آيات من القرآن الكريم

فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﰿ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ

٥- استجاز يوسف إدخال الحزن على أبيه بطلب أخيه، لأنه يجوز أن يكون الله عزّ وجلّ أمره بذلك ابتلاء ليعقوب، ليعظم له الثّواب، فاتّبع أمره فيه، وهذا هو الأظهر كما قال القرطبي. وربّما كان السّبب تنبيه أبيه على حاله، أو لتتضاعف المسرّة لأبيه برجوع ولديه عليه، أو إيثارا لأخيه بالاجتماع معه قبل إخوته، لميله إليه.
الفصل الحادي عشر من قصّة يوسف مفاوضة إخوة يوسف أباهم لإرسال أخيهم بنيامين معهم في المرة القادمة
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٦٣ الى ٦٦]
فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٦٣) قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤) وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (٦٥) قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٦٦)
الإعراب:
خَيْرٌ حافِظاً وقرئ: حفظا: وهما منصوبان على التّمييز، مثل قولهم: لله درّه فارسا.
ما نَبْغِي: ما: استفهامية في موضع نصب، لأنها مفعول نَبْغِي وتقديره:
أي شيء نبغي. لَتَأْتُنَّنِي بِهِ اللام لام القسم.

صفحة رقم 18

إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ قال الزمخشري: هذا استثناء متّصل، مفعول له أي لأجله، والكلام المثبت الذي هو قوله: لَتَأْتُنَّنِي بِهِ في تأويل المنفي، ومعناه: لا تمتنعون من الإتيان به إلا للإحاطة بكم، أي لا تمتنعون منه لعلة من العلل إلا لعلة واحدة، وهي أن يحاط بكم.
المفردات اللغوية:
مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ حكم بمنعه بعد هذا إن لم ترسل أخانا بنيامين. نَكْتَلْ نتمكن من اكتيال ما نحتاج إليه. وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ من أن يناله مكروه. قالَ يعقوب لهم هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ أي ما آمنكم عليه إلا كما آمنتكم على أخيه يوسف من قبل، وقد قلتم فيه: وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ثم فعلتم به ما فعلتم.
فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً فأتوكّل عليه وأفوض أمري إليه. وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فأرجو أن يرحمني بحفظه، ولا يجمع عليّ مصيبتين. ما نَبْغِي ما: استفهامية، أي: أيّ شيء نطلب من إكرام الملك أعظم من هذا؟ وكانوا ذكروا له إكرامه لهم. هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا استئناف موضح لقوله: ما نَبْغِي.
وَنَمِيرُ أَهْلَنا نأتي بالميرة لهم وهي الطعام، وهو معطوف على محذوف، أي ردّت إلينا، فنستظهر بها، ونمير أهلنا بالرّجوع إلى الملك. وَنَحْفَظُ أَخانا من المخاوف في ذهابنا وإيابنا.
وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ لأخينا، أي مكيل بعير. ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ سهل على الملك لسخائه، أو سهل لا عسر فيه لتوافر الغلال لديه.
حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً حتى تعطوني عهدا. مِنَ اللَّهِ بأن تحلفوا به. إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ بأن تموتوا أو تغلبوا، فلا تطيقوا ذلك ولا تستطيعوا الإتيان به، وهو استثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال، والتّقدير: لتأتنني به على كل حال إلا حال الإحاطة بكم. فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ أعطوه عهدهم بذلك. قالَ: اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ من طلب الموثق وإتيانه وَكِيلٌ شهيد، ورقيب مطّلع.
المناسبة:
الكلام وثيق الصّلة بما قبله، فبعد أن ذكر الله تعالى مطالبة يوسف عليه السّلام إخوته بإحضار أخيه بنيامين، ذكر هنا مفاوضتهم أباهم لإنجاز المطلوب، وإبداءه مخاوفه عليه كمخاوفه القديمة التي أظهرها عند ما تآمروا على أخذ يوسف عليه السّلام للصّحراء بقصد الرّتع واللعب.

صفحة رقم 19

التفسير والبيان:
حينما رجع أولاد يعقوب إلى أبيهم قالوا حين رجوعهم إلى أبيهم: إن عزيز مصر منع عنّا الكيل في المستقبل إن لم ترسل معنا أخانا بنيامين، فإن لم ترسله لا نكتل، فأرسله معنا نكتل من الطعام بقدر عددنا، وإنّا له لحافظون من كلّ مكروه وسوء في الذّهاب والإياب، فلا تخف عليه، فإنه سيرجع إليك.
قال يعقوب: هل أنتم صانعون به إلا كما صنعتم بأخيه من قبل، تغيّبونه عنّي وتحولون بيني وبينه، وقد فرّطتم في يوسف، فكيف آمنكم على أخيه؟
فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً أي فإني أثق به وأتوكّل عليه وأفوض أمري إليه، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ أي هو أرحم الرّاحمين بي، وسيرحم كبري وضعفي وتعلّقي بولدي، وأرجو الله أن يرحمني بحفظه، وأن يردّه عليّ، ويجمع شملي به، إنه أرحم الرّاحمين.
وهذا دليل على موافقته على إرساله معهم، للحاجة الشّديدة إلى الطعام، وعدم ملاحظته وجود قرائن تدلّ على الحسد والحقد فيما بينهم وبين بنيامين، خلافا لحال يوسف.
ولما فتح إخوة يوسف متاعهم وأوعية طعامهم، وجدوا فيها بضاعتهم أي ثمن الطعام، ردّت إليهم، وهي التي كان يوسف أمر غلمانه بوضعها في رحالهم.
فلما وجدوها في رواحلهم قالوا: يا أبانا، ماذا نريد زيادة على هذا الإكرام وإحسان الملك إلينا، كما حدثناك، هذه دراهمنا ردّها إلينا، وإذا ذهبنا بأخينا نزداد كيل بعير بسبب حضوره. وهذا إذا جعلت ما استفهامية، فإن كانت نافية كان المعنى: لا نبغي شيئا آخر، هذه بضاعتنا ردّت إلينا، فهي كافية لثمن الطعام في الذّهاب الثّاني، ثم نفعل كذا وكذا من جلب الميرة وغيرها.

صفحة رقم 20

إننا إذا ذهبنا مع أخينا في المرّة الثّانية وأرسلته معنا، نأتي بالميرة إلى أهلنا من مصر.
ونحفظ أخانا بنيامين بعنايتنا ورعايتنا، فلا تخف عليه.
ونزيد مكيال بعير لأجله، لأن عزيز مصر كان يعطي لكلّ رجل حمل بعير، دون زيادة ولا نقص، اقتصادا وحسن تدبير.
وذلك الحمل الزّائد أمر يسير قليل، أو سهل لا عسر فيه على هذا الرّجل السّخي الرّحيم في مقابلة أخذ أخينا.
قال يعقوب، وقد تذكّر ماضي يوسف: لن أرسل بنيامين معكم حتى تعاهدوني عهدا موثقا باليمين، لتعودنّ به على أي حال كنتم، إلا في حال يمتنع ذلك عنكم بأن تهلكوا وتموتوا أو تغلبوا على أمركم وتقهروا كلكم، ولا تقدرون على تخليصه. ويلاحظ أن العهد المؤكّد باليمين يسمّى يمينا، وإن أكّد ووثّق بما يقتضي زيادة العناية بحفظه والوفاء به بغير اليمين يسمّى ميثاقا.
فلما آتوه أي أعطوه موثقهم، أي عهدهم المؤكّد باليمين، قال يعقوب: الله على ما نقول جميعا وكيل، أي شهيد رقيب حفيظ مطّلع، وأفوض أمري إليه، وقد وافق على إرساله اضطرارا من أجل الميرة التي لا غنى لهم عنها.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلّت الآيات على ما يأتي:
١- كان أولاد يعقوب فيما أخبروا به أباهم من منع الكيل صادقين، حتى يرسل معهم أخاهم، كما وعدوا عزيز مصر.
٢- تعهد أولاد يعقوب عليه السّلام بالمحافظة على أخيهم بنيامين، وكأنهم لم

صفحة رقم 21

يريدوا تكرار مأساة يوسف عليه السّلام، لأنهم كانوا يحملون في صدورهم الحقد والحسد عليه، خلافا لحال بنيامين.
٣- تعلّق إخوة يوسف بزيادة الكسب والرّبح، وطمحوا أن يأتوا مرة أخرى بطعام لهم من مصر من غير ثمن.
٤- كان إكرام يوسف لإخوته وردّه ثمن الطعام إليهم عاملا مرغّبا قويّا في عودتهم إليه مرة أخرى، مصطحبين معهم أخاهم بنيامين.
٥- إن يعقوب النّبي عليه السّلام كان في حديثه مع أولاده مطمئنا إلى حفظ الله ورحمته، فهو نعم الوكيل الحافظ، وهو أرحم الرّاحمين بعباده، لا سيّما حال الضّعفاء وكبار السّن أمثاله، فحفظ الله له خير من حفظكم إيّاه.
٦- تشدّد يعقوب عليه السّلام هذه المرة مع أولاده أكثر مما حدث عند إذنه بإرسال يوسف عليه السّلام، بعد تلك التّجربة القاسيّة وما أعقبها من حزن شديد وألم، فطلب منهم الميثاق وهو العهد المؤكّد باليمين على إحضاره إليه إلا في حال العذر القاهر والإحاطة بهم، قال مجاهد معناها: إلا أن تهلكوا أو تموتوا.
وقد دلّ قوله تعالى: هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ.. على أنه أجابهم إلى إرساله معهم.
٧- أراد أولاد يعقوب عليه السّلام تطييب نفس أبيهم بقولهم: ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا.. ؟ فهم حشدوا لإقناعه وتطييب نفسه كلّ الأسباب والبواعث المادية واستغلّوا حاجتهم الشديدة: أخذ الطعام دون ثمن، إعالة الأهل، إضافة حمل بعير، وضمّوا إلى ذلك كلّه التّعهد بالحفظ والرّعاية، فلم يجد بدّا من الموافقة على إرسال بنيامين معهم.
٨- قوله تعالى: لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ

صفحة رقم 22
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية