آيات من القرآن الكريم

فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ۖ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
ﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ

عباس، وبه قال مقاتل. والثاني: تسفِّهونِ، رواه عبد الله بن أبي الهذيل عن ابن عباس، وبه قال عطاء، وقتادة، ومجاهد في رواية. وقال في رواية أخرى: لولا أن تقولوا: ذهب عقلك. والثالث: تكذِّبونِ، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، والضحاك. والرابع: تهرِّمونِ، قاله الحسن، ومجاهد في رواية. قال ابن فارس: الفَنَد: إِنكار العقل من هرم. والخامس: تعجِّزونِ، قاله ابن قتيبة.
وقال أبو عبيدة: تسفِّهون وتعجِّزون وتلومون، وأنشد:

يا صاحبيّ دَعَا لَوْمِي وَتَفْنِيدِي فَلَيْسَ مَا فَاتَ مِنْ أَمْرٍ بِمَرْدُودِ «١»
قال ابن جرير: وأصل التفنيد: الإِفساد، وأقوال المفسرين تتقارب معانيها «٢»، وسمعت الشيخ أبا محمّد بن الخشاب يقول: قوله: «لولا أن تفنِّدون» فيه إضمار تقديره: لأخبرتكم أنه حيّ.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٩٥]
قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (٩٥)
قوله تعالى: قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ قال ابن عباس: بنو بنيه خاطبوه بهذا، وكذلك قال السدي: هذا قول بني بنيه، لأن بنيه كانوا بمصر. وفي معنى هذا الضلال ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه بمعنى الخطأ، قاله ابن عباس، وابن زيد. والثاني: أنه الجنون، قاله سعيد بن جبير.
والثالث: الشقاء والعناء، قاله مقاتل، يريد بذلك شقاء الدنيا.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٩٦ الى ٩٨]
فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٩٦) قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (٩٧) قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٩٨)
قوله تعالى: فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ فيه قولان: أحدهما: أنه يهوذا، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال وهب بن منبه، والسدي، والجمهور. والثاني: أنه شمعون، قاله الضحاك.
فان قيل: ما الفرق بين قوله ها هنا: فَلَمَّا أَنْ جاءَ وقال في موضع: فَلَمَّا جاءَهُمْ «٣».
فالجواب: أنهما لغتان لقريش خاطبهم الله بهما جميعاً، فدخول «أن» لتوكيد مُضِّي الفعل، وسقوطها للاعتماد على إِيضاح الماضي بنفسه، ذكره ابن الأنباري «٤».
قوله تعالى: أَلْقاهُ يعني القميص عَلى وَجْهِهِ يعني يعقوب فَارْتَدَّ بَصِيراً، الارتداد:
رجوع الشيء إِلى حال قد كان عليها. قال ابن الأنباري: إِنما قال: ارتد، ولم يقل: رُدَّ، لأن هذا من الأفعال المنسوبة إِلى المفعولِين، كقولهم: طالت النخلة، والله أطالها، وتحركت الشجرة، والله قد
(١) البيت لهانئ بن شكيم العدوي «مجاز القرآن» ١/ ٣١٨. [.....]
(٢) قال الطبري رحمه الله ٧/ ٢٩٧: أصل التفنيد، الإفساد. وإذ كان ذلك كذلك فالضعف والهرم والكذب وذهاب العقل والضعف، وفي الفعل: الكذب واللوم بالباطل. فالأقوال على اختلاف عباراتهم متقاربة المعاني، محتمل جميعها ظاهر التنزيل، إذ لم يكن في الآية دليل على أنه معني به بعض ذلك دون بعض.
(٣) سورة البقرة: ٨٩.
(٤) كذلك قال الطبري رحمه الله ٧/ ٢٩٩، وقال أيضا: هذا في «لما» و «حتى» خاصة، كما قال جل ثناؤه، وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا- العنكبوت: ٣٣-.

صفحة رقم 471

حركها. قال الضحاك: رجع إِليه بصره بعد العمى، وقوّته بعد الضعف، وشبابه بعد الهرم، وسروره بعد الحزن. وروى يحيى بن يمان عن سفيان قال: لما جاء البشيرُ يعقوبَ، قال: على أيِّ دين تركت يوسف؟ قال: على الإِسلام، قال: الآن تمت النعمة.
قوله تعالى: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ فيه أقوال قد سبق ذكرها قبل هذا بقليل. قوله تعالى: يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا سألوه أن يستغفر لهم ما أتوا، لأنه نبيّ مجاب الدعوة.
قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي في سبب تأخيره لذلك ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه أخَّرهم لانتظار الوقت الذي هو مَظِنَّة الإِجابة، ثم فيه ثلاثة أقوال:
(٨٢١) أحدها: أنه أخَّرهم إِلى ليلة الجمعة، رواه ابن عباس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم. قال وهب: كان يستغفر لهم كل ليلة جمعة في نيِّف وعشرين سنة «١». والثاني: إِلى وقت السّحَر من ليلة الجمعة، رواه أبو صالح عن ابن عباس. قال طاوس: فوافق ذلك ليلة عاشوراء. والثالث: إِلى وقت السَّحَر، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال ابن مسعود، وابن عمر، وقتادة، والسدي، ومقاتل. قال الزجاج: إِنما أراد الوقت الذي هو أخلق لإِجابة الدعاء، لا أنه ضَنَّ عليهم بالاستغفار، وهذا أشبه بأخلاق الأنبياء عليهم السلام.
والقول الثاني: أنه دفعهم عن التعجيل بالوعد. قال عطاء الخراساني: طلبُ الحوائج إِلى الشباب أسهل منها عند الشيوخ، ألا ترى إِلى قول يوسف: (لا تثريب عليكم اليوم) وإِلى قول يعقوب: (سوف أستغفر لكم ربي).
والثالث: أنه أخَّرهم ليسأل يوسف، فان عفا عنهم، استغفر لهم، قاله الشعبي.
وروي عن أنس بن مالك أنهم قالوا: يا أبانا إِنْ عفا الله عنا، وإِلا فلا قُرَّة عين لنا في الدنيا، فدعا يعقوبُ وأمَّن يوسف، فلم يُجب فيهم عشرين سنة، ثم جاء جبريل فقال: إِن الله قد أجاب دعوتك في ولدك، وعفا عما صنعوا به، واعتقد مواثيقهم من بَعْدُ على النبوَّة. قال المفسرون: وكان يوسف قد بعث مع البشير إِلى يعقوب جَهازاً ومائتي راحلة، وسأله أن يأتيه بأهله وولده. فلما ارتحل يعقوب ودنا

ضعيف جدا، والأشبه أنه موضوع. أخرجه الطبري ١٩٨٨٠ و ١٩٨٨١ من طريقين عن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي قال: حدثنا الوليد، قال: أخبرنا ابن جريج عن عطاء وعكرمة عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قد قال أخي يعقوب سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي يقول: حتى تأتي ليلة الجمعة». وهذا إسناد ضعيف جدا، وله علتان: الأولى: ضعف سليمان بن عبد الرحمن، فهو وإن وثقه بعضهم، وقال أبو حاتم الرازي: صدوق، فقد عقب ذلك أبو حاتم بقوله: إلا أنه من أروى الناس عن الضعفاء والمجهولين، وهو عندي في حدّ لو أن رجلا وضع له حديثا لم يفهم، وكان لا يميّز. راجع «الميزان» ٢/ ٢١٢- ٢١٤. العلة الثانية: عنعنة ابن جريج، وهو مدلس، وهو لم يسمع من عكرمة. قال الإمام أحمد: بعض هذه الأحاديث التي كان يرسلها ابن جريج أحاديث موضوعة، كان ابن جريج، لا يبالي من أين يأخذها. راجع «الميزان» ٢/ ٦٥٩. فالحديث ضعيف جدا، والأشبه أنه موضوع. وقال الحافظ ابن كثير ٢/ ٤٠٦: هذا حديث غريب، وفي رفعه نظر، والله أعلم.
__________
(١) هذا قول بعيد، وهب هو ابن منبه، عامة ما يرويه عن كتب الإسرائيليات.

صفحة رقم 472
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية