آيات من القرآن الكريم

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ
ﯗﯘﯙﯚﯛ

بينهما، وما قال: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا...) الآية. لم يكن ظنهم أنه خلقهما باطلا؛ ولكن لما أنكروا البعث صار في ظنهم خلقهما باطلا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) أي: أعرض عنهم، ولا تكافئهم بما آذوك بألسنتهم وفعلهم (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) فإني أكافئهم عنك على أذاهم إياك وصنيعهم يومئذ.
والصفح الجميل: هو ما لا نقض فيه ولا منة في العُرف؛ أي: اصفح الصفح ما يوصف فيه بتمام الأخلاق، وما لا نقض فيه ولا منة يحتمل الصفح الجميل: هو أن يصفح ولا يمنّ عليهم، كأنه أمره أن يصفح صفحًا لا منة فيه.
قوله تعالى: (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) فتجزى أنت على صفحك الجميل؛ وهم على أذاك. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (٨٦)
هذا يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه على علم بما يكون منهم من المعصية والخلاف خلقهم، لا خلقهم عن غفلة وجهل بذلك؛ ليعلم أنه لم يخلق الخلق لحاجة نفسه ولا لمنفعة نفسه، ولكن خلقهم ليمتحنهم بما أمرهم به ونهاهم، ولما يرجع إلى منافعهم وحوائجهم.
والثاني: إن ربك هو الخلاق لخلقه؛ العليم بمصالحهم بأن الصفح الجميل لهم، ذلك أصلح في دينهم من المكافأة. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧)
اختلف في قوله: (سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي): قَالَ بَعْضُهُمْ: (سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي): المثاني: هو القرآن كله؛ كقوله تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ). وقيل: سمي مثانيًا لترديد الأمثال فيه والعبر والأنباء؛ فإن كان على هذا فيكون قوله: (سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي): أي: سبعًا من القرآن العظيم.

صفحة رقم 461

ثم يحتمل السبع الطوال؛ على ما ذكر بعض أهل التأويل؛ كأنه قال: آتيناك سبعًا من القرآن العظيم. ويحتمل: (سَبْعًا) يعني فاتحة الكتاب من القرآن؛ أي: آتيناك فاتحة الكتاب من القرآن. وقال قوم: يقولون: سبع المثاني: فاتحة الكتاب، ويروون على ذلك حديثًا عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مروي عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " الحمدُ لله أم القرآن وأم الكتاب، والسبعُ المثاني " وعن أُبَي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " ما أنزل اللَّه في التوراة والإنجيل مثل أم القرآن؛ وهي السبع المثاني، وهي مقسومة بيني وبين عبدي؛ ولعبدي ما سأل ".
ومنهم من يقول: المثاني: القرآن كله؛ يذهب إلى ما ذكرنا من الآية؛ وبما يروى عن أبي هريرة أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " ما أنزلت في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور والقرآن مثلُها - يعني أمّ القرآن - وإنها سبع من المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت " ذكروا أنها سبع من المثاني؛ فإن كان سبع المثاني فاتحة الكتاب، يصير كأنه قال: ولقد آتيناك سبعًا؛ وهي المثانى، وإن كان سبعًا من المثاني هي السبع الطوال يكون هكذا: أي: آتيناك سبعًا؛ وهو المثاني. وروي أيضًا عن نبي اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وقال: " آتاني السبع الطوال مكان التوراة والمثاني مكان الإنجيل، وفضلني ربي بالمفصل " ثم إن ثبت ما روي في الخبر أن سبع المثاني فاتحة الكتاب وإلا الكفّ والإمساك عن ذلك أوْلى؛ لأنه لا حاجة بنا إلى معرفة ذلك، وليس يكون تسميتنا إياها سوى الشهادة، وما خرج مخرج الشهادة - من غير حصول النفع لنا - فالكف عنه والإمساك أولى.
ومنهم من يقول: هن المفضل.
ومن قال: المثاني فاتحةُ الكتاب - قال: لأنها تثنى في كل ركعة أو ما جعل فيها مكررة معادة؛ لأن كل حرف منها يؤدي معنى حرف آخر؛ فسمي مثاني بذلك.
ومن قال: المثاني: هو القرآن؛ قال: لما ذكرنا؛ لأن أمثاله، وأنباءه، وغيره معادة

صفحة رقم 462
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية