آيات من القرآن الكريم

عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ
ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏ

- ٨ - اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ
- ٩ - عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ تَمَامِ عِلْمِهِ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَأَنَّهُ مُحِيطٌ بِمَا تَحْمِلُهُ الْحَوَامِلُ من كل الإناث، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ﴾ أَيْ مَا حَمَلَتْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، أَوْ حَسَنٍ أَوْ قَبِيحٍ، أَوْ شَقِيٍّ أَوْ سعيد، أو طويل العمر أو قصيره، كقوله تَعَالَى: ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ﴾ الآية، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ﴾ أَيْ خَلَقَكُمْ طَوْرًا مِنْ بَعْدِ طَوْرٍ، كَمَا قال تعالى:

صفحة رقم 271

﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ﴾. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فِي خَلْقِ أحدكم أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ ملكاً فيؤمر بأربع كلمات، بكتب رزقه وَعَمَلَهُ وَشِقِّيٌ أَوْ سَعِيدٌ»، وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «فَيَقُولُ الْمَلَكُ أَيْ رَبِّ! أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى! أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ؟ فَمَا الْأَجَلُ؟ فيقول الله ويكتب الملك».
وقوله تعالى: ﴿وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ﴾، قَالَ الْبُخَارِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ، لَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَدٌ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، وَلَا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إلا الله»، وقال ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ﴾ يَعْنِي السَقْطَ ﴿وَمَا تَزْدَادُ﴾، يَقُولُ: مَا زَادَتِ الرَّحِمَ فِي الْحَمْلِ عَلَى مَا غَاضَتْ حَتَّى وَلَدَتْهُ تَمَامًا، وَذَلِكَ أَنَّ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ تَحْمِلُ عَشْرَةَ أشهر، ومن تَحْمِلُ تِسْعَةَ أَشْهُرَ، وَمِنْهُنَّ مَنْ تَزِيدُ فِي الحمل، ومنهن من تنقص، فلذلك الْغَيْضُ وَالزِّيَادَةُ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَكُلُّ ذلك بعلمه تعالى، وعنه: مَا نَقَصَتْ مِنْ تِسْعَةٍ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: وَضَعَتْنِي أُمِّي وَقَدْ حَمَلَتْنِي فِي بَطْنِهَا سَنَتَيْنِ، وَوَلَدَتْنِي وَقَدْ نَبَتَتْ ثَنِيَّتِي، وَقَالَ ابن جريج، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَا يَكُونُ الْحَمْلُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ قَدْرَ مَا يَتَحَرَّكُ ظِلَّ مِغْزَلٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ﴾ قَالَ: مَا تَرَى مِنَ الدَّمِ فِي حَمْلِهَا وَمَا تَزْدَادُ عَلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ (وَبِهِ قَالَ الحسن البصري وقتادة والضحّاك)، وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا ﴿وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ﴾: إِرَاقَةُ الدم حتى يحس الولد، ﴿وَمَا تَزْدَادُ﴾ إن لم تهرق الدم تَمَّ الْوَلَدُ وَعَظُمَ، وَقَالَ مَكْحُولٌ: الْجَنِينُ فِي بطن أمه لا يَحْزَنُ وَلَا يَغْتَمُّ، وَإِنَّمَا يَأْتِيهِ رِزْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ مِنْ دَمِ حَيْضَتِهَا فَمِنْ ثَمَّ لَا تَحِيضُ الْحَامِلُ، فَإِذَا وَقَعَ إِلَى الْأَرْضِ استهل، واستهلاله استنكاره لِمَكَانِهِ، فَإِذَا قُطِعَتْ سُرَّتُهُ حَوَّلَ اللَّهُ رِزْقَهُ إلى ثديي أمه، حتى لا يحزن ولا يطلب وَلَا يَغْتَمَّ، ثُمَّ يَصِيرُ طِفْلًا يَتَنَاوَلُ الشَّيْءَ بِكَفِّهِ فَيَأْكُلُهُ، فَإِذَا هُوَ بَلَغَ قَالَ: هُوَ الْمَوْتُ أَوِ الْقَتْلُ أَنَّى لِي بِالرِّزْقِ؟ فَيَقُولُ مكحول: يا ويحك، غَذَّاكَ وَأَنْتَ فِي بَطْنِ أُمِّكَ، وَأَنْتَ طِفْلٌ صَغِيرٌ، حَتَّى إِذَا اشْتَدَدْتَ وَعَقَلْتَ قُلْتَ: هُوَ الْمَوْتُ أَوِ الْقَتْلُ أَنَّى لِي بِالرِّزْقِ؟ ثُمَّ قرأ مكحول: ﴿والله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أنثى﴾ الآية، وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ أَيْ بِأَجْلٍ، حَفِظَ أَرْزَاقَ خَلْقِهِ وَآجَالَهُمْ وَجَعَلَ لِذَلِكَ أَجَلًا مَعْلُومًا، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: أَنَّ إِحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَتْ إِلَيْهِ أَنَّ ابْنًا لَهَا فِي الْمَوْتِ، وَأَنَّهَا تُحِبُّ أَنْ يَحْضُرَهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا يَقُولُ: «إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَمُرُوهَا فَلْتَصْبِرْ وَلِتَحْتَسِبْ» الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ، وَقَوْلُهُ: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ أَيْ يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ مِمَّا يُشَاهِدُهُ الْعِبَادُ وَمِمَّا يَغِيبُ عَنْهُمْ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ ﴿الْكَبِيرُ﴾ الَّذِي هُوَ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، ﴿الْمُتَعَالِ﴾ أَيْ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، ﴿قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ وَقَهَرَ كُلَّ شَيْءٍ فَخَضَعَتْ لَهُ الرِّقَابُ وَدَانَ لَهُ الْعِبَادُ طَوْعًا وَكَرْهًا.

صفحة رقم 272
مختصر تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار القرآن الكريم، بيروت - لبنان
سنة النشر
1402 - 1981
الطبعة
السابعة
عدد الأجزاء
3
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية