أن يكون المراد بالسبع الفاتحة؛ لأنها سبع آيات من القرآن الذي هو مثاني (١).
وقوله تعالى: ﴿وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ على هذا القول هوالسبع المثاني، إلا أنه أدخل الواو فيه لاختلاف اللفظين (٢)، كقوله (٣):
| إلى المَلِكِ القَرْمِ وابنِ الهُمَام | ولَيْثِ الكَتِيبَةِ في المُزْدَحَمْ |
٨٨ - قوله تعالى: ﴿لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ﴾ الآية. قال ابن عباس: نهى الله رسوله عن الرغبة في الدنيا، فحظر عليه أن يمد عينيه إليها رغبة فيها (٤)، وقال في رواية عطاء: ولا تتمنّ ما فضلنا به أحدًا من متاع الدنيا، ولا يقع في قلبك حلاوتها ولا شيء من زينتهم (٥)، فدل هذا التفسير
(٢) لعل توجيه الزمخشري أحسن؛ إذ قال: فإن قلت كيف صحّ عطف القرآن العظيم على السبع؟ وهل هو إلا عطف الشيء على نفسه؟! قلت: إذا عُني بالسبع الفاتحة أو الطوال فما وراءهن ينطلق عليه اسم القرآن؛ لأنه اسم يقع على البعض كما يقع على الكل، ألا ترى إلى قوله: ﴿بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ﴾ يعني سورة يوسف، وإذا عَنَيْت الأسباع فالمعنى: ولقد آتيناك ما يقال له السبع المثاني والقرآن العظيم؛ أي الجامع لهذين النعتين؛ وهو الثناء أو التثنية والعظم. "تفسير الزمخشري" ٢/ ٣١٩، وهناك توجيهات أخرى، انظرها في "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤١٦.
(٣) سبق عزوه.
(٤) أخرجه الطبري ١٤/ ٦١ بمعناه من طريق العوفي (غير مرضية)، وورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق: سيسي ٢/ ٣٧٠ بنصه، وانظر: "تفسير ابن كثير" ٢/ ٦١٤، و"الدر المنثور" ٤/ ١٩٧ وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.
(٥) "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ٢١٠.
على أن المراد بنهيه من مد العين نهيه عن التطلع إليه رغبة فيه، وإنما يكون مادًا عينيه إلى الشيء إذا أدام النظر نحوه، وإدامة النظر إلى الشيء يدل على استحسانه وتمنِّيه، ولهذا فسره ابن عباس بالنهي عن التمني، فكان -صلى الله عليه وسلم- لا ينظر إلى ما يستحسن من متاع الدنيا، حتى رُوي أنه نظر إلى نَعَم بني المُصْطَلِق (١) وقد عَبِست في أبوالها وأبعارها، (فَتَقَنَّع بثوبه وقرأ هذه الآية) (٢)، قال أهل المعاني: وذلك أن يجف أبعارُها وأبوالُها على أفخاذها إذا نزلت من العمل أيام الربيع، فيكثر شحومُها ولحومُها وهي أحسن ما تكون (٣).
وقوله تعالى: ﴿أَزْوَاجًا مِنْهُمْ﴾ قال الزجاج: أي أمثالًا في النِّعَم (٤)، يعني أن الأغنياء بعضهم أمثال بعض في الغنى والنعمة فهي أزواج، وقال ابن قتيبة: أي أصنافًا منهم (٥)، والزوج في اللغة الصنف (٦)، وقد ذكرنا
(٢) ورد في: "غريب الحديث" لأبي عبيد ١/ ٣٨٠ بنحوه، و"تهذيب اللغة" (عبس) ٣/ ٢٣٠٧ بنصه، وانظر: "النهاية" لابن الأثير ٣/ ١٧١، "الدر المنثور" ٤/ ١٩٧ وزاد نسبته إلى ابن المنذر، "تفسير الألوسي" ١٤/ ٨١.
(٣) ورد بنحوه في: غريب الحديث ١/ ٣٨٠، و"تهذيب اللغة" (عبس) ٧/ ٢٣٠٣، و"تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ٢١٠ بنصه.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨٦ بنصه.
(٥) "الغريب" لابن قتيبة ١/ ٢٤١ بلفظه.
(٦) انظر: (زوج) في: "المحكم" ٧/ ٣٦٥، و"اللسان" ٣/ ١٨٨٦.
ذلك؛ يعني أصناف الكفار من المشركين واليهود وغيرهم، وقال المفضل: ﴿أَزْوَاجًا مِنْهُمْ﴾ أي رجالا ونساءً أغنيناهم، فلا تمدنّ عينيك إلى ما أعطيناهم (١).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ قال ابن عباس: يريد على ما فاتك من الدنيا، قال أهل المعاني: معناه: لا تحزن لما أنعمت عليهم دونك، وقال الحسن: لا تحزن عليهم بما يصيرون إليه من العذاب بكفرهم (٢)، ونحو هذا قال الكلبي: لا تحزن على كفار قريش إن لم يؤمنوا ونزل بهم العذاب (٣)، ثم نزل يوم بدر.
وقوله تعالى: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ الخفض معناه في اللغة: نقيض الرفع، ومنه قوله تعالى في صفة القيامة: ﴿خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ﴾ [الواقعة: ٣] أي: أنها تخفض أهلَ المعاصي وترفع أهلَ الطاعة (٤)، فالخفض معناه الوضع، والجناح من الإنسان يده، قال الليث: يد الإنسان جناحاه (٥)، ومنه قوله: ﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ﴾ [القصص: ٣٢] والعرب تقول: فلان خافض الجناح، وخافض الطير، إذا كان وقورًا ساكنًا (٦) ومعنى الآية: كأنه يقول لِن واسْكُنْ لهم.
(٢) ورد بنحوه غير منسوب في "تفسير الماوردي" ٣/ ١٧١، "تفسير القرطبي" ١٠/ ٥٧.
(٣) انظر: تفسيره "الوسيط"، تحقيق: سيسي ٢/ ٣٧٠ بنصه، وورد بنحوه غير منسوب في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٥، وابن الجوزي ٤/ ٤١٦.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" "خفض" ١/ ١٠٦٦ بنصه.
(٥) "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ٢١١.
(٦) ورد في "تهذيب اللغة" (خفض) ١/ ١٠٦٦ بنصه، وانظر: "تفسير القرطبي" ١٠/ ٥٧.