آيات من القرآن الكريم

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ۖ لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ
ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ

الَّتِي يَسْلُكُهَا النَّاسُ إِلَيْهِ، فَبَيَّنَ أَنَّ الْحَقَّ مِنْهَا مَا هِيَ مُوَصِّلَةٌ إِلَيْهِ فَقَالَ: وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ كقوله وَأَنَّ هَذَا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الْأَنْعَامِ: ١٥٣] وَقَالَ: قالَ هَذَا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ [الْحِجْرِ: ٤١].
قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ قَالَ: طَرِيقُ الْحَقِّ عَلَى اللَّهِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ، وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ الْإِسْلَامُ. وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ يَقُولُ: وَعَلَى الله البيان، أي يبين الهدى والضلالة. وَكَذَا رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ، وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ، وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ هَاهُنَا أَقْوَى مِنْ حَيْثُ السِّيَاقِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ ثَمَّ طُرُقًا تُسْلَكُ إِلَيْهِ، فَلَيْسَ يَصِلُ إِلَيْهِ مِنْهَا إِلَّا طَرِيقُ الْحَقِّ وَهِيَ الطَّرِيقُ الَّتِي شَرَعَهَا وَرَضِيَهَا، وَمَا عَدَاهَا مَسْدُودَةٌ وَالْأَعْمَالُ فِيهَا مَرْدُودَةٌ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَمِنْها جائِرٌ أَيْ حَائِدٌ مَائِلٌ زَائِغٌ عَنِ الْحَقِّ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: هِيَ الطُّرُقُ الْمُخْتَلِفَةُ وَالْآرَاءُ وَالْأَهْوَاءُ الْمُتَفَرِّقَةُ كَالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ، وَقَرَأَ ابْنُ مسعود ومنكم جائر ثم أخبر تعالى أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَائِنٌ عَنْ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، فَقَالَ: وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً [يُونُسَ: ٩٩] وَقَالَ: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود: ١١٨- ١١٩].
[سورة النحل (١٦) : الآيات ١٠ الى ١١]
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١١)
لما ذكر تعالى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَنْعَامِ وَالدَّوَابِّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ نِعَمْتِهِ عَلَيْهِمْ فِي إِنْزَالِ الْمَطَرِ مِنَ السَّمَاءِ وَهُوَ الْعُلُوُّ مِمَّا لَهُمْ فِيهِ بُلْغَةٌ وَمَتَاعٌ لَهُمْ وَلِأَنْعَامِهِمْ، فَقَالَ: لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ أَيْ جَعَلَهُ عَذْبًا زُلَالًا يَسُوغُ لَكُمْ شَرَابُهُ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِلْحًا أُجَاجًا وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ: أي وأخرج لكم منه شَجَرًا تَرْعَوْنَ فِيهِ أَنْعَامَكُمْ. كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ فِيهِ تُسِيمُونَ، أَيْ تَرْعَوْنَ «١» وَمِنْهُ الْإِبِلُ السَّائِمَةُ، وَالسَّوْمُ: الرَّعْيُ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ السَّوْمِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ «٢».
وَقَوْلُهُ: يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ أَيْ يُخْرِجُهَا مِنَ الْأَرْضِ بِهَذَا الْمَاءِ الْوَاحِدِ عَلَى اخْتِلَافِ صُنُوفِهَا وَطَعُومِهَا وَأَلْوَانِهَا وروائحها وأشكالها،

(١) انظر تفسير الطبري ٧/ ٥٦٦، ٥٦٧.
(٢) أخرجه ابن ماجة في التجارات باب ٢٩. [.....]

صفحة رقم 481
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية