آيات من القرآن الكريم

عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ
ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ

هو يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئة، وقد كتب على نفسه الرحمة لمن يتوب توبة نصوحا، وإن ربك لشديد العقاب لمن أصر على الذنب ولم يرجع نادما على ما فعل وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشورى ٤٠] وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت ٤٦].
ومع هذا كله يقول الذين كفروا: لولا أنزل عليه آية من ربه! لم يكتفوا بالآيات التي نزلت على محمد صلّى الله عليه وسلم.
عجبا لهم وأى عجب؟! ألم يكفهم أن الله أنزل القرآن حجته الباقية وآيته الخالدة فقيل لرسول الله تطمينا لقلبه: إنما أنت منذر ورسول، وما عليك إلا البلاغ، فلا يهمنك أمرهم ولا تعبأ به، لم يكتفوا بالقرآن وطلبوا معجزة موسى وعيسى من انقلاب العصا حية وإحياء الموتى، فرد الله عليهم بقوله: لكل قوم هاد من الأنبياء يأتى إليهم ومعه معجزة تتلاءم مع طبيعتهم وفنهم الذي برعوا فيه وقيل المعنى: إنما أنت رسول، ولكل قوم هاد هو الله- سبحانه وتعالى- يلجئهم إلى الخير وحده لا دخل لأحد غيره.
من مظاهر علمه وحكمته [سورة الرعد (١٣) : الآيات ٨ الى ١١]
اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (٨) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (٩) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (١١)

صفحة رقم 217

المفردات:
تَغِيضُ الْأَرْحامُ تنقصه الأرحام في زمن أو جسم يقال: غاض الماء إذا جف ونقص الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ما غاب وما حضر مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ مستتر بالليل وقيل ظاهر فيه وَسارِبٌ بِالنَّهارِ سرب: ذهب، وسارب: ذاهب بالنهار، أى ظاهر فيه. وقيل: المراد متوار فيه فهو من الأضداد في اللغة مُعَقِّباتٌ جمع معقبة والتاء للمبالغة لا للتأنيث، والمراد ملائكة يتعاقبون بالليل والنهار والٍ ناصر ينصرهم.
المناسبة:
يقول الله لنبيه: أنت منذر فقط، ولا عليك شيء بعد هذا ولكل قوم هاد ورسول، معه معجزاته المناسبة، المؤيدة له تبعا لعلم دقيق وحكم سامية إذ الله يعلم الغيب والشهادة إلخ.. الآيات.
وعلى الرأى الثاني في تفسير وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ فقد أتى بهذه الآيات للإشارة إلى أن هذه قدرته وهذا علمه فهو وحده القادر على هدايتهم بأى شكل، وأما أنت فنذير فقط.
المعنى:
الله وحده هو الذي يعلم ما تحمله المرأة في بطنها أهو ذكر أم أنثى؟ الله وحده يعلم الجنين في بطن أمه على أية كيفية يكون وضعه!! وفي أى وقت يكون مولده فالأشعة الحديثة لا تعلم إن كان الجنين ذكرا أم أنثى نعم أثبتت التجارب أن الله وحده هو الذي يعلم ذلك علما قطعيا لا شك فيه. وكثيرا ما قالوا: إن في بطن فلانة ذكرا ثم يكون أنثى! وصدق الله. الله يعلم ما تحمل كل أنثى ويعلم ما تنقصه الأرحام وما يزداد، والنقص والزيادة اللتان يعلمهما العالم البصير شاملان لكل نقص حسى أو معنوي وكذا الزيادة، وكل شيء عنده- تبارك وتعالى- بقدر قدره، وقضاء قضاه إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ وهذه الآية الكريمة تصف المولى- جل شأنه- بإحاطة

صفحة رقم 218

العلم وأنه يعلم ما غاب وما حضر، وأنه يعلم الباطن الذي خفى عن الخلق كما يعلم الظاهر المشاهد، وهو الكبير المتعالي عما يقوله المشركون السفهاء.
وإذا كان المولى يعلم السر والجهر والغيب والشهادة فسواء منكم أيها الناس من أسر القول وحدث به نفسه، ومن جهر به ليسمعه غيره يستوي هذا وذاك فالله عالم بكل شيء سواء عنده من هو مستتر في الظلمات، ومن هو ظاهر في الطرقات، من هو مستتر بالليل، ومن هو سارب وذاهب بالنهار على وجه السرعة والوضوح لكل فرد من الظاهر أو المستتر معقبات من الملائكة يتعاقبون على حفظه بالليل والنهار في وقت صلاة الصبح وصلاة العصر يتبادلون الحفظ والرعاية كما ورد في الحديث.
له معقبات من بين يديه ومن خلفه أى من أمامه ومن خلفه، والمراد من كل جهة هؤلاء الملائكة الحفظة يحفظونه من الوحوش والهوام والأخطار لطفا من المولى به وهم يحفظونه بأمر الله وإذنه وهذا معنى مِنْ أَمْرِ اللَّهِ فمن في الآية بمعنى الباء، وقيل المعنى: يحفظونه عن أمر الله لا عن أمر أنفسهم فهم موكلون به يحفظونه من الله أى عن أمره كقوله تعالى: أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ أى عن جوع وقيل المعنى: يحفظونه من الله أى من ملائكة العذاب حتى لا تحل بهم عقوبة لان الله لا يغير ما بقوم من نعمة وحفظ ورعاية حتى يغيروا ما بأنفسهم من الإيمان والعدل والاستقامة، ولا يظلم ربك أحدا.
نعم لكل إنسان منا حفظة يحفظونه من بأس الله وعذابه فإذا أعلم أنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد راقب ربه وخشي حسابه فاستقام أمره، وإذا كان الله قد جعل للإنسان حفظة يحفظونه بأمر الله فكيف يصاب بسوء؟ نعم يصاب إذا قدر له ذلك فهم يحفظونه من أمر الله بمعنى أن ذلك مما أمرهم به لأنهم لا يقدرون أن يدفعوا أمر الله.
إن الله لا يغير ما بقوم من نعمة وعافية وعز واستقلال حتى يغيروا ما بأنفسهم من الخير والأعمال الصالحة التي ترضى الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم وتثبت دعائم الدولة.
ولقد أثبت التاريخ الإسلامى صدق هذه النظرية القرآنية فالله لم يغير ما كان عند الأمة الإسلامية من عز ورفاهية وعلم واقتصاد حتى غيروا ما بأنفسهم من الخير والأعمال الصالحة التي ترضى الله ورسوله، وتثبت ما بأنفسهم حيث حكموا بغير

صفحة رقم 219
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية