آيات من القرآن الكريم

وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ۚ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ۖ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ
ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ

قوله: ﴿وَبَرَزُواْ للَّهِ جَمِيعاً﴾ - إلى قوله - ﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. المعنى: وبرزوا من قبورهم، (أي) ظهر هؤلاء الذين كفروا من قبورهم فصاروا بالبراز من الأرض جميعاً.
﴿فَقَالَ الضعفاء لِلَّذِينَ استكبروا﴾: أي قال التباع للمتبوعين المستكبرين في الدنيا عن عبادة الله تعالى.
﴿ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا﴾، في الدنيا، أي: نتبع أمركم لنا بمعصية الله، تعالى، وترك اتباع الرسل.
﴿فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ الله مِن شَيْءٍ﴾: أي: دافعون عنا (من العذاب) شيئاً. قال المتبوعون، وهم القادة للعضفاء، وهم التابعون: ﴿لَوْ هَدَانَا الله لَهَدَيْنَاكُمْ﴾: أي: لو أن لنا شيئاً ندفع به عذابه عنا اليوم، لبيناه حتى تدفعوا به العذاب عن أنفسكم.

صفحة رقم 3795

﴿سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ﴾: أي: سواء علينا الجزع والصبر، ما لنا من خلاص، ومن ملجأ، ومن مهرب، ومن مَعْدِل، و " سواء " بمتدأ، وما بعده خبر.
قال محمد بن كعب القُرظي: بلغني أن أهل النار، يقول بعضهم لبعض: يا هؤلاء! إنه قد نزل بكم من العذاب والبلاء ما ترون، فلهم فلنصبر، فلعل الله ينفعنا كما صبر أهل لدنيا على طاعة الله ( تعالى)، فنفعهم الصبر. فأجمعوا رأيهم على الصبر، فصبروا، فطال صبرهم، ثك جزعوا فنادوا: ﴿سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ﴾ /: (أي) من ملجأ.
وقال ابن زيد: إن أهل النار قال بعضهم لبعض: تعالو فإنما أدرك أهل

صفحة رقم 3796

الجنة الجنة ببكائهم، وتضرعهم لله تعالى. (تعالوا) نبكي، ونتضرع إلى الله، جل ذكرهز فبكوا وتضرعوا، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم، قالوا: تعالوا فإنما أدرك أهل الجنة الجنة بالصبر، تعالوا نصبر. فصيروا صبراً لم ير مثله، فلم ينفعهم ذلك، فعند ذلك قالوا: ﴿سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ﴾.
وروى مالك (Bهـ)، عن زيد بن أسلم أنه قال: صبروا (مائة) عام، ثم بكوا مائة عام. فقالوا: ﴿سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ﴾.
وروى كعب ابن مالك، عن أبيه، ورفعه إلى النبي ﷺ أنه قال: " يقول أهل النار إذا اشتد بهم العذاب: تعالوا نصبر، فيصبرون خمسمائة عام، فلما رأوا أن ذلك لا ينفعهم، قالوا: هلم فلنجزع، فيجزعون ويضجون خمسمائة عام، فلما رأوا

صفحة رقم 3797

أن ذلك لا ينفعهم قالوا: ﴿سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ﴾ ".
ثم قال تعالى: (ذكره): ﴿وَقَالَ الشيطان لَمَّا قُضِيَ الأمر﴾. أي: قال إبليس لما دخل أهل الجنة، وأهل النار النار، واستقر بكل فريق قراره.
﴿إِنَّ الله وَعَدَكُمْ﴾: أيها الأتباع النار، ﴿وَوَعَدتُّكُمْ﴾: النصرة.
وقيل، معنى: ﴿وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق﴾: أي: وعد من أطاع (هـ) الجنة، ومن عصاه النار.
ووعدتكم أنا خلاف ذلك ﴿فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾ وعدي، وفي لكم الله بوعده.
﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ﴾: أي: ما كان لي عليكم فيما وعدتكم به من النصرة حجة، تنبتُ لي عليكم بالصدق قول (ي).

صفحة رقم 3798

﴿إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي﴾: أي: دعوتكم إلى طاعتي، ومعصية الله، فأجبتموني. ﴿فَلاَ تَلُومُونِي﴾ " على إجابتكم إياي ﴿ولوموا أَنفُسَكُمْ﴾ عليها. ﴿مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ﴾ أي: بمغيثكم، ﴿وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾:
أي: بمغيثي يقال: أصرخت الرجل إصراخاً: أغثته.
﴿إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ﴾ أي: إني جحدت أن أكون شريكاً لله، (سبحانه) فيما أِركتموني فيه من عباد (ت) كم (من قبل): في الدنيا.
وقال قتادة: معناه: إني عصيت الله فيكم.
وقيل: (من قبل): أي: بطاعتكم إياي في الدنيا، وفيه بعد.
﴿إِنَّ الظالمين لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾: أي، إن الكافرين لهم اليوم عذاب موجع.

صفحة رقم 3799

قال محمد بن كعب القرظي: فلما سمعوا مقالة إبليس هذه في خطبة يقوم بها عليهم، مقتوا أنفسهم، فنودوا: ﴿لَمَقْتُ الله أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمان فَتَكْفُرُونَ﴾ [غافر: ١٠].
روي أن إبليس اللعين يقوم فيقول: أين أوليائي فيجتمعون إليه فيقول: ﴿إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾.
قال الحسن: إذا كان يوم القيامة يقوم إبليس خطيباً على منبر من نار فيقول: ﴿إِنَّ الله وَعَدَكُمْ / وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾.
وقال قتادة: رحمة الله عليه في قوله: ﴿إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ﴾: معناه: إني " عصيت الله قبلكم ".
وقال سفيان الثوري (نظر الله إلى وجهه): {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ (أَشْرَكْتُمُونِ)

صفحة رقم 3800

مِن قَبْلُ} [٢٤] يقول: كفرت بطاعتكم إياي في الدنيا.
وقال ابن عباس: ﴿مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ﴾: أي بنافعكم، وما أنتم بنافعي.
وقال الربيع بن أنس ( C) :( ما) أنا بمنجيكم وما أنتم بمنجي.
وقال محمد بن كعب: إنما قال ذلك، حين قال أهل الجنة: ﴿سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا﴾.
وروي (عن): عقبة بن عامر الجهني (Bهـ): ، قال: سمعت رسول الله يقول: " إذا جمع الله الأولين والآخرين، وفرغ من (القضاء): بين الناس، قال المؤمنون: قد قضى بيننا ربنا. فمن يشفع لنا عند ربنا، فيقول: انطلقوا بنا إلى من خلقه الله، وكلمه آدم. فيأتونه، فيقولون: اشفع لنا لى ربنا، فيقول: عليكم بنوح

صفحة رقم 3801

فيأتون نوحاً، فيدلهم على إبراهيم، فيدلهم على موسى، فيأتون موسى، فيدلهم على عيسى. فيأتون عيسى، فيقول لهم: هل أدلكم على النبي الأمي. قال رسول الله ﷺ ( وعليهم أجمعين): فيأتوني فيسألوني أن أشفع لهم إلى ربهم، فيأذن الله لي بالقيام، فيثور لمجلسي أطيب ريح، شمها أحد، حتى آتي ربي فأشفع فيشفعني، (جل وعز): فيقول الكفار عنج ذلك: وقد وجد المؤمنون من يشفع لهم، فمن يشفع لنا؟ فيقولون: ما هو إلا إبليس، هو الذي أضلنا. فيأتون إبليس فيقولون له: قد وجد المؤمنون من يشفع لهم إلى ربهم فاشفع لنا إلى ربنا فإنك (أنت): أضللتنا فيقوم، فيثور من مجلسه أنتن ريح شمها أحد قط: فيعظم لجهنم فيقول: إبليس عند ذلك: ﴿إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق﴾ - إلى قوله - ﴿أَلِيمٌ﴾، وإنما ذكر الله هذا من أمر إبليس، تحذيراً من أعدائه. "

صفحة رقم 3802
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية