آيات من القرآن الكريم

عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ
ﮋﮌﮍﮎﮏ

وأما معنى المقدار في اللغة (١) قال الليث: المقدار القدر، وأنشد (٢).

لو كانَ خَلْفَكَ أو أمَامَكَ هَائِبًا بَشَرًا سِوَاكَ لَهَابَكَ المِقْدَارُ
يعني الموت، وقال: المقدار أيضًا الهنداز (٣)، وهو ما يقدر به الشيء، فمن الأوّل يقال: الأشياء مقادير، ومن الثاني: يقال: الأشياء بمقادير، يقال: المطر ينزل بمقدار، أي بقدرَ وقدْر، والمقدار بالمعنيين يجوز في الآية؛ لأن كل شيء بقضاء عند الله وقدر، وكل شيء أيضًا عنده معلوم مقدر بمقدار لا يعلمه غيره.
٩ - قوله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ قال ابن عباس (٤): يريد علم ما غاب عن جميع خلقه، وما شهد بما علموا الكثير، فعلى هذا الغيب مصدر يريد به الغائب، ومثله الشهادة يريد به الشاهد، ومعنى قوله: مما علموا الكثير؛ لأن الكثير من الشاهد يعلمه الخلق.
وقوله تعالى: ﴿الْكَبِيرُ﴾ هو بمعنى العظيم والجليل، ومعناه يعود إلى كبر قدره واستحقاقه صفات العلو، وهو أكبر من كل كبير؛ لأن كل كبير يصغر بالإضافة إليه.
وقوله تعالى: ﴿الْمُتَعَالِ﴾ قال الحسن (٥): المتعالي عما يقول المشركون.
(١) "تهذيب اللغة" (قدر) ٣/ ٢٨٩٧، و"اللسان" (قدر) ٦/ ٣٥٤٨.
(٢) البيت بلا نسبة في "اللسان" (قدر) ٦/ ٣٥٤٨، و"تاج العروس" (قدر) ٧/ ٣٧٥.
(٣) الهنداز: معرب، وأصله بالفارسية أنْدازاه، يقال: أعطاه بلا حساب ولا هنْداز، ومنه: المُهَندزِ: الذي يقدر مجاري القُني والأبنية، إلا أنهم صيروا الزاي سينًا؛ لأنه ليس في كلام العرب زاي قبلها دال. "اللسان" (هندز) ٨/ ٤٧١٠.
(٤) القرطبي ٩/ ٢٨٩.
(٥) "زاد المسير" ٤/ ٣٠٩ والقرطبي ٩/ ٢٨٩، و"تفسير الحسن" ٢/ ٥١.

صفحة رقم 302

قال الأزهري (١): المتعالي: الذي جلَّ عن إلحاد الملحدين، وأثبت (٢) ابن كثير (ياء)، المتعالي وقفًا ووصلاً، وهو القياس، وليس ما فيه الألف واللام من هذا، كما لا ألف ولام فيه من هذا النحو، مثل: قاضٍ وغاز. قال سيبويه (٣): إذا لم يكن في موضع تنوين، فإن البيان أجود في الوقف، نحو قولك: هذا القاضي؛ لأنها ثابتة في الوصل، يريد أن اللام (٤) مع الألف واللام تثبت ولا تحذف، كما تحذف إذا لم يكن فيه الألف واللام، نحو: هذا قاضٍ، والياء مع غير الألف واللام تحذف في الوصل، فإذا حذفت في الوصل كان القياس أن تحذف في الوقف، وهي اللغة التي هي أشيع وأفشى، وأما إذا دخلت الألف واللام، فلا تحذف اللام في اللغة التي هي أكثر عند سيبويه.
فأما من حذف في الوصل والوقف، فإن سيبويه زعم أن من العرب من يحذف هذا في الوقف، يشبهه بما ليس فيه ألف ولام، إذ كانت تذهب الياء في الوصل في التنوين، لو لم يكن فيه ألف ولام، وهذا في الوقف، وأما في الوصل فكان القياس أن لا تحذف؛ لأنه يوجب (٥) حذف شيء، غير أن الفواصل تشبه القوافي.

(١) "تهذيب اللغة" (على) ٥/ ٣٠٩١.
(٢) من هنا نقل عن "الحجة" ٥/ ١٣، ١٤ بتصرف إلى نهاية النص.
(٣) "الكتاب" ٢/ ٢٨٨، باب ما يحذف من أواخر الأسماء في الوقف وهي الياءات.
(٤) كذا في جميع النسخ، ولعلها الياء كما في "الحجة" ٥/ ١٣، وإن قصد لام الكلمة صح المعنى.
(٥) كذا في النسخ ولا يستقيم المعنى إلا أن تقدر (لم) فيكون السياق؛ لأنه لم يوجب حذفه شيء. كما هو معنى ما في "الحجة" ٥/ ١٤.

صفحة رقم 303
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
عدد الأجزاء
1