
قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨) الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩)
شرح الكلمات:
والذين ينقضون عهد الله: أي يحلونه ولا يلتزمون به فلم يعبدوا ربهم وحده.
ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل: أي من الإيمان والأرحام.
ويفسدون في الأرض.: أي بترك الصلاة ومنع الزكاة، وبارتكاب السيئات وترك الحسنات.
لهم اللعنة: أي البعد من رحمة الله تعالى.
ولهم سوء الدار: أي جهنم وبئس المهاد.
ويقدر: أي يضيق ويقتر.
إلا متاع: قدر يسير يمتع به زمناً ثم ينقضي.
طوبى لهم وحسن مآب: أي لهم طوبى شجرة في الجنة وحسن منقلب وهو دار السلام.
معنى الآيات:.
قوله تعالى: ﴿والذين ينقضون﴾ الآيات، هذا هو الطرف المقابل أو الشخصية الثانية وهو من لم يعلم ولم يؤمن كأبي جهل المقابل لحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ذكر تعالى هنا صفاته الموجبة لعذابه وحرمانه فذكر له ولمن على شاكلته الصفات التالية:
(١) نقض العهد فلم يعبدوا الله ولم يوحدوه وهو العهد الذي أخذ عليهم في عالم الأرواح: ﴿والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه﴾.
(٢) قطع ما أمر الله به أن يوصل من الإيمان١ وصلة الأرحام: ﴿ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل﴾.

(٣) الإفساد في الأرض بالشرك والمعاصي: ﴿ويفسدون في الأرض١﴾، بهذه الصفات استوجبوا هذا الجزاء، قال تعالى: ﴿أولئك لهم اللعنة﴾ أي البعد من الرحمة ﴿ولهم سوء٢ الدار﴾ أي جهنم وبئس المهاد، وقوله تعالى: ﴿الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا، وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع﴾ يخبر تعالى عن سنة من سننه في خلقه وهي أنه يبسط الرزق أي يوسعه على من يشاء امتحانا هل يشكر أم يكفر ويضِّيق ويقتِّر على من يشاء ابتلاء هل يصبر أو يجزع، وقد يبسط الرزق لبعض إذ لا يصلحهم إلا ذاك، وقد يضيق على بعض إذ لا يصلحهم إلا ذاك، فلن يكون الغنى دالاً على رضى الله، ولا الفقر دالاً على سخطه تعالى على عباده، وقوله: ﴿وفرحوا بالحياة الدنيا﴾ أي فرح أولئك الكافرون بالحياة الدنيا لجهلهم بمقدارها وعاقبتها وسوء آثارها وما الحياة الدنيا بالنسبة إلى ما أعد الله لأوليائه وهم أهل الإيمان به وطاعته إلا متاع قليل كَكَفِّ التمر أو قرص الخبز يعطاه الراعي غذاء له طول النهار ثم ينفد، وقوله تعالى في الآية (٢٧) :﴿ويقول الذين كفروا لولا أنزل٣ عليه آية من ربه﴾ فقد تقدم مثل هذا الطلب من المشركين وهو مطالبة المشركين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تكون له آية كناقة صالح أو عصا موسى ليؤمنوا به وهم في ذلك كاذبون فلم يحملهم على هذا الطلب إلا الاستخفاف والعناد وإلا آيات القرآن أعظم من آية الناقة والعصا، فلذا قال تعالى لرسوله: ﴿قل إن الله يضل من يشاء﴾ إضلاله ولو رأى وشاهد ألوف الآيات ﴿٤ويهدي إليه من أناب﴾ لو لم ير آية واحدة إلا أنه أناب إلى الله فهداه إليه وقبله وجعله من أهل ولايته، وقوله تعالى في الآية (٢٨) ﴿الذين٥ آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله﴾ أولئك الذين أنابوا إليه تعالى إيماناً وتوحيداً فهداهم إليه صراطاًمستقيماً هؤلاء تطمئن قلوبهم أي تسكن وتستأنس بذكر الله وذكر وعده وذكر صالحي عباده محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، وقوله تعالى: ﴿ألا بذكر الله تطمئن
٢ أي سوء المنقلب وهو جهنم.. قال سعد ابن أبي وقاص: والله الذي لا إله إلاّ هو أنهم الحرورية: بمعنى الخوارج.
٣ المطالبون بالآيات المقترحون لها على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. من بينهم عبد الله بن أمية وأصحابه.
٤ الضمير في قوله: {ويهدي إليه من أناب﴾ : يعود على الحق أو الإسلام أو الله عز وجل. أي يهدي إلى جنته وطاعته من رجع إليه بقلبه والكل صالح ومراد.
٥ الذين: في محل نصب لأنه مفعول يهدي، وتصح أن بكون بدلاً من قوله: ﴿أناب﴾ وذكر الله هو ذكره بألسنتهم وبقلوبهم وهو يشمل ذكر الوعد والوعيد وكمال الله كما يشمل قراءة كتابه وتلاوة آياته قال مجاهد: هم أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحقاً هم ومن يأتي بعدهم يهج نهجهم في الإيمان والتقوى.

القلوب} أي قلوب المؤمنين أما قلوب الكافرين فإنها تطمئن لذكر الدنيا وملاذها وقلوب المشركين تطمئن لذكر أصنامهم، وقوله تعالى: ﴿الذين آمنوا١ وعملوا الصالحات طوبى٢ لهم وحسن مآب﴾ إخبار من الله تعالى بما أعد لأهل الإيمان والعمل الصالح وهو طوبى حال من الحسن الطيب يعجز البيان عن وصفها أو شجرة في الجنة وحسن منقلب وهو الجنة دار السلام والنعيم المقيم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- حرمة الاتصاف بصفات أهل الشقاء وهي نقض العهد، وقطع ما أمر الله به أن يوصل والإفساد في الأرض بالشرك والمعاصي.
٢- بيان أن الغنى والفقر يتمان حسب علم الله تعالى امتحاناً وابتلاءً فلا يدلان على رضا الله ولا على سخطه.
٣- حقارة الدنيا وضآلة ما فيها من المتاع.
- ٤- فضل ذكر الله وسكون القلب إليه.
٥- وعد الله تعالى لأهل الإيمان والعمل الصالح بطوبى وحسن المآب.
كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (٣٠) وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ
٢ ﴿طوبى﴾ مصدر طاب يطيب طيباً إذا أحسن وهي بوزن البشرى، والزّلفى قلبت ياؤها واواً لمناسبة الضمة قبلها أي: الخير الكامل لأنهم اطمأنت قلوبهم بذكر الله فهم في طيب حال.