آيات من القرآن الكريم

رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ۗ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ
ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ

﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَوْ قَالَ: "أَفْئِدَةَ النَّاسِ" لَازْدَحَمَ عَلَيْهِ فَارِسُ وَالرُّومُ وَالْيَهُودُ (١) وَالنَّصَارَى وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ، وَلَكِنْ قَالَ: ﴿مِنَ النَّاسِ﴾ فَاخْتَصَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ أَيْ: لِيَكُونَ ذَلِكَ عَوْنًا لَهُمْ عَلَى طَاعَتِكَ وَكَمَا أَنَّهُ ﴿وَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ﴾ فَاجْعَلْ لَهُمْ ثِمَارًا يَأْكُلُونَهَا. وَقَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ: ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا﴾ [الْقَصَصِ: ٥٧] وَهَذَا مِنْ لُطْفِهِ تَعَالَى وَكَرَمِهِ وَرَحْمَتِهِ وَبَرَكَتِهِ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ مَكَّةَ شَجَرَةٌ مُثْمِرَةٌ، وَهِيَ تُجْبَى إِلَيْهَا ثَمَرَاتُ مَا حَوْلَهَا، اسْتِجَابَةً لِخَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
﴿رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ (٣٨) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٩) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (٤٠) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (٤١) ﴾
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِهِ أَنَّهُ قَالَ: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ﴾ أَيْ: أَنْتَ تَعْلَمُ قَصْدِي فِي دُعَائِي وَمَا أَرَدْتُ بِدُعَائِي لِأَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْقَصْدُ إِلَى رِضَاكَ وَالْإِخْلَاصِ لَكَ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا ظَاهِرَهَا وَبَاطِنَهَا، وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ مِنْهَا شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ.
ثُمَّ حَمِدَ رَبَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى مَا رَزَقَهُ مِنَ الْوَلَدِ بَعْدَ الْكِبَرِ، فَقَالَ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ أَيْ: إِنَّهُ لَيَسْتَجِيبُ لِمَنْ دَعَاهُ، وَقَدِ اسْتَجَابَ لِي فِيمَا سَأَلْتُهُ (٢) مِنَ الْوَلَدِ.
ثُمَّ قَالَ: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ﴾ أَيْ: مُحَافِظًا عَلَيْهَا مُقِيمًا لِحُدُودِهَا ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ أَيْ: وَاجْعَلْهُمْ كَذَلِكَ مُقِيمِينَ (٣) الصَّلَاةَ ﴿رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾ أَيْ: فِيمَا سَأَلْتُكَ فِيهِ كُلِّهِ.
﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾ وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: "وَلِوَالِدِي"، عَلَى الْإِفْرَادِ وَكَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْ أَبِيهِ (٤) لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ عَدَاوَتُهُ (٥) لِلَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، ﴿وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أَيْ: كُلِّهِمْ ﴿يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ أَيْ: يَوْمَ تُحَاسِبُ عِبَادَكَ فَتَجْزِيهِمْ (٦) بِأَعْمَالِهِمْ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنَّ شَرًّا فَشَرٌّ، [وَاللَّهُ أَعْلَمُ] (٧).

(١) في ت: "واليهود والروم".
(٢) في ت: "فيما سألت".
(٣) في ت، أ: "مقيمي".
(٤) في ت: "ابنه".
(٥) في أ: "أنه عدو".
(٦) في ت: "فيجزيهم".
(٧) زيادة من أ.

صفحة رقم 514
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
سامي سلامة
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1420
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية