
مكة، وهاتان الآيتان سبق تفسيرهما في سورة البقرة (١).
١١٦ - قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ﴾ الآية. قال مجاهد: يعني البحيرة والسائبة (٢).
وقال ابن عباس: يعني قولهم: ﴿وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا﴾ (٣) [الأنعام: ١٣٩]، واختلفوا في وجه انتصاب الكذب؛ فقال الأخفش: جعل (ما تصف) اسمًا للفعل؛ كأنه قال: ولا تقولوا لوصف ألسنتِكم الكذب (٤)، ونحو هذا قال الكسائي (٥). والزجاج (٦)، سِوى أنْ قال صاحب النظم: واللام في (لِمَا) لامُ سبب وأجل، كما يقال: فعلت هذا لك، أي لأجلك وبسببك (٧)، والمعنى: ولا تقولوا لأجل وصفكم الكذب هذا حلال وهذا حرام؛ أي إنكم تُحِلُّون وتُحَرِّمون لأجل الكذب لا لغير، فليس لتحريمكم وتحليلكم معنى وسبب إلا الكذب فقط، فلا تفعلوا ذلك، هذا معنى قوله: إن دخول اللام في
(٢) "تفسير مجاهد" ص ٣٥٤، بنصه، أخرجه الطبري ١٤/ ١٨٩ بنصه من طريقين، وورد في: "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ١١٠، بنحوه، وانظر: "تفسير الخازن" ٣/ ١٤٠، و"الدر المنثور" ٤/ ٢٥٢، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم، وورد بلا نسبة في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٥ب، والبغوي ٥/ ٤٩ - ٥/ ٥٠.
(٣) انظر: "تفسير الخازن" ٣/ ١٤٠.
(٤) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٠٨، بنصه.
(٥) انظر: "تفسير الفخر الرازي" ٢٠/ ١٣١، وأبي حيان ٥/ ٥٤٥، و"الدر المصون" ٧/ ٢٩٧، و"تفسير الألوسي" ١٤/ ٢٤٧.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٢٢، بنصه.
(٧) انظر. "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٥٠٢، بنحوه عن ابن الأنباري.

(لِمَا) سبب لقوله: ﴿هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ﴾، وذكر وجهين آخرين في انتصاب الكذب؛ أحدهما: أن نصبه على نفي الخافض (١)، على تأويل لِمَا تصف ألسنتكم كذبًا؛ على جهة التفسير (٢) أو الحال، ثم ألحق به الألف واللام؛ كما قال الشاعر (٣):
وما قومي بِثَعْلَبةَ بنِ بَكْرٍ | ولا بفَزَارة الشُّعْرِ الرِّقابَا (٤) |
وقوله تعالى: ﴿لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾، وذلك أنهم كانوا ينسبون ذلك
(٢) أي التمييز. انظر: "المعجم المفصل في النحو العربي" ١/ ٣٦٥.
(٣) هو الحارث بن ظالم (جاهلي).
(٤) ورد في "الكتاب" ١/ ٢٠١، و"البيان والتبيين" ٤/ ١٠٠٨، و"المقتضب" ٤/ ١٦١، و"الأغاني" ١١/ ١٢٣، و"الإنصاف" ١٠٩، ١١٠، و"أمالي ابن الشجري" ٢/ ٣٩٨، و"شرح المفصل" ٦/ ٨٩، وفي بعض المصادر برواية: (الشُّعْرى رِقابا)، وفي جميع المصادر -ما عدا الإنصاف- (سعد) بدل (بكر)، قال في الانتصاف من الإنصاف: والمحفوظ (بثعلبة بن سعد)، وكذلك هو في نسب ثعلبة؛ فإنه ثعلبة بن سعد بن ذبيان، وفزارة هو ابن ذبيان أخو سعد بن ذبيان أبي ثعلبة، والشاعر في هذا البيت ينتفي من بني سعد بن ذبيان. (الشُّعْر): جمع أشعر، والشعرى مؤنث الأشعر، والأشعر: الكثير شعر القفا ومقدم الرأس، فهذا عندهم مما يتشاءم به، ويحمدون النّزع، وهو انحسار الشعر عن مقدم الرأس. والشاهد: أنه نصب الرقابا بقوله: (الشُّعْر) جمع أشعر، وهو هنا صفة مشبهة.
(٥) ذكر الواحدي أن صاحب النظم ذكر وجهين آخرين للنصب ولم يذكر إلا وجهًا واحدًا، وذكر السمين أربعة أوجه للنصب. انظر: "الدر المصون" ٧/ ٢٩٧.