
من نزول ملك معه أو شبه ذلك، ولم يعتبروا بالقرآن ولا بغيره من الآيات العظام التي جاء بها، وذلك منهم معاندة إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ أي إنما عليك إنذارهم، وليس عليك أن تأتيهم بآية إنما ذلك إلى الله وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ فيه ثلاثة أقوال: أحدها أن يراد بالهادي الله تعالى، فالمعنى إنما عليك الإنذار والله هو الهادي لمن يشاء إذا شاء، والوجه الثاني: أن يريد بالهادي النبي صلّى الله عليه وسلّم، فالمعنى إنما أنت نبي منذر، ولكل قوم هاد من الأنبياء ينذرهم فليس أمرك ببدع ولا مستنكر. الثالث: روي أنها لما نزلت قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنا المنذر وأنت يا عليّ الهادي «١».
اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى كقوله: يعلم ما في الأرحام، وهي من الخمس التي لا يعلمها إلا الله، ويعني يعلم هل هو ذكر أو أنثى، أو تام أو خداج، أو حسن أو قبيح، أو غير ذلك وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ معنى تغيض تنقص، ومعنى تزداد من الزيادة، وقيل: إن الإشارة بدم الحيض فإنه يقل ويكبر وقيل: للولد فالغيض السقط، أو الولادة لأقل من تسعة أشهر، والزيادة إبقاؤه أكثر من تسعة أشهر، ويحتمل أن تكون ما في قوله:
ما تَحْمِلُ وما تَغِيضُ وما تَزْدادُ: موصولة أو مصدرية سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ المعنى إن الله يسمع كل شيء، فالجهر والإسرار عنده سواء. وفي هذا وما بعده تقسيم، وهو من أدوات البيان، فإنه ذكر أربعة أقسام، وفيه أيضا مطابقة وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ المعنى سواء عند الله المستخفي بالليل وهو في غاية الاختفاء مع السارب بالنهار، وهو في غاية الظهور ومعنى السارب: المتصرف في سربه بالفتح: أي في طريقه ووجهه، والسارب والمستخفي اثنان قصد التسوية بينهما في اطلاع الله عليهما، مع تباين حالهما، وقيل: إن المستخفي بالليل والسارب بالنهار: صفتان لموصوف بينهما في اطلاع الله عليهما مع تباين حالهما، وقيل: إن المستخفي بالليل والسارب بالنهار: صفتان لموصوف واحد يستخفي بالليل ويظهر بالنهار، ويعضد هذا كونه قال: وسارب، فعطفه عطف الصفات ولم يقل ومن هو سارب بتكرار من كما قال، مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ، إلا أنّ جعلهما اثنين أرجح ليقابل من أسر القول ومن جهر به، فيكمل التقسيم إلى أربعة على هذا، ويكون قوله: وَسارِبٌ عطف على الجملة وهو قوله: ومن هو مستخف لا على مستخف وحده
لَهُ مُعَقِّباتٌ المعقبات هنا جماعة الملائكة، وسميت معقبات لأن بعضهم يعقب بعضا، والضمير في له يعود على من المتقدّمة، كأنه قال: لمن أسر ومن جهر، ولمن استخفى ومن ظهر له معقبات، وقيل: يعود على الله وهو قول ضعيف لأن الضمائر التي بعده تعود على العبد باتفاق يَحْفَظُونَهُ صفة للمعقبات، وهذا الحفظ يحتمل أن يراد

به حفظ أعماله أو حفظه وحراسته من الآفات مِنْ أَمْرِ اللَّهِ صفة للمعقبات أي معقبات من أجل أمر الله أي أمرهم بحفظه، وقرئ بأمر الله، وهذه القراءة تعضد ذلك، ولا يتعلق من أمر الله على هذا ليحفظونه، وقيل: يتعلق به على أنهم يحفظونه من عقوبة الله إذا أذنب بدعائهم له واستغفارهم إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ من العافية والنعم حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ بالمعاصي، فيقتضي ذلك أن الله لا يسلب النعم، ولا يترك النقم إلا بالذنوب يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً الخوف يكون مع البرق من الصواعق والأمور الهائلة، والطمع في المطر الذي يكون معه السَّحابَ الثِّقالَ وصفها بالثقل، لأنها تحمل الماء وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ الرعد اسم ملك وصوته المسموع تسبيح، وقد جاء في الأثر: أن صوته زجر للسحاب، فعلى هذا يكون تسبيحه غير ذلك وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ قيل: إنه إشارة إلى الصاعقة التي نزلت على أربد [بن ربيعة] الكافر، وقتلته حين هم بقتل النبي صلّى الله عليه واله وسلّم هو وأخوه [لأمه] عامر بن الطفيل [العامري] «١» واللفظ أعم من ذلك وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ يعني الكفار، والواو للاستئناف أو للحال شَدِيدُ الْمِحالِ أي شديد القوة، والمحال مشتق من الحيلة، فالميم زائدة، ووزنه مفعل، وقيل: معناه شديد المكر من قولك: محل بالرجل إذا مكر به، فالميم على هذا أصلية ووزنه فعال وتأويل المكر على هذا القول كتأويله في المواضع التي وردت في القرآن.
لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ قيل: هي لا إله إلا الله، والمعنى أن دعوة العباد بالحق لله ودعوتهم بالباطل لغيره وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ يعني بالذين: ما عبدوا من دون الله من الأصنام وغيرهم، والضمير في يدعون للكفار، والمعنى أن المعبودين لا يستجيبون لمن عبدهم إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ شبّه إجابة الأصنام لمن عبدهم بإجابة الماء لمن بسط إليه كفيه، وأشار إليه بالإقبال إلى فيه، ولا يبلغ فمه على هذا أبدا لأن الماء جماد لا يعقل المراد، فكذلك الأصنام، والضمير في قوله: وما هو الماء، وفي ببالغه للفم.
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً من لا تقع إلا على من يعقل، فهي هنا يراد بها الملائكة والإنس والجن، فإذا جعلنا السجود بمعنى الانقياد لأمر الله