آيات من القرآن الكريم

لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ
ﭘﭙﭚﭛﭜ

(لعمرك) العمر والعمر بالفتح والضم واحد لكنهم خصوا القسم بالمفتوح لإيثار الأخف فإنه كثير الدور على ألسنتهم؛ ذكر ذلك الزجاج وهو اسم لمدة عمارة بدن الإنسان بالحياة والروح وعيشه والبقاء مدة حياته في الدنيا، والمعنى لعمرك قسمي أو يميني فحذف الخبر لدلالة الكلام عليه.
قال القاضي عياض: اتفق أهل التفسير في هذا أنه قسم من الله جل جلاله بمدة حياة محمد صلى الله عليه وسلم. وكذا حكى إجماع المفسرين على هذا المعنى أبو بكر بن العربي فقال: قال المفسرون بأجمعهم: أقسم الله تعالى هاهنا بحياة محمد ﷺ تشريفاً له، قال أبو الجوزاء: ما أقسم الله سبحانه بحياة أحد غير محمد ﷺ لأنه أكرم البرية عنده.
وعن ابن عباس قال: ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفساً أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره قال (لعمرك) الآية يقول وحياتك يا محمد وعمرك وبقائك في الدنيا وعيشك بها.
وعن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال: " ما حلف الله بحياة أحد إلا بحياة محمد ﷺ قال (لعمرك) الآية " أخرجه ابن مردويه، كذا في الدر المنثور للسيوطي.

صفحة رقم 185

قال ابن العربي: ما الذي يمنع أن يقسم الله سبحانه بحياة لوط ويبلغ به من التشريف ما شاء، وكل ما يعطيه الله سبحانه للوط من فضل يؤتى ضعفه من شرف لحمد ﷺ لأنه أكرم على الله منه، أو لا تراه سبحانه أعطى إبراهيم الخلة وموسى التكليم وأعطى ذلك لمحمد صلى الله عليه وسلم، قال فإذا أقسم الله سبحانه بحياة لوط فحياة محمد ﷺ أرفع، قال القرطبي: ما قاله حسن فإنه يكون قسمه سبحانه بحياة محمد ﷺ كلاماً معترضاً في قصة لوط عليه السلام.
فإن قيل قد أقسم الله سبحانه بالتين والزيتون وطور سينين ونحو ذلك فما فيها من فضل، وأجيب بأنه ما من شيء أقسم الله به إلا وفي ذلك دلالة على فضله على جنسه، وقيل الإقسام منه سبحانه بالتين والزيتون وطور سينين والنجم والضحى والشمس والليل ونحو ذلك هو على حذف مضاف هو المقسم به، أي وخالق التين وكذلك ما بعده، وفي قوله (لعمرك) أي وخالق عمرك.
وذكر صاحب الكشاف وأتباعه أن هذا القسم هو من الملائكة على إرادة القول، أي قالت الملائكة للوط لعمرك، ثم قال: وقيل الخطاب لرسول الله ﷺ وأنه أقسم بحياته وما أقسم بحياة أحد قط كرامة له. انتهى.
وقد كره كثير من العلماء القسم بغير الله سبحانه، وجاءت بذلك الأحاديث الصحيحة في النهي عن القسم بغير الله فليس لعباده أن يقسموا بغيره وهو سبحانه يقسم بما شاء من مخلوقاته لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
(إنهم لفي سكرتهم يعمهون) أي أنهم لفي غوايتهم وشدة غِلمَتهم التي أزالت عقولهم وتمييزهم بين خطئهم والصواب الذي يشار به إليهم

صفحة رقم 186

يتحيرون، جعل الغواية لكونها تذهب بعقل صاحبها كما تذهب به الخمر سكرة، والضمير لقريش على أن القسم بمحمد صلى الله عليه وسلم، والجملة اعتراض، أو لقوم لوط على أن القسم بلوط، قال قتادة: أي في ضلالهم يلعبون، وقال الأعمش لفي غفلتهم يترددون، وعمه من باب تعب كما في المختار.

صفحة رقم 187
فتح البيان في مقاصد القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي
راجعه
عبد الله بن إبراهيم الأنصاري
الناشر
المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر
سنة النشر
1412
عدد الأجزاء
15
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية