آيات من القرآن الكريم

ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ
ﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ

لِكُلِّ بَابٍ فَرِيقٌ يَدْخُلُ مِنْهُ، أَوْ لِكُلِّ طَبَقَةٍ مِنَ النَّارِ قِسْمٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ مَقْسُومٌ عَلَى طَبَقَاتِ أَقْسَامِ النَّارِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الَّتِي صَدَرَتْ مِنَ الشَّيْطَانِ لَدَى الْحَضْرَةِ الْقُدُسِيَّةِ هِيَ انْكِشَافٌ لِجِبِلَّةِ التَّطَوُّرِ الَّذِي تَكَيَّفَتْ بِهِ نَفْسُ إِبْلِيسَ مِنْ حِينِ أَبَى مِنَ السُّجُودِ وَكَيْفَ تَوَلَّدَ كُلُّ فَصْلٍ مِنْ ذَلِكَ التَّطَوُّرِ عَمَّا قَبْلَهُ حَتَّى تَقَوَّمَتِ الْمَاهِيَّةُ الشَّيْطَانِيَّةُ بمقوماتها كَامِلَة عِنْد مَا صَدَرَ مِنْهُ قَوْلُهُ: لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [سُورَة
الْحجر: ٣٩، ٤٠]، فَكُلَّمَا حَدَثَ فِي جِبِلَّتِهِ فَصْلٌ مِنْ تِلْكَ الْمَاهِيَّةِ صَدَرَ مِنْهُ قَوْلٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَهُوَ شَبِيهٌ بِنُطْقِ الْجَوَارِحِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى أَهْلِ الضَّلَالَةِ يَوْمَ الْحِسَابِ.
وَأَمَّا الْأَقْوَالُ الْإِلَهِيَّةُ الَّتِي أُجِيبَتْ بِهَا أَقْوَالُ الشَّيْطَانِ فَمَظْهَرٌ لِلْأَوَامِرِ التَّكْوِينِيَّةِ الَّتِي قَدَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي عِلْمِهِ لِتَطَوُّرِ أَطْوَارِ إِبْلِيسَ الْمُقَوِّمَةِ لِمَاهِيَّةِ الشَّيْطَنَةِ، وَلِلْأَلْطَافِ الَّتِي قَدَّرَهَا اللَّهُ لِمَنْ يَعْتَصِمُ بِهَا مِنْ عِبَادِهِ لِمُقَاوَمَةِ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ. وَلَيْسَتْ تِلْكَ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا بِمُنَاظَرَةٍ بَيْنَ اللَّهِ وَأَحَدِ مَخْلُوقَاتِهِ وَلَا بِغَلَبَةٍ مِنَ الشَّيْطَانِ لِخَالِقِهِ، فَإِنَّ ضَعْفَهُ تُجَاهَ عِزَّةِ خَالِقِهِ لَا يَبْلُغُ بِهِ إِلَى ذَلِك.
[٤٥- ٤٨]
[سُورَة الْحجر (١٥) : الْآيَات ٤٥ إِلَى ٤٨]
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (٤٦) وَنَزَعْنا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٧) لَا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ (٤٨)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ، انْتِقَالٌ مِنْ وَعِيدِ الْمُجْرِمِينَ إِلَى بِشَارَةِ الْمُتَّقِينَ عَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ فِي التَّفَنُّنِ.
وَالْمُتَّقُونَ: الْمَوْصُوفُونَ بِالتَّقْوَى. وَتَقَدَّمَتْ عِنْدَ صَدْرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.

صفحة رقم 54

وَالْجَنَّاتُ: جَمْعُ جَنَّةٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٥].
وَالْعُيُونُ: جَمْعُ عَيْنٍ اسْمٌ لِثُقْبٍ أَرْضِيٍّ يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ مِنَ الْأَرْضِ. فَقَدْ يَكُونُ انْفِجَارُهَا بِدُونِ عَمَلِ الْإِنْسَانِ. وَأَسْبَابُهُ كَثِيرَةٌ تَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ
فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٧٤]. وَقَدْ يَكُونُ بِفِعْلِ فَاعِلٍ وَهُوَ التَّفْجِيرُ.
وَجُمْلَةُ ادْخُلُوها مَعْمُولَةٌ لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ يُقَدَّرُ حَالًا مِنَ الْمُتَّقِينَ وَالْقَرِينَةُ ظَاهِرَةٌ.
وَالتَّقْدِيرُ: يُقَالُ لَهُمُ ادْخُلُوهَا. وَالْقَائِلُ هُوَ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ إِدْخَالِ الْمُتَّقِينَ الْجَنَّةَ.
وَالْبَاءُ مِنْ بِسَلامٍ لِلْمُصَاحَبَةِ.
وَالسَّلَامُ: التَّحِيَّةُ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٥٤].
وَالْأَمْنُ النَّجَاةُ مِنَ الْخَوْفِ.
وَجُمْلَةُ وَنَزَعْنا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ عَطْفٌ عَلَى الْخَبَرِ، وَهُوَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَالتَّقْدِيرُ: إِنَّ الْمُتَّقِينَ نَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ.
وَالْغِلُّ- بِكَسْرِ الْغَيْنِ- الْبُغْضُ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَزَعْنا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٤٣]، أَيْ مَا كَانَ بَيْنَ بَعْضِهِمْ مِنْ غِلٍّ فِي الدُّنْيَا.
وإِخْواناً حَالٌ، وَهُوَ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ، أَيْ كَالْإِخْوَانِ، أَيْ كَحَالِ الْإِخْوَانِ فِي الدُّنْيَا.
وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ فِي هَذَا الْعُمُومِ أَصْحَابُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْحَوَادِثِ الدَّافِعُ إِلَيْهَا اخْتِلَافُ الِاجْتِهَادِ فِي إِقَامَةِ مَصَالِحِ

صفحة رقم 55
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية