
قوله تعالى :﴿ وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه ﴾ الآية. قال ابن إسحاق والسدي : وإنما جاءُوا ليمتاروا من مصر في سني القحط التي ذكرها يوسف في تفسير الرؤيا، ودخلوا على يوسف لأنه كان هو الذي يتولى بيع الطعام لعزته.
﴿ فعرفهم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه عرفهم حين دخلوا عليه من غير تعريف، قاله ابن عباس.
الثاني : ما عرفهم حتى تعرفوا إليه فعرفهم، قاله الحسن.
وقيل بل عرفهم بلسانهم العبراني حين تكلموا به.
قال ابن عباس : إنما سميت عبرانية لأن إبراهيم عليه السلام عبر بهم فلسطين فنزل من وراء نهر الأردن فسمّوا العبرانية.
﴿ وهم له منكرون ﴾ لأنه فارقوه صغيراً فكبر، وفقيراً فاستغنى، وباعوه عبداً فصار ملكاً، فلذلك أنكروه، ولم يتعرف إليهم ليعرفوه. قوله تعالى :
﴿ ولمّا جهزهم بجهازهم ﴾ وذلك أنه كال لهم الطعام، قال ابن إسحاق : وحمل لكل رجل منهم بعيراً بعدَّتهم.
﴿ قال ائتوني بأخٍ لكم من أبيكم ﴾ قال قتادة : يعني بنيامين وكان أخا يوسف لأبيه وأمه.
قال السدي : أدخلهم الدار وقال : قد استربت بكم تنكر عليهم فأخبروني من أنتم فإني أخاف أن تكونوا عيوناً، فذكروا حال أبيهم وحالهم وحال يوسف وحال أخيه وتخلفه مع أبيه، فقال : إن كنتم صادقين فائتوني بهذا الأخ الذي لكم من أبيكم، وأظهر لهم أنه يريد أن يستبرىء به أحوالهم. وقيل : بل وصفوا له أنه أحَبُّ إلى أبيهم منهم، فأظهر لهم محبة رؤيته.
﴿ ألا تروْن أني أوفي الكيلَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه أرخص لهم في السعر فصار زيادة في الكيل.
الثاني : أنه كال لهم بمكيال واف.
﴿ وأنا خير المنزلين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني خير المضيفين، قاله مجاهد.
الثاني : وهو محتمل، خير من نزلتم عليه من المأمونين. فهو على التأويل الأول مأخوذ من النزل وهو الطعام، وعلى التأويل الثاني مأخوذ من المنزل وهو الدار.
قوله تعالى :﴿ فإن لم تأتوني به فلا كيْل لكم عندي ﴾ يعني فيما بعد لأنه قد وفاهم كيلهم في هذه الحال.
﴿ ولا تقربون ﴾ أي لا أنزلكم عندي منزلة القريب. ولم يُرد أن يبعدوا منه ولا يعودوا إليه لأنه على العود حثهم.
قال السدي : وطلب منهم رهينة حتى يرجعوا، فارتهن شمعون عنده. قال الكلبي : إنما اختار شمعون منهم لأنه يوم الجُبّ كان أجملهم قولاً وأحسنهم رأياً.
قوله تعالى :﴿ قالوا سَنُرَاوِدُ عنه أباه ﴾ والمراودة الاجتهاد في الطلب، مأخوذ من الإرادة. ﴿ وَإِنَّا لَفَاعِلُون ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : وإنا لفاعلون مراودة أبيه وطلبه منه.
الثاني : وإنا لفاعلون للعود إليه بأخيهم، قاله ابن إسحاق.
فإن قيل : كيف استجاز يوسف إدخال الحزن على أبيه بطلب أخيه؟
قيل عن هذا أربعة أجوبة :
أحدها : يجوز أن يكون الله تعالى أمره بذلك ابتلاء ليعقوب ليُعظم له الثواب فاتّبع أمره فيه.

الثاني : يجوز أن يكون أراد بذلك أن ينبه يعقوب على حال يوسف.
الثالث : لتضاعف المسرة ليعقوب برجوع ولديه عليه.
والرابع : ليقدم سرور أخيه بالاجتماع معه قبل إخوته لميله إليه.
قوله تعالى :﴿ وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم ﴾ قرأ حمزة والكسائي وحفص ﴿ لفتيانه ﴾ وفيهم قولان :
أحدهما : أنهم غلمانه، قاله قتادة.
الثاني : أنهم الذين كالوا لهم الطعام، قاله السدي.
وفي بضاعتهم قولان :
أحدهما : أنها وَرِقهم التي ابتاعوا الطعام بها.
الثاني : أنها كانت ثمانية جُرُب فيها سويق المقل، قاله الضحاك.
وقال بعض العلماء : نبه الله تعالى برد بضاعتهم إليهم على أن أعمال العباد تعود إليهم فيما يثابون إليه من الطاعات ويعاقبون عليه من المعاصي.
﴿ لعلهم يعرفونها ﴾ أي ليعرفوها.
﴿ وإذا انقلبوا إلى أهلهم ﴾ يعني رجعوا إلى أهلهم، ومنه قوله تعالى ﴿ فانقلبوا بنعمة من الله ﴾ [ آل عمران : ١٧٤ ].
﴿ لعلهم يرجعون ﴾ أي ليرجعوا.
فإن قيل : فلم فعل ذلك يوسف؟
قيل : يحتمل أوجهاً خمسة :
أحدها : ترغيباً لهم ليرجعوا، على ما صرّح به.
الثاني : أنه علم منهم لا يستحلّون إمساكها، وأنهم يرجعون لتعريفها.
الثالث : ليعلموا أنه لم يكن طلبه لعودهم طمعاً في أموالهم.
الرابع : أنه خشي أن لا يكون عند أبيه غيرها للقحط الذي نزل به.
الخامس : أنه تحرج أن يأخذ من أبيه وإخوته ثمن قوتهم مع شدة حاجتهم.