آيات من القرآن الكريم

إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ

يريد النبوءة وما انضاف إليها من سائر النعم. وقوله: آلِ يَعْقُوبَ يريد في هذا الموضع الأولاد والقرابة التي هي من نسله، أي يجعل فيهم النبوءة، ويروى أن ذلك إنما علمه يعقوب من دعوة إسحاق له حين تشبه له بعيصو- والقصة كاملة في كتاب النقاش لكني اختصرتها لأنه لم ينبل ألفاظها وما أظنه انتزعها إلا من كتب بني إسرائيل، فإنها قصة مشهورة عندهم، وباقي هذه الآية بيّن. و «النعمة» على يوسف كانت تخليصه من السجن وعصمته والملك الذي نال وعلى إِبْراهِيمَ هي اتخاذه خليلا وعلى إِسْحاقَ فديته بالذبح العظيم، مضافا ذلك كله إلى النبوءة. وعَلِيمٌ حَكِيمٌ مناسبتان لهذا الوعد.
قوله عز وجل:
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٧ الى ١٠]
لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (٩) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠)
قرأ الجمهور «آيات» بالجمع، وقرأ ابن كثير- وحده- «آية» بالإفراد، وهي قراءة مجاهد وشبل وأهل مكة فالأولى: على معنى أن كل حال من أحواله آية فجمعها. والثانية: على أنه بجملته آية، وإن تفصل بالمعنى، ووزن «آية» فعلة أو فعلة أو فاعلة على الخلاف فيه، وذكر الزجّاج: أن في غير مصحف عثمان: «عبرة للسائلين» قال أبو حاتم: هو في مصحف أبيّ بن كعب.
وقوله: لِلسَّائِلِينَ يقتضي حضا ما على تعلم هذه الأنباء، لأنه إنما المراد آية للناس، فوصفهم بالسؤال إذ كل واحد ينبغي أن يسأل عن مثل هذه القصص، إذ هي مقر العبر والاتعاظ. ويصح أيضا أن يصف الناس بالسؤال من حيث كان سبب نزول السورة سؤال سائل كما روي. وقولهم: وَأَخُوهُ يريدون به: يامين- وهو أصغر من يوسف- ويقال له: بنيامين، وقيل: كان شقيق يوسف وكانت أمهما ماتت، ويدل على أنهما شقيقان تخصيص الأخوة لهما ب أَخُوهُ وهي دلالة غير قاطعة. وكان حب يعقوب ليوسف عليه السّلام ويامين لصغرهما وموت أمهما، وهذا من حب الصغير هي فطرة البشر وقد قيل لابنة الحسن: أي بنيك أحب إليك؟ قالت: الصغير حتى يكبر والغائب حتى يقدم، والمريض حتى يفيق.
وقولهم: وَنَحْنُ عُصْبَةٌ أي نحن جماعة تضر وتنفع، وتحمي وتخذل، أي لنا كانت تنبغي المحبة والمراعاة. و «العصبة» في اللغة: الجماعة، قيل: من عشرة إلى خمسة عشر، وقيل: من عشرة إلى أربعين، وقال الزجاج: العشرة ونحوهم، وفي الزهراوي: الثلاثة: نفر- فإذا زادوا فهم: رهط إلى التسعة، فإذا زادوا فهم: عصبة، ولا يقال لأقل من عشرة: عصبة. وقولهم: لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ أي لفي اختلاف وخطأ في محبة يوسف وأخيه، وهذا هو معنى الضلال، وإنما يصغر قدره أو يعظم بحسب الشيء الذي فيه يقع الائتلاف. ومُبِينٍ معناه: يظهر للمتأمل.

صفحة رقم 221

وقرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة «مبين اقتلوا» بكسر التنوين في الوصل لالتقاء ساكن التنوين والقاف، وقرأ نافع وابن كثير والكسائي «مبين اقتلوا» بكسر النون وضم التنوين اتباعا لضمة التاء ومراعاة لها.
وقوله: اقْتُلُوا يُوسُفَ الآية، كانت هذه مقالة بعضهم. أَوِ اطْرَحُوهُ معناه: أبعدوه، ومنه قول عروة بن الورد:

ومن يك مثلي ذا عيال ومقترا يغرر ويطرح نفسه كل مطرح
والنوى: الطروح البعيدة، وأَرْضاً مفعول ثان بإسقاط حرف الجر، لأن طرح- لا يتعدى إلى مفعولين إلا كذلك. وقالت فرقة: هو نصب على الظرف- وذلك خطأ لأن الظرف ينبغي أن يكون مبهما وهذه هنا ليست كذلك بل هي أرض مقيدة بأنها بعيدة أو قاصية ونحو ذلك فزال بذلك إبهامها، ومعلوم أن يوسف لم يخل من الكون في أرض، فبين أنها أرض بعيدة غير التي هو فيها قريب من أبيه.
وقوله: يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ استعارة، أي إذا فقد يوسف رجعت محبته إليكم، ونحو هذا قول العربي حين أحبته أمه لما قتل إخوته وكانت قبل لا تحبه: الثكل أرأمها، أي عطفها عليه، والضمير في بَعْدِهِ عائد على يوسف أو قتله أو طرحه، وصالِحِينَ قال السدي ومقاتل بن سليمان: إنهم أرادوا صلاح الحال عند أبيهم، وهذا يشبه أن يكون قصدهم في تلك الحال ولم يكونوا حينئذ أنبياء، وقال الجمهور: صالِحِينَ معناه بالتوبة، وهذا هو الأظهر من اللفظ، وحالهم أيضا تعطيه، لأنهم مؤمنون بثوا على عظيمة وعللوا أنفسهم بالتوبة والقائل منهم قيل: هو روبيل- أسنهم- قاله قتادة وابن إسحاق، وقيل:
يهوذا أحلمهم، وقيل شمعون أشجعهم، قاله مجاهد، وهذا عطف منه على أخيه لا محالة لما أراد الله من إنفاذ قضائه. و «الغيابة» ما غاب عنك من الأماكن أو غيب عنك شيئا آخر.
وقرأ الجمهور: «غيابة الجب»، وقرأ نافع وحده «غيابات الجب»، وقرأ الأعرج «غيّابات الجب» بشد الياء، قال أبو الفتح: هو اسم جاء على فعالة، كان أبو علي يلحقه بما ذكر سيبويه من الفياد ونحوه، ووجدت أنا من ذلك: التيار للموج والفجار للخزف.
قال القاضي أبو محمد: وفي شبه غيابة بهذه الأمثلة نظر لأن غيابة جارية على فعل.
وقرأ الحسن: «في غيبة الجب» على وزن فعلة، وكذلك خطت في مصحف أبي بن كعب، ومن هذه اللفظة قول الشاعر- وهو المنخل-
فإن أنا يوما غيبتني غيابتي فسيروا بسيري في العشيرة والأهل
والْجُبِّ البئر التي لم تطو لأنها جبت من الأرض فقط.
وقرأ الجمهور: «يلتقطه بعض» بالياء من تحت على لفظ بعض، وقرأ الحسن البصري ومجاهد وقتادة وأبو رجاء «تلتقطه» بالتاء، وهذا من حيث أضيف «البعض» إلى السَّيَّارَةِ فاستفاد منها تأنيث العلاقة، ومن هذا قول الشاعر: [الوافر]

صفحة رقم 222
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية