
٥- على الله تفضلا وكرما بيان السبيل المستقيم وهو الإسلام، وحذر من اتباع السبل الجائرة الحائدة عن الحق من الملل والأهواء الأخرى. والهداية بمشيئة الله تعالى، والتوفيق للهداية مقرون باختيار الإنسان لها.
أدلة أخرى لإثبات الألوهية والوحدانية
[سورة النحل (١٦) : الآيات ١٠ الى ١٦]
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١١) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٢) وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٣) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤)
وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥) وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦)
الإعراب:
وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ بالنصب عطفا على ما قبله، ومن قرأ بالرفع فهو مبتدأ، ومُسَخَّراتٌ خبره.

وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ مبتدأ وخبر، ومن قرأ بالنصب فهو حال.
وَما ذَرَأَ لَكُمْ معطوف بالجر على ذلِكَ في قوله: إِنَّ فِي ذلِكَ أي إن في ذلك وما ذرأ لكم، أو معطوف على اللَّيْلَ أي وسخر لكم ما خلق لكم فيها من حيوان ونبات.
مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ مُخْتَلِفاً حال.
أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ في موضع نصب على أنه مفعول لأجله، أي كراهة أن تميد بكم، أو لئلا تميد بكم، والوجه الأول أوجه لأن حذف المضاف أكثر من حذف «لا».
وَعَلاماتٍ منصوب بالعطف على قوله سَخَّرَ أي سخر الليل والنهار وعلامات، أو منصوب بتقدير: خلق، أي وخلق لكم علامات.
المفردات اللغوية:
تُسِيمُونَ أي ترعون دوابكم، والسوم: الرعي، ومنه الإبل السائمة إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أي إن في ذلك المذكور لعلامة دالة على وحدانيته تعالى لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ في صنعه، فيؤمنون، ويستدلون على وجود الصانع وحكمته، فإن من تأمل الحبة تقع في الأرض، ثم يخرج منها الزرع أو الشجر، ثم ينمو منها الأوراق والأزهار والثمار ذات الأجسام والأشكال المختلفة، مع اتحاد المواد، علم أن ذلك ليس إلا بفعل فاعل مختار مقدّس عن منازعة الأضداد والأنداد والشركاء.
وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ.. بأن هيأها لمنافعكم بِأَمْرِهِ بإرادته يَعْقِلُونَ يتدبرون ذَرَأَ خلق فِي الْأَرْضِ من حيوان ونبات وغير ذلك أَلْوانُهُ أشكاله وأصنافه يَذَّكَّرُونَ يتعظون سَخَّرَ الْبَحْرَ ذلّله للركوب والاصطياد والغوص فيه لَحْماً طَرِيًّا هو السمك حِلْيَةً تَلْبَسُونَها هي اللؤلؤ والمرجان وَتَرَى تبصر الْفُلْكَ السفن مَواخِرَ فِيهِ تمخر الماء، أي تشقه بجريها فيه، مقبلة مدبرة بريح واحدة وَلِتَبْتَغُوا تطلبوا، معطوف على لِتَأْكُلُوا مِنْ فَضْلِهِ تعالى بالتجارة تَشْكُرُونَ تعرفون نعم الله، فتقومون بحقها.
رَواسِيَ جبالا ثوابت أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ أي لئلا تتحرك بكم، أو خوف أن تضطرب يمينا وشمالا بكم، والميد: الحركة والاضطراب يمينا وشمالا وَسُبُلًا طرقا تَهْتَدُونَ إلى مقاصدكم.
وَعَلاماتٍ أمارات ومعالم تستدلون بها على الطرق نهارا، كالجبال والسهول.
وَبِالنَّجْمِ أي النجوم هُمْ يَهْتَدُونَ إلى الطرق والقبلة ليلا.
المناسبة:
هذه الآيات تتمة لأدلة إثبات وجود الله وتوحيده، ذكر منها هنا خلق النبات وأحواله، وأحوال العناصر الأربعة (الماء والتراب والنار والهواء) أما الماء

فيشمل المطر والبحر والأنهار، وأما التراب فيفهم من كلمة الأرض، وأما الحرارة فمن الشمس، وأما الهواء فهو أساس حياة الإنسان والحيوان والنبات، وكان واسطة تسيير الفلك في البحار.
التفسير والبيان:
تتابع الآيات التنبيه إلى أدلة أخرى لإثبات الذات الإلهية من حركة الكون وعالم النبات، والبحار، والجبال، وبدأ بعالم النبات الذي يتسبب بإنزال المطر من السماء، فقال سبحانه: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ.. أي إن الذي خلق السموات والأرض والإنسان والأنعام والدواب، هو الذي هيّأ ظروف الحياة للإنسان بإنزال المطر من السماء، فجعله عذبا زلالا يسوغ لكم شرابه، ولم يجعله ملحا أجاجا، وأخرج به شجرا ترعون فيه أنعامكم، وأنبت به لكم زرعا وزيتونا ونخيلا وأعنابا، ومن كل الثمرات على اختلاف أصنافها وألوانها وطعومها وروائحها وأشكالها، رزقا لكم تستطيعون به تحقيق قوام الحياة، والمراد بالشجر هنا: النبات مطلقا، سواء كان له ساق أم لا، كما نقل عن الزجاج، وهو حقيقة في الأول ويستعمل في الثاني بمعنى الكلأ لأنه الذي يعلف.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً.. أي في ذلك المذكور كله من إنزال الماء والإنبات لدلالة وحجة على أنه لا إله إلا الله، لقوم يتعظون ويتفكرون في تلك الأدلة لأنه لا مبدع ولا موجد لها غير الله الخالق الأحد، المستحق للتمجيد والعبادة، كما قال تعالى: أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً، فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ، ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها؟ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ؟ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ [النمل ٢٧/ ٦٠].
ثم نبّه الله تعالى على آياته الكونية العظام، ممتنا بنعمه عليكم، فقال: وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ.. أي وصير لكم ما ينفعكم من تعاقب الليل والنهار للنوم والاستراحة والسعي وكسب المنافع وقضاء المصالح، ودوران الشمس والقمر للإنارة وانتفاع الإنسان والحيوان والنبات بالحرارة والضوء ومعرفة عدد السنين

والشهور، وتزيين السماء بالنجوم الثوابت والسيارات في أرجاء السموات، نورا وضياء، ليهتدى بها في الظلمات، وكل منها يسير في فلكه بنظام دقيق وحركة مقدرة، لا زيادة فيها ولا نقص، وكل ذلك خاضع لسلطان الله وقهره، كقوله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ، يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ، يَطْلُبُهُ حَثِيثاً، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ [الأعراف ٧/ ٥٤].
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ.. إن في المذكور كله دلالات على قدرته تعالى الباهرة وسلطانه العظيم، لقوم يعقلون عن الله كلامه، ويفهمون حججه.
والسبب في ختم الآية السابقة بقوله: لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وختم هذه الآية بقوله: لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ لأن دلالة الأدلة السماوية العلوية على قدرة الله ووحدانيته ظاهرة لا تحتاج إلا لمجرّد العقل دون تأمل، وأما الأدلة الأرضية من الزرع والنخيل وغيرها فتحتاج في دلالتها على إثبات وجود الله إلى تفكر وتأمل وتدبر.
وبعد أن نبّه الله تعالى على معالم السماء، نبّه على ما خلق في الأرض من عجائب فقال: وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ.. أي وما خلق لكم في الأرض من أشياء مختلفة الألوان والأشكال والمنافع والخواص من نباتات ومعادن وجمادات وحيوانات.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً.. أي إن في المذكور جميعه لدلالات على قدرة الله، لقوم يذكّرون آلاء الله ونعمه، فيشكرونه عليها، وختمت هذه الآية الثالثة بالتذكر بعد ختم الأولى بالتفكر والثانية بالتعقل للتنبيه على أن المؤثر فيما وجد في الأرض هو الفاعل المختار الحكيم وهو الله سبحانه وتعالى.
وبعد أن احتجّ تعالى على إثبات الإله أولا بأجرام السموات، وثانيا ببدن الإنسان ونفسه، وثالثا بعجائب خلقة الحيوانات، ورابعا بعجائب طبائع

النباتات، ذكر خامسا الاستدلال على وجود الصانع بعجائب أحوال العناصر، مبتدئا بعنصر الماء، فقال:
وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ.. أي والله تعالى يمتن على عباده أيضا بتذليله البحر لهم، وتيسيره للركوب فيه، وإباحته السّمك حيّا وميتا، في الحلّ والإحرام، وخلقه اللآلئ والجواهر النفيسة فيه، وتيسير استخراج العباد له من قراره، حلية يلبسونها، وكذا الاستفادة من المرجان الذي ينبت في قيعانه:
يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ [الرحمن ٥٥/ ٢٢]، وتسخيره البحر لحمل السفن التي تمخره، أي تشقه وتجتازه في بلد إلى آخر، ولتبتغوا من فضله، أي ولتطلبوا فضل الله ورزقه بالتجارة فيه، ولتشكروا نعمه وإحسانه عليكم بما يسّره لكم في البحار.
وفي وصف اللحم بالطراوة بيان قدرة الله في إخراج العذب من المالح، ويدل أيضا على أنه يطلب أكله بسرعة لأنه يتسارع إليه الفساد.
ثم ذكر الله تعالى بعض النعم التي خلقها في الأرض فقال: وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ.. وهي نعم ثلاث:
الأولى- تثبيت الأرض بالجبال الرواسي، أي الثوابت لتقرّ ولا تضطرب أثناء دورانها بما عليها من كائنات حيّة، كما قال تعالى: وَالْجِبالَ أَرْساها [النازعات ٧٩/ ٣٢].
الثانية- إجراء الأنهار على وجه الأرض، ففيها حياة الأنفس والنبات والحيوان. وذكرها بعد الجبال لأن أكثر الأنهار إنما تتفجر منابعها من الجبال.
وتلك الأنهار كثيرة في العالم، منها القصير والغزير والطويل ومنها غير ذلك، وتتجه يمينا أو يسارا، أو جنوبا أو شمالا، أو شرقا أو غربا. والأودية التي تحدث أحيانا ترفد تلك الأنهار.

الثالثة- إيجاد السبل وهي الطرق والمسالك التي تسهل العبور والانتقال من أرض إلى أخرى، ومن بلد إلى بلد غيره، بل ومن جبل إلى سهل، كما قال تعالى في صفة الجبال: وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ، وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا، لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ [الأنبياء ٢١/ ٣١].
لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ أي لتهتدوا بتلك السّبل إلى مآربكم ومقاصدكم.
وَعَلاماتٍ أي وأظهر في الأرض علامات مخصوصة ومعالم معينة تؤدي إلى المقصود، فالعلامات: هي معالم الطرق، وهي الأشياء التي بها يهتدى، وهي الجبال والرياح ونحوها يستدل بها المسافرون برّا وبحرا، ومن كثرت أسفاره لطلب المال أو غيره مثل قريش، كان علمه بمنافع الاهتداء بالنجوم أوفى وأتمّ.
وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ أي والناس يهتدون في ظلام الليل بالنّجوم. وهذا يومئ إلى علم النّجوم أو الفلك.
فقه الحياة أو الأحكام:
أفادتنا الآيات فوائد عديدة هي:
١- الله تعالى هو منزل المطر بقدرته وحكمته، والمطر: ماء عذب صالح للشرب، ينبت الله به أشجارا وعروشا وكروما ونباتا ومراعي للأنعام، والماء سبب الحياة البشرية: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء ٢١/ ٣٠]. وفي ذلك الإنزال والإنبات دلالة على قدرة الله ووجوده ووحدانيته لقوم يتأملون ويتفكرون.
٢- والله سبحانه سخّر لعباده الليل والنهار للسكون والأعمال، كما قال تعالى: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ

[القصص ٢٨/ ٧٣]، وسخّر أيضا الشمس والقمر والنّجوم مذللات لمعرفة الأوقات، ونضج الثمار والزروع، والاهتداء بالنجوم في الظلمات.
٣- والله عزّ وجلّ سخّر ما ذرأ (خلق) في الأرض لكم، فما ذرأه الله سبحانه مسخّر مذلّل كالدّواب والأنعام والأشجار وغيرها. هذا مع العلم بأن بعض المخلوقات غير مذلل لنا، بدليل ما رواه مالك في الموطأ عن كعب الأحبار قال:
لولا كلمات أقولهن لجعلتني يهود حمارا، فقيل له: وما هنّ؟ فقال: أعوذ بوجه الله العظيم الذي ليس شيء أعظم منه، وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهنّ برّ ولا فاجر، وبأسماء الله الحسنى كلّها ما علمت منها وما لم أعلم، من شرّ ما خلق وبرأ وذرأ.
٤- إن في اختلاف ألوان المخلوقات لعبرة لقوم يذكّرون أي يتّعظون ويعلمون أن في تسخير هذه الكائنات لعلامات على وحدانية الله تعالى، وأنه لا يقدر على ذلك أحد غيره.
٥- والله سبحانه أنعم علينا بتسخير البحر لتناول اللحوم (الأسماك) واستخراج اللؤلؤ والمرجان، وللركوب، والتجارة، وللدفاع عن البلاد من أذى محتل وعدوان مستعمر. وتسخير البحر: هو تمكين البشر من التّصرف فيه وتذليله بالرّكوب والتّجارة وغير ذلك.
ويلاحظ أن الحنفية لا يجيزون أكل السمك الطافي على سطح ما البحر أو النهر، لقوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [المائدة ٥/ ٣]، ولحديث ضعيف
أخرجه أبو داود وابن ماجه عن جابر عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما نضب عنه الماء فكلوا، وما لفظه فكلوا، وما طفا فلا تأكلوا».
وأباح الجمهور أكل الطافي، لقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ، مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ [المائدة ٥/ ٩٦]،
ولحديث أبي هريرة عند أحمد ومالك

وأصحاب السنن الأربعة وابن أبي شيبة عن البحر «هو الطّهور ماؤه، الحلّ ميتته».
وقال أبو حنيفة رحمه الله: لو حلف لا يأكل اللحم، فأكل لحم السّمك، لا يحنث لأنه ليس بلحم عرفا. وقال الجمهور: إنه يحنث لأنه تعالى نصّ على كونه لحما في هذه الآية، وليس فوق بيان الله بيان.
وبما أن الله تعالى امتنّ على الرجال والنساء امتنانا عاما بما يخرج من البحر، فلا يحرم عليهم شيء منه، وإنما حرّم الله تعالى على الرّجال الذهب والحرير،
روي في صحيح الشيخين عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تلبسوا الحرير، فإنه من لبسه في الدّنيا، لم يلبسه في الآخرة».
وجمهور العلماء على تحريم اتّخاذ الرجال خاتم الذهب، ويجوز لهم التّختم بخاتم الفضة لأنه صلّى الله عليه وسلّم اتّخذ خاتما من فضة، فاتّخذ الناس خواتيم الفضة،
وقال: «إني اتّخذت خاتما من ورق، ونقشت فيه: محمد رسول الله، فلا ينقشن أحد على نقشه».
وهذا دليل على جواز نقش اسم صاحب الخاتم على خاتمه.
ومن حلف ألا يلبس حليّا، فلبس لؤلؤا لم يحنث عند أبي حنيفة، عملا بالعرف والعادة، والأيمان تختص بالعرف.
٦- والله تعالى جعل في الأرض نعما ثلاثا تستحق الشكر هي إلقاء الجبال الرواسي فيها لئلا تميد وتضطرب، وإجراء الأنهار، وجعل السّبل والطّرق منافذ عبور وانتقال بأمان. قال القرطبي: وفي هذه الآية: أدل دليل على استعمال الأسباب، وقد كان الله قادرا على تسكينها دون الجبال.
وجعل تعالى في الأرض علامات، أي معالم الطرق بالنهار، وجعل النّجوم وسائل اهتداء إلى المقاصد.