه تهكم بالمشركين لأنهم عبدوا جماداً لا يحس ولا يشعر ﴿إلهكم إله وَاحِدٌ﴾ أي إلهكم المستحق للعبادة إله واحدٌ لا شريك له ﴿فالذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ﴾ أي فالذين لا يصدّقون بالبعث والجزاء قلوبهم تنكر وحدانية الله عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ﴾ أي متكبرون متعظمون عن قبول الحق بعدما سطعت دلائله ﴿لاَ جَرَمَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ أي حقاً إن الله تعالى لا تخفى عليه خافية من أحوالهم يعلم ما يخفون وما يظهرون ﴿إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المستكبرين﴾ أي المتكبرين عن التوحيد والإِيمان ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ أي وإِذا سئل هؤلاء الجاحدون أيَّ شيء أنزل ربكم على رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ؟ ﴿قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأولين﴾ أي قالوا على سبيل الاستهزاء: ما أنزله ليس إلا خرافات وأباطيل الأمم السابقين ليس بكلام رب العالمين قال المفسرون: كان المشركون يجلسون على مداخل مكة يُنفّرون عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إذا

صفحة رقم 113

سألهم وفود الحاج ماذا أُنزل على محمد؟ قالوا أباطيل وأحاديث الأولين ﴿لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة﴾ أي قالوا ذلك البهتان ليحملوا ذنوبهم كاملةً من غير أن يُكفَّر منها شيء ﴿وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ أي وليحملوا ذنوب الأتباع الذين أضلوهم بغير دليلٍ أو برهان، فقد كانوا رؤساء يُقتدى بهم في الضلالة ولذلك حملوا أوزارهم وأوزار من أضلوهم ﴿أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ﴾ ألاَ للتنبيه أي فانتبهوا أيها القوم بئس الحمل الذي حملوه على ظهورهم، والمقصودُ المبالغة في الزجر ﴿قَدْ مَكَرَ الذين مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أي مكر المجرمون بأنبيائهم وأرادوا إطفاء نور الله من قبل كفار مكة، وهذا تسلية له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِّنَ القواعد﴾ أي قلع بنيانهم من قواعده وأسسه، وهذا تمثيلٌ لإِفساد ما أبرموه من المكر بالرسل ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ﴾ أي فسقط عليهم سقف بنيانهم فتهدّم البناء وماتوا ﴿وَأَتَاهُمُ العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ أي جاءهم الهلاك والدمار من حيث لا يخطر على بالهم، والآية مشهد كاملٌ للدمار والهلاك، وللسخرية من مكر الماكرين، وتدبير المدبرين، الذين يقفون لدعوة الله ويحسبون مكرهم لا يُردّ، وتدبيرهم لا يخيب، والله من ورائهم محيط ﴿ثُمَّ يَوْمَ القيامة يُخْزِيهِمْ﴾ أي يفضحهم بالعذاب ويذلهم ويهينهم ﴿وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ¤لَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ﴾ أي يقول تعالى لهم على سبيل التقريع والتوبيخ: أين هؤلاء الشركاء الذين كنتم تخاصمون وتعادون من أجلهم الأنبياء؟ أحضروهم ليشفعوا لكم، والأسلوب استهزاءٌ وتهكم ﴿قَالَ الذين أُوتُواْ العلم إِنَّ الخزي اليوم والسواء عَلَى الكافرين﴾ أي يقول الدعاة والعلماء شماتةً بأولئك الأشقياء إن الذلَّ والهوان والعذاب محيط اليوم بمن كفر بالله ﴿الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ أي تقبض الملائكة أرواحهم الخبيثة حال كونهم ظالمي أنفسهم بالكفر والإِشراك بالله ﴿فَأَلْقَوُاْ السلم مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سواء﴾ أي استسلموا وانقادوا عند الموت على خلاف عادتهم في الدنيا من العناد والمكابرة، وقالوا ما أشركنا ولا عصينا كما يقولون يوم المعاد
﴿والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ٢٣] ﴿بلى إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي يكذبهم الله ويقول: بلى قد كذبتم وعصيتم وكنتم مجرمين ﴿فادخلوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي أدخلوا جهنم ماكثين فيها أبداً ﴿فَلَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين﴾ أي بئست جهنم مقراً ومقاماً للمتكبرين عن طاعة الله.
البَلاَغة: تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي:
١ - الالتفات في ﴿فاتقون﴾ فهو خطاب للمستعجلين بطريق الالتفات.
٢ - أسلوب الإِطناب في ﴿أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ﴾ تأكيداً لسفاهة من عبد الأصنام ومثله ﴿لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾.
٣ - الطباق بين ﴿يُسِرُّونَ وَيُعْلِنُونَ﴾ وبين ﴿تُرِيحُونَ وتَسْرَحُونَ﴾.
٤ - صيغة المبالغة في ﴿خَصِيمٌ مُّبِينٌ﴾ وفي ﴿غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
٥ - طباق السلب في ﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ﴾.
٦ -

صفحة رقم 114

الجناس الناقص في ﴿لاَ يَخْلُقُونَ... وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾.
٧ - الاستعارة التمثيلية في ﴿قَدْ مَكَرَ الذين مِنْ قَبْلِهِمْ... فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ﴾ شبهت حال أولئك الماكرين بحال قومٍ بنوا بنياناً شديد الدعائم فانهدم ذلك البنيان وسقط عليهم فأهلكهم بطريق الاستعارة التمثيلية، ووجه الشبه أن ما عدوه سبباً لبقائهم، عاد سبباً لفنائهم كقولهم «من حفر حفرة لأخيه سقط فيها».
فَائِدَة: قال القرطبي: تسمى سورة النحل سورة النِّعم لكثرة ما عدَّد الله فيها من نعمه على عباده.

صفحة رقم 115
صفوة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع - القاهرة
الطبعة
الأولى، 1417 ه - 1997 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية