
قوله: ﴿وَبَرَزُواْ للَّهِ جَمِيعاً﴾ - إلى قوله - ﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. المعنى: وبرزوا من قبورهم، (أي) ظهر هؤلاء الذين كفروا من قبورهم فصاروا بالبراز من الأرض جميعاً.
﴿فَقَالَ الضعفاء لِلَّذِينَ استكبروا﴾: أي قال التباع للمتبوعين المستكبرين في الدنيا عن عبادة الله تعالى.
﴿ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا﴾، في الدنيا، أي: نتبع أمركم لنا بمعصية الله، تعالى، وترك اتباع الرسل.
﴿فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ الله مِن شَيْءٍ﴾: أي: دافعون عنا (من العذاب) شيئاً. قال المتبوعون، وهم القادة للعضفاء، وهم التابعون: ﴿لَوْ هَدَانَا الله لَهَدَيْنَاكُمْ﴾: أي: لو أن لنا شيئاً ندفع به عذابه عنا اليوم، لبيناه حتى تدفعوا به العذاب عن أنفسكم.

﴿سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ﴾: أي: سواء علينا الجزع والصبر، ما لنا من خلاص، ومن ملجأ، ومن مهرب، ومن مَعْدِل، و " سواء " بمتدأ، وما بعده خبر.
قال محمد بن كعب القُرظي: بلغني أن أهل النار، يقول بعضهم لبعض: يا هؤلاء! إنه قد نزل بكم من العذاب والبلاء ما ترون، فلهم فلنصبر، فلعل الله ينفعنا كما صبر أهل لدنيا على طاعة الله ( تعالى)، فنفعهم الصبر. فأجمعوا رأيهم على الصبر، فصبروا، فطال صبرهم، ثك جزعوا فنادوا: ﴿سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ﴾ /: (أي) من ملجأ.
وقال ابن زيد: إن أهل النار قال بعضهم لبعض: تعالو فإنما أدرك أهل

الجنة الجنة ببكائهم، وتضرعهم لله تعالى. (تعالوا) نبكي، ونتضرع إلى الله، جل ذكرهز فبكوا وتضرعوا، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم، قالوا: تعالوا فإنما أدرك أهل الجنة الجنة بالصبر، تعالوا نصبر. فصيروا صبراً لم ير مثله، فلم ينفعهم ذلك، فعند ذلك قالوا: ﴿سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ﴾.
وروى مالك (Bهـ)، عن زيد بن أسلم أنه قال: صبروا (مائة) عام، ثم بكوا مائة عام. فقالوا: ﴿سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ﴾.
وروى كعب ابن مالك، عن أبيه، ورفعه إلى النبي ﷺ أنه قال: " يقول أهل النار إذا اشتد بهم العذاب: تعالوا نصبر، فيصبرون خمسمائة عام، فلما رأوا أن ذلك لا ينفعهم، قالوا: هلم فلنجزع، فيجزعون ويضجون خمسمائة عام، فلما رأوا

أن ذلك لا ينفعهم قالوا: ﴿سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ﴾ ".
ثم قال تعالى: (ذكره): ﴿وَقَالَ الشيطان لَمَّا قُضِيَ الأمر﴾. أي: قال إبليس لما دخل أهل الجنة، وأهل النار النار، واستقر بكل فريق قراره.
﴿إِنَّ الله وَعَدَكُمْ﴾: أيها الأتباع النار، ﴿وَوَعَدتُّكُمْ﴾: النصرة.
وقيل، معنى: ﴿وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق﴾: أي: وعد من أطاع (هـ) الجنة، ومن عصاه النار.
ووعدتكم أنا خلاف ذلك ﴿فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾ وعدي، وفي لكم الله بوعده.
﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ﴾: أي: ما كان لي عليكم فيما وعدتكم به من النصرة حجة، تنبتُ لي عليكم بالصدق قول (ي).

﴿إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي﴾: أي: دعوتكم إلى طاعتي، ومعصية الله، فأجبتموني. ﴿فَلاَ تَلُومُونِي﴾ " على إجابتكم إياي ﴿ولوموا أَنفُسَكُمْ﴾ عليها. ﴿مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ﴾ أي: بمغيثكم، ﴿وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾:
أي: بمغيثي يقال: أصرخت الرجل إصراخاً: أغثته.
﴿إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ﴾ أي: إني جحدت أن أكون شريكاً لله، (سبحانه) فيما أِركتموني فيه من عباد (ت) كم (من قبل): في الدنيا.
وقال قتادة: معناه: إني عصيت الله فيكم.
وقيل: (من قبل): أي: بطاعتكم إياي في الدنيا، وفيه بعد.
﴿إِنَّ الظالمين لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾: أي، إن الكافرين لهم اليوم عذاب موجع.

قال محمد بن كعب القرظي: فلما سمعوا مقالة إبليس هذه في خطبة يقوم بها عليهم، مقتوا أنفسهم، فنودوا: ﴿لَمَقْتُ الله أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمان فَتَكْفُرُونَ﴾ [غافر: ١٠].
روي أن إبليس اللعين يقوم فيقول: أين أوليائي فيجتمعون إليه فيقول: ﴿إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾.
قال الحسن: إذا كان يوم القيامة يقوم إبليس خطيباً على منبر من نار فيقول: ﴿إِنَّ الله وَعَدَكُمْ / وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾.
وقال قتادة: رحمة الله عليه في قوله: ﴿إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ﴾: معناه: إني " عصيت الله قبلكم ".
وقال سفيان الثوري (نظر الله إلى وجهه): {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ (أَشْرَكْتُمُونِ)

مِن قَبْلُ} [٢٤] يقول: كفرت بطاعتكم إياي في الدنيا.
وقال ابن عباس: ﴿مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ﴾: أي بنافعكم، وما أنتم بنافعي.
وقال الربيع بن أنس ( C) :( ما) أنا بمنجيكم وما أنتم بمنجي.
وقال محمد بن كعب: إنما قال ذلك، حين قال أهل الجنة: ﴿سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا﴾.
وروي (عن): عقبة بن عامر الجهني (Bهـ): ، قال: سمعت رسول الله يقول: " إذا جمع الله الأولين والآخرين، وفرغ من (القضاء): بين الناس، قال المؤمنون: قد قضى بيننا ربنا. فمن يشفع لنا عند ربنا، فيقول: انطلقوا بنا إلى من خلقه الله، وكلمه آدم. فيأتونه، فيقولون: اشفع لنا لى ربنا، فيقول: عليكم بنوح

فيأتون نوحاً، فيدلهم على إبراهيم، فيدلهم على موسى، فيأتون موسى، فيدلهم على عيسى. فيأتون عيسى، فيقول لهم: هل أدلكم على النبي الأمي. قال رسول الله ﷺ ( وعليهم أجمعين): فيأتوني فيسألوني أن أشفع لهم إلى ربهم، فيأذن الله لي بالقيام، فيثور لمجلسي أطيب ريح، شمها أحد، حتى آتي ربي فأشفع فيشفعني، (جل وعز): فيقول الكفار عنج ذلك: وقد وجد المؤمنون من يشفع لهم، فمن يشفع لنا؟ فيقولون: ما هو إلا إبليس، هو الذي أضلنا. فيأتون إبليس فيقولون له: قد وجد المؤمنون من يشفع لهم إلى ربهم فاشفع لنا إلى ربنا فإنك (أنت): أضللتنا فيقوم، فيثور من مجلسه أنتن ريح شمها أحد قط: فيعظم لجهنم فيقول: إبليس عند ذلك: ﴿إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق﴾ - إلى قوله - ﴿أَلِيمٌ﴾، وإنما ذكر الله هذا من أمر إبليس، تحذيراً من أعدائه. "
صفحة رقم 3802