
مرددة.
ومن قال: المثاني السبع الطوال - فقال: لأنه يثنى فيها حدود القرآن، وفرائضه، وعامة أحكامه. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ).
سماه عظيمًا، وسماه مجيدًا، وحكيمًا؛ وهو اسم الفاعلين، ولا عمل له ولا فعل في الحقيقة؛ لكنه يخرج - واللَّه أعلم - على وجوه:
يحتمل: سمَّاه عظيمًا مجيدًا؛ لما عظمه وشرفه ومجده، فهو عظيم مجيد حكيم: أي: محكم، الفعيل بمعنى المفعول، وذلك جائز في اللغة.
أو سماه بذلك لأن من تمسك به؛ وعمل به؛ يصير عظيمًا مجيدًا، حكيمًا، أو سماه عظيمًا مجيدًا حكيمًا: أي: جاء من عند عظيم هو مجيد حكيم، وأصل الحكيم: هو المصيب، الواضع كل شيء موضعه. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨)
يحتمل المراد بقوله: (عَينَيكَ) نفس العين.
ثم هو يحتمل وجهين:
أحدهما: نهى رسوله أن ينظر إلى مامتع أُولَئِكَ مثل نظرهم؛ لأنهم ظنوا أنهم إنما متعوا هذه الأموال في الدنيا لخطرهم وقدرهم عند اللَّه، وعلى ذلك قالوا: (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا) وقال: (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي...) الآية، ونحوه، ظنوا أنهم إنما متعوا في هذه الدنيا؛ لخطرهم وقدرهم عند اللَّه؛ لذلك قالوا ما قالوا؛ فنهاه أن ينظر إلى ذلك بعين الذين نظروا هم إليه؛ ولكن بالاعتبار.
والثاني: نهاه أن ينظر إلى ذلك نظر الاستكبار والتجبر على المؤمنين، والاستهزاء بهم على ما نظروا هم؛ لأنهم بما متعوا من أنواع المال استكبروا على الناس، واستهزءوا بهم؛ إذ البصر قد يقع أعلى ما ذكر، من غير تكلف؛ فيصير كأنه نهاه عن الرغبة والاختيار فيما متعوا فيه؛ لأن ما متعوا به هو ما ذكر، (وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا)، وقال في آية أخرى (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ).
وقوله: (لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) فيما متعوا فإنهم إنما متعوا لما ذكر، ويحتمل النهي عن مدّ

العين لا العين نفسه ولكن نفسه؛ كأنه قال: لا تمنَّيَن نفسك فيما متعوا هم ولا ترغبنها في ذلك؛ فإنه ليس يوسع ذلك عليهم لخطرهم وقدرهم؛ ولكن ليعلم أن ليس لذلك خطر عند اللَّه وقدر؛ حيث أعطى من افترى على اللَّه، وجحد نعمه وفضْله.
وفي الآية تفضيل الفقر على الغنى؛ لأنه نهى رسوله أن يمد عينيه إلى ما متعوا، ومعلوم أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إذا مدّ إلى ذلك ليس يمد للدنيا ولا لشهواته؛ ولكن يستعين به في أمر جهاد عدوه، ويعين به أصحابه في سبيل الخيرات، ثم نهاه مع ذلك عنه؛ دل أن الأخير والأفضل ما اختاره من الفقر، وقصور ذات يده. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَزْوَاجًا مِنْهُمْ).
أي: أصنافًا من الأموال، وألوانًا من النعم. وقَالَ بَعْضُهُمْ: (أَزْوَاجًا مِنْهُمْ): أي: الأغنياء منهم وأشباهه؛ فإن كان قوله: (أَزْوَاجًا مِنْهُمْ) هو أصناف الأموال - فهو على التقديم والتأخير، كأنه قال: لا تمدن عينيك إلى ما متعنا منهم أزواجًا.
وإن كان أزواجًا منهم هو أصناف الناس فهو على النظم الذي جرى به التنزيل؛ أي: لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به قومًا منهم.
وفي قوله: [(لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ)] دلالة نقض قول المعتزلة؛ لأنهم يقولون: إن اللَّه لا يعطى أحدًا شيئًا إلا ما هو أصلح له في الدِّين، ولو كان ما متع هَؤُلَاءِ أصلح لهم في الدِّين - لم ينه رسوله عن مد عينيه إليه، دلّ أنه قد يعطي ما ليس بأصلح في الدِّين، وكذلك قوله: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا)، أخبر أنه إنما يملى لهم ليزدادوا إثمًا، وهم يقولون: يملي لهم ليزدادوا خيرًا. وكذلك قوله: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ...) الآية، هذه الآيات كلها تنقض عليهم قولهم، وقد ذكرنا هذا في غير موضع فيما تقدم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ).