آيات من القرآن الكريم

لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ ۖ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ
ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊ ﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛ

وهم لسوء فهمهم وتقديرهم يقولون: لولا أنزل عليه آية من ربه كأنهم لم يقتنعوا بالآيات المنزلة على النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم التي أهمها القرآن، يا عجبا كل العجب!! إن هذا لعجيب. وما أشد عنادكم وما أعظم كفركم!! الله يضل من يشاء، من يضله فلا سبيل إلى اهتدائه ولو أنزلت عليه كل آية، ويهدى إليه من أناب ورجع عن غيه وشيطانه.
ويهدى إليه الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم وتلين جلودهم، وتهدأ نفوسهم لذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب الثائرة، وتهدأ النفوس المضطربة، هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى وخير، ومثوبة وكرامة لهم يوم القيامة وحسن مآب ولا حرج على فضل الله.
رد على المشركين وبيان قدرة الله على كل شيء وتسلية النبي صلّى الله عليه وسلم [سورة الرعد (١٣) : الآيات ٣٠ الى ٣٤]
كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (٣٠) وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٣١) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٣٢) أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (٣٤)

صفحة رقم 232

المفردات:
قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ شققت وتصدعت حتى صارت قطعا يَيْأَسِ المراد يعلم، وقيل هو يأس على حقيقته قارِعَةٌ داهية تفجؤهم ونكبة تحل بهم فَأَمْلَيْتُ الإملاء والإمهال أن يترك الشخص ملاوة من الزمن في خفض وأمن كالبهيمة يملى لها في المرعى لتأكل ما تشاء قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ رقيب وحفيظ عليها بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بباطل من القول لا حقيقة له في الواقع أَشَقُ
أشد وأنكى واقٍ
حافظ.
طلبوا من النبي صلّى الله عليه وسلّم آية خلاف القرآن فرد الله عليهم بأن المسألة ليست آية تأتى، وإنما الهداية من الله، والرسول مبشر ونذير فقط، وهنا يقول: إن محمدا رسول كبقية الرسل وآيته القرآن، ولو أنزل عليكم ما تطلبونه وزيادة لما آمنتم:
المعنى:
مثل ذلك الإرسال الذي سبق مع الأمم الماضية أرسلناك يا محمد إرسالا له شأن وفضل، أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها الأمم فهي آخرها، وأنت خاتم الأنبياء والمرسلين لتتلو عليهم وتقرأ الذي أوحيناه إليك، وهو القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. فكيف يطلبون بعد ذلك آية؟!! وهم يكفرون بالرحمن المنعم بجلائل النعم، والذي وسعت رحمته كل شيء في

صفحة رقم 233

الكون، ومن رحمته إرسالك من أنفسهم وأنت عزيز عليك عنتهم حريص عليهم بالمؤمنين رءوف رحيم هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ [سورة الجمعة آية ٢]، وهذا القرآن الذي معك فيه شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة.. فكيف يكفرون بالرحمن؟!! قل لهم يا محمد: هو ربي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الذي كفرتم به وأشركتم به غيره وهو الله الأحد الفرد. الصمد. الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، عليه وحده توكلي وإليه وحده توبتي ورجوعي، وهذا بيان لفضل التوبة ومقدارها، وحث عليها إذ أمر بها- عليه الصلاة والسلام- وهو المنزه عن اقتراف الذنوب والآثام.
وروى أن نفرا من مشركي مكة فيهم أبو جهل، وعبد الله بن أمية جلسوا خلف الكعبة ثم أرسلوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتاهم فقال له عبد الله: إن سرك أن نتبعك فسير لنا جبال مكة بالقرآن فأذهبها عنا حتى تنفسخ فإنها أرض ضيقة فلست- كما زعمت- بأهون على ربك من داود حين سخر له الجبال تسير معه، وسخّر لنا الريح فنركبها إلى الشام نقضي عليها ميرتنا وحوائجنا، ثم نرجع من يومنا، فقد سخرت لسليمان الريح كما زعمت فلست بأهون على ربك من سليمان بن داود. وأحيى لنا جدك قصى ابن كلاب أو من شئت أنت من موتانا نسأله أحق ما تقول أنت أم باطل! فإن عيسى كان يحيى الموتى ولست بأهون على الله منه فأنزل الله: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ.
ولو ثبت أن قرآنا سيرت به الجبال وزحزحت عن أماكنها كما فعل بالطور لموسى، أو لو ثبت أن قرآنا شققت به الأرض وجعلت أنهارا وعيونا كما حدث للحجر حين ضربه موسى بعصاه، أو لو ثبت أن قرآنا كلم به أحد الموتى في قبورهم وأحياهم بتلاوته كما وقع لعيسى- عليه السلام- لو ثبت هذا لشيء من الكتب لثبت للقرآن المنزل على محمد لما اشتمل عليه من الآيات الكونية الدالة على عظم قدرة الله وبديع صنعه، ولما انطوى عليه من الحكم والأحكام التي فيها صلاح العباد في المعاش والمعاد، ولما فيه من القوانين الاقتصادية والسياسية والعمرانية التي تكفل للأمة أن تعيش عيشة سعيدة وتكون خير أمة أخرجت للناس.

صفحة رقم 234

لو أن ظهور أمثال ما اقترحوه مما تقتضيه الحكمة الإلهية لكان مظهر ذلك هو القرآن الذي لم يعدوه آية.
وقيل المعنى: لو أن قرآنا وقع به تسيير الجبال وتقطيع الأرض وتكليم الموتى، لما آمنوا به كقوله تعالى. وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [سورة الأنعام آية ١١١].
بل لله القدرة على كل شيء وهو القادر على الآيات التي اقترحوها وغيرها إلا أن علمه بأن إظهارها مفسدة يصرفه عن إظهارها ويمنعه.
وهم يكفرون بالرحمن في كل حال وعلى أى وضع، ولو ثبت أن قرآنا سيرت به الجبال إلخ الآية.
أنسوا!! أفلم يعلم الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا من غير أن يشاهدوا الآيات والمعجزات.
وقيل: إن المراد أفلم ييأس الذين آمنوا ويقنطوا من إيمان هؤلاء الكفار لعلمهم أن الله- تعالى- لو أراد إيمانهم لهداهم، وذلك أن بعض المؤمنين تمنوا نزول الآيات التي اقترحها الكفار طمعا في إيمانهم إذ لو أراد هدايتهم لهداهم.
ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة تقرعهم، وداهية تفجؤهم في أنفسهم وأموالهم وديارهم أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتى وعد الله وينتهى هذا العالم، وهكذا يحقق الله وعده ووعيده فهم دائما في حروب وفتن لا تنتهي أبدا إن لم تكن حربا حقيقية تكن حربا باردة، وأما أنت أيها الرسول فلا يحزنك أمرهم، ولا يؤلمك استهزاؤهم، ولقد استهزئ برسل من قبلك، ونالوا ما نالوا من قومهم، وقالوا لهم ما قالوا مما علمته في قصصهم، ولكن كانت العاقبة والدائرة عليهم ولقد أملى الله لهم، وأمهلهم حتى ارتكبوا التعاسيف وظن المسلمون بالله الظنون، ثم أخذهم ربك بالعذاب الأليم أخذ عزيز مقتدر فكيف كان عقاب؟! فهل من مدكر؟! أفمن هو قائم على كل نفس بالحفظ والرعاية والعناية والكلاءة وهو المولى القدير كمن ليس بهذه الصفة من معبوداتكم التي لا تضر ولا تنفع؟ بل إن يسلبهم أحقر الحيوانات شيئا لا يستنقذوه منه.

صفحة رقم 235
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية