
وقال عطاء: ﴿وَيَدْرَءُونَ بالحسنة السيئة﴾: السلام.
ويروى أن قوله: ﴿أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ﴾ الآية نزلت في حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهـ، وفي أبي جهل بن هشام لعنه الله.
ثم قال تعالى: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾ إلى قوله ﴿وَحُسْنُ مَآبٍ﴾. معناه: أنه فسر ﴿عقبى الدار﴾ ما هي؟ فقال: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ أي: جنات إقامة لاظَعْنَ معها، بدخلها هم ﴿وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ﴾: أي: من عمل صالحاً منهم.
قال ابن مسعود: جنات عدن: بُطنانُ الجنة.
قال ابن مسعود: جنات عدن: بُطنانُ الجنة.
قال أبو مِجْلَز: علم الله ( تعالى) أن المؤمن يحب أن يجمع له شمله، فجمعهم الله ( تعالى)، له في الآخرة.

وقال ابن جريج: معناه من آمن في الدنيا.
ثم أخبرنا الله ( تعالى) عن حالهم إذا دخلوا الجنة، فقال: ﴿وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ﴾ يقولون: ﴿سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ﴾ على طاعة الله ( تعالى) في الدنيا. ﴿فَنِعْمَ عقبى الدار﴾. وسلام عليكم: خبر، معناه: الدعاء لهم، أي: سلمكم الله بما صبرتم، وليس هو تحية، لأن التحية ليست بجزاء للصبر. ولكن دعاء الملائكة لهم بالسلامة جزاء الصبر. والخبر: يأتي بمعنى الدعاء، كثير في القرآن والكلام.
وقوله: ﴿فَنِعْمَ عقبى الدار﴾: الخبر محذوف، وتقديره: فنعم عقبى الدار ما أنتم فيه.
وذكر أن لجنات عدن خمسة آلاف باب.
روي عن ابن عمر (و) أنه قال: إن في الجنة قصراً، يقال له: عدن، حوله

البروج والمروج، فيه خمسة آلاف، (باب، على كل باب خمسة آلاف) حِبْرة، لا يدخله إلا نبي، أو صديق، أو شهيد.
وقال الضحاك: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ مدينة الجنة، فيها الرسل والأنبياء، وأئمة الهدى، والناس حولهم بعد، والجنات حولها.
ومعنى: ﴿بِمَا صَبَرْتُمْ﴾: أي بصبركم في الدنيا على عمل الطاعات، وعلى الانتهاء عن المعاصي. وهذا هو أفضل الصبر، أن يصبر الإنسان على فعل ما أمر (هـ) الله به، وعلى ترك ما نهاه (الله) عنه.
وروي أن قوله: ﴿أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾ [الرعد: ١٩] الآية، نزلت في حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهـ، وفي أبي جهل، لعنه الله.
ثم أخبرنا الله بحال الكفار، بعد إخباره لنا بحال المؤمنين، فقال:

﴿الذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله وَلاَ يَنقُضُونَ الميثاق﴾ [الرعد: ٢٠]: أي: ويخالفون ما أمرهم الله، تعالى، من بعد ما وثقوا على أنفسهم لله ( تعالى)، أن يعلموا بما عهد إليهم، إذ قال لهم: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى﴾ [الأعراف: ١٧٢].
ثم قال (تعالى): ﴿وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ﴾ وهو الرحم وقيل: يفرقون بين الإيمان بجميع الأنبياء، فيؤمنوا ببعض (ويكفرون ببعض). والله أمرنا بالإيمان بجميعهم.
قوله: و ﴿وَيُفْسِدُونَ فِي الأرض﴾ أي: يعملون فيها المعاصي.
﴿أولئك لَهُمُ اللعنة﴾ أي: لهم البعد من رحمة الله.
﴿وَلَهُمْ سواء الدار﴾ أي: لهم ما يسوؤهم من الدار الآخرة، وهي النار،

أعاذنا الله منها. وقيل معناه: سوء العاقبة.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿الله يَبْسُطُ الرزق لِمَنْ يَشَآءُ (وَيَقَدِرُ)﴾ أي: يوسع على من (يشاء، ويضيق على من) يشاء.
﴿وَفَرِحُواْ بالحياة الدنيا﴾ أي: فرح المشركون بما وسع عليهم في الدنيا، ولم يُفكروا أن متاع الدنيا عند متاع الآخرة قليل.
وهذه الآية فيها تقديم وتأخير، لأن ﴿وَفَرِحُواْ﴾ (معطوف على ﴿وَيُفْسِدُونَ﴾ في الأرض).
وقوله: ﴿أولئك لَهُمُ اللعنة﴾ إلى قوله: ﴿الدار﴾: مقدم قبل ﴿وَفَرِحُواْ﴾ وتقدير الآية: الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل، ويفسدون في الأرض، وفرحوا بالحياة الدنيا، وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع:

أولئك لهم اللعنة، ولهم سوء الدار ثم ابتدأ: ﴿الله يَبْسُطُ الرزق﴾.
ثم قال تعالى: ﴿وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ﴾ أي: تقول قريش: هلاّ أنزل عليه آية تدل على نبوته، كما قالوا: ﴿لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ﴾ [هود: ١٢]، فأخبر عنهم بما يشترطون، ثم قال لنبيه ( ﷺ) : قل لهم يا محمد: ﴿إِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَآءُ ويهدي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ﴾ أي: يخذل من يشاء، فيصرفه عن الهدى، ويوفق من يشاء، فيرجع إليه، ويتوب من كُفره.
فالهاء في " إليه " تعود على الحق، وقيل: على محمد ﷺ. وقيل: على الإسلام. وقيل: على الله، جل ذكره، على معنى (إلى) دينه.
ثم بَيّن تعالى من ينيب إليه ﴿الذين آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله﴾: أي: الذين

يتُوبون هم الذين آمنوا، وتطمئن قلوبهم بذكر الله: أي: تسكُنُ، وتستأنس بذكر الله.
قال سفي (ا) ن بن عيينة: ﴿الذين آمَنُواْ﴾ تطمئن قلوبهم / بأمر الله وقضائه.
وقال قتادة: هشت قلوبهم إلى ذكر الله، فاستأنست به.
قال الضحاك: ﴿وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله﴾: أي: تصدق قلوبهم بذكر الله والقرآن.
﴿أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب﴾: أي: " تستأنس، وتسكن قلوب المؤمنين ".
وقيل: عني به قلوب أصحاب النبي ﷺ.

ثم قال تعالى: ﴿الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات طوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾ المعنى: الذين صدقوا بما جاء به محمد ﷺ، وعملوا الأعمال الصالحات ﴿طوبى لَهُمْ﴾: أي: نِعم ما لهم. قاله عكرمة.
وقيل: معناه: غبطة لهم. قاله الضحاك.
وقال ابن عباس: فرحٌ لهم، وقُرَّة عين.
وقال قتادة: معناه: " حسنى لهم، وهي كلمة من كلام العرب ".
وقيل: المعنى: أصابوا خيراً، تقول العرب للرجل: " طوبى لك " أي: أصبت خيراً. وقال النخعي: ﴿طوبى لَهُمْ﴾ أي: خيراً لهم.
وقيل: هي اسم من أسماء الجنة. فالمعنى: الجنة لهم، رُوي ذلك عن ابن عباس، قال: طوبى لهم: اسم الجنة بالحبشية.

وروي عنه أيضاً: طويلة لهم: هي اسم أرض الجنة بالحبشية.
وقيل: طوبى لهم: اسم الجنة بالهندي [ة].
وعن عكرمة أيضاً: طوبى لهم: الجنة لهم.
وعن ابن عباس: إنما طوبى لهم: اسم شجرة في الجنة.
وقال شهر بن حوشب: طوبى لهم شجرة في الجنة، أغصانها من وراء سور الجنة.
وعن النبي ﷺ: أنها شجرة في الجنة.
" وسئل عليه السلام: ما طوبى؟ فقال: شجرة في الجنة، مسيرها مائة سنة، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها، غرسها الله، تعالى، بيده، ونفخ فيها من روحه. تنبت

الحلي والحلل، وإن أغصانها لتُرى من وراء سور الجنة "
ومعنى: ﴿وَحُسْنُ مَآبٍ﴾: حسن منقلب ومرجع.
وقال أبو أمامة الباهلي: طوبى: شجرة في الجنة ليس منها دار إلا وفيها غصن منها، ولا طير حسن إلا هو فيها، (ولا ثمرة إلا وهي فيها) وموضع (طوبى): رفع بالابتداء، و ﴿لَهُمْ﴾: الخبر، ودلَّ على أنها في موضع رفع قوله: ﴿وَحُسْنُ مَآبٍ﴾ بالرفع بلا اختلاف بين القراء، وهي " فُعْلَى "، من " أطيب " فالواو

منقلبة عن ياء لضمه بالفعل، وأصلها " طُيْبى " على " فُعلى ". لكن لما كانت اسماً غير صفة، ردت إلى فعل (ى)، لخفة الأسماء، فانقلبت الياء واواً لانضمام الأول.
ألا ترى أن ضمير أصل الياء فيها واو، وأصلها " فعلى " (على) صور. ولكن لما كانت صفة، ردت إلى الياء للخفة، وثقل الصفة. ودل على أنها فعل (ى) أن (هـ) ليس في الصفات (فعلى): وهي في الآية صفة " لقسمة ". فعلم أن أصلها فعل (ى)، فجاز أن تقع فعل (ى) صفة، لأنه يقدر فيها أصلها، وهو فعلى "، ولولا ذلك ما جاءت فعل (ى) صفة.